رهانات النظام السياسي البريطاني

رهانات النظام السياسي البريطاني

أكدت الانتخابات البريطانية ليوم 8 مايو وجود عدة توجهات في السياسة الانتخابية البريطانية،من ذلك نهاية التنافس بين الحزبين الرئيسيين في البلاد، انقسام البلاد سياسيًا وأيضًا إقليميًا، ووجود حزب المعارضة الرئيسي، حزب العمل، من دون زعيم ولا إستراتيجية واضحة.

خلقت نتائج الانتخابات التشريعية في المملكة المتحدة ضجة كبرى، حيث تمكن المحافظون ليس فقط من الفوز، ولكن أيضًا من الحصول على الأغلبية في مجلس العموم، كما مثل حجم الهزيمة لحزب العمل والموجة القومية في اسكتلندا من أبرز النتائج الأخرى لهذه الانتخابات، وهو ما يجعلنا نتساءل عن رهانات النظام السياسي البريطاني.

مشاركة متواضعة وتجزئة سياسية

في البداية يمكن ملاحظة المشاركة المتواضعة في هذه الانتخابات، حيث بلغت نسبة المسجلين 66.1٪ (أعلى من تلك التي سجلت في عام 2010 بنقطة واحدة)، على الرغم من أن نتائج المنافسة الانتخابية كانت منذ البداية غير مؤكدة، وإذا كانت هذه هي المرة الثالثة على التوالي التي تزيد فيها نسبة المشاركة مقارنة بالمستوى القياسي المنخفض الذي تحقق سنة 2001، إلا أنها تبقى متواضعة، أقل بكثير من مستوى 70٪، وهي في كل الحالات بعيدة عن نسب المشاركة التي تحققت بين عامي 1922 و 1997، كما شهدت أواخر التسعينات مرحلة انتقالية في نسب المشاركة التي بدأت بالانخفاض وهو دليل واضح على ضعف قدرة التعبئة لدى الفاعلين السياسيين البريطانيين.

99

كما تأكدت نهاية حقبة التنافس بين الحزبين في المملكة المتحدة، هذا النظام الذي يفترض التناوب المنتظم بين جماعتين متنافستين من أجل وصول كل حزب منهما للحكم وذلك من الحصول على الأغلبية المطلقة.

وبدأ النظام السياسي بالتقادم والتهاوي منذ سنة 2010، التي شهدت على أول تحالف في زمن السلم ما بعد الحرب الثانية والذي جمع المحافظين بقيادة كاميرون والليبراليين الديمقراطيين بقيادة نيك كليج.

في الواقع، فقد شهدت سنة 1974 انتخابات “منحرفة” تميزت بتقدم قوي لليبراليين في الانتخابات مع غياب أغلبية واضحة في مجلس النواب، وتميزت الفترة ما بين 1979-1997 (حكومات المحافظين) و1997-2010 (حكومات حزب العمل) بانخفاض المنافسة الانتخابية، فقد كانت الفوارق في التصويت أو في المقاعد بين الحزبين الرئيسيين على الدوام أعلى بكثير مما كانت عليه خلال العقود الثلاثة السابقة، لذلك ظهر كل من المحافظين وكل من حزب العمل مهيمنين هيكليًا على خصومهم الرئيسيين.

بالإضافة إلى ذلك، واصل النظام الحزبي في التجزئة الانتخابية خلال هاتين الفترتين، من دون أن يترجم حقًا على الساحة البرلمانية، وذلك بسبب نظام التصويت، حيث يكون الفائز من بين أبرز المرشحين في الجولة الأولى، ليتضح لاحقًا تزايد في عدم التناسب بين أصوات البريطانيين وتركيبة مجلس العموم.

وأكدت انتخابات عام 2015، على الرغم من أنها سمحت للمحافظين بالحصول على الأغلبية، هذه التجزئة الانتخابية، فقد انهار الليبراليون-الديمقراطيون (تحقيق أسوأ أداء لهم منذ 1970)، في حين ضاعفت بقية الأحزاب حصتها مقارنة بعام 2010، وقد حقق حزب الاستقلال، من اليمين المتطرف، زيادة ب9.6 نقطة، والحزب القومي الاسكتلندي زيادة ب 3.1  نقطة وحزب الخضر البريطاني زيادة ب 2.8 نقطة.

Capture-d’écran-2015-05-09-à-09.51.02

لتكون هذه الانتخابات مرة أخرى فرصة للوقوف على آثار النظام الانتخابي، الذي يظهر في شكل كاريكاتوري بسبب حالة التناقض بين نتائج حزب الاستقلال الذي تحصل على 12.6٪ من الأصوات ليحصل على مقعد واحد في مجلس العموم، في حين تحصل الحزب القومي الاسكتلندي على 8.4٪ من الأصوات، وهي مركزة بالأساس في مناطق اسكتلندا، ما مكنه من الحصول على 56 مقعدًا.

فشل يسار الوسط والتجزئة الجغرافية

وأخيرًا، وبالرغم من أن حزب المحافظين تحصل على الأغلبية، إلا أنه لم يحظى بالمصداقية الكافية ليحقق مثل هذا الأداء، أما بالنسبة لحزب العمل ففقدان 25 مقعدًا، على الرغم من زيادة طفيفة في الأصوات يدل على الانسحاب من بعض المناطق لهذا الحزب، والمثال الأكثر دراماتيكية يبقى بلا شك على اختفائه الفعلي من اسكتلندا، حيث تمكن فقط من الحصول على منطقة واحدة من جملة 41 منطقة التي كان يسيطر عليها، فلم يتمكن لا الوزراء السابقون، ولا زعيم حزب العمل الاسكتلندي نفسه من الفوز في هذه الانتخابات، ليبقى نفوذ حزب العمل في المناطق الحضرية والحصون الشمالية وويلز.

وهذا يثير مسألة تشخيص الهزيمة والاستراتيجية الواجب اتباعها من قبل القائد الذي سيحل محل إد ميليباند، كما هو الحال في هزائم الثمانينيات، فيجب أولًا تفسير فشل حزب العمل، حيث من المنتظر أن يفسر الجناح الأيسر لحزب العمل فقدان المقاعد الاسكتلندية بسبب المنافس الاسكتلندي (الحزب القومي الاسكتلندي) الذي كان واضحًا في مكافحته لسياسة “التقشف”، في حين سيفسر الجناح الأيمن للحزب (أولئك الذين يحنون لفترة حكم توني بلير) هذه الهزيمة بسبب عدم وجود مكاسب للطبقات الوسطى في انكلترا نتيجة عدم الكفاءة الاقتصادية.

وكانت الانتخابات المحلية التي جرت أثناء الدورة التشريعية 2010-2015 مؤشرًا أكثر موضوعية من استطلاعات الرأي، إذ نادرًا ما أظهرت نتائج استطلاعات هذا الضعف لحزب المعارضة الرئيس، كما أظهرت هذه الانتخابات المحلية كيف أن الليبراليين-الديمقراطيين تحملوا أكثر من المحافظين عواقب التحالف الذي جمعهما.

وبينت زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي أن الاستفتاء على الاستقلال لا يمكن أن يستند إلا على انتخابات البرلمان الاسكتلندي، وهكذا فإن انتخابات 8 مايو تعطي المبررات للقوميين المحليين الملتزمين بإحياء المشروع الديمقراطي الاجتماعي والتكامل الأوروبي.

وحتى لو احتفظوا بمقاعدهم في اسكتلندا، فقد فشل حزب العمال بالفعل في التغلب على حزب المحافظين، حيث يرفض الاسكتلنديون وبعنف سياسة التقشف التي ينادي بها المحافظون، بالإضافة إلى ذلك، فقد وعد ديفيد كاميرون بإجراء استفتاء حول البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإذا كانت النتيجة “نعم” في اسكتلندا و “لا” في باقي المملكة، فإنه سيكون حافزًا إضافيًا من أجل مطالبة اسكتلندا بالاستقلال.

ومع التحلل المجتمعي في المملكة المتحدة نلاحظ أيضًا على وجود تحلل سياسي، وسيندم حزب العمل على الحملة التي قادها ضد استقلال اسكتلندا متبنيًا نفس السياسة التي توخاها المحافظون، وهكذا سيكون على حزب العمل أن يثبت قدرته على بسط نفوذه الإقليمي مرة أخرى، أو الالتزام بالإصلاح المؤسساتي مع القيام بتحالفات تؤمن عودته إلى السلطة.

التقرير