لم يشهد الواقع العربي مستوى من التردي والتعقيد والتناقض منذ احتلال العراق عام 2003 بل ومنذ تاسيس الجامعة العربية عام 1945 كالذي يعيشه اليوم،والمتفحص بعينٍ ثاقبة لحال الامة لن يجد صعوبة في الاستنتاج ان ما تنذر به الايام القادمة اسوء مما عليه الان، وذلك لجملة من المعطيات التي قد تكون مجملها او بعضها قد دفع مؤخراً بالقادة العرب وخاصة اولئك الذين بدأوا يتحسسون المخاطر التي اقتربت من مواقعهم الى التفكير جدياً بانشاء قوة عسكرية مشتركة للدفاع عن امن بلدانهم التي باتت مهددة داخلياً وخارجياً، فالامة اليوم تخوض صراعين متلازمين، يصعب الفصل بينهما لجدلية علاقتهما في المواجهة والتصدي. هما صراع اجتماعي واخر قومي.
فأما الصراع الاجتماعي فيمكن تمثيله بالارهاب المنظم والمؤدلج والمسيس والمسير على وفق مخططات خارجية، باتت تتغلغل الى داخل طبقات المجتمعات العربية، تحت صور ومسميات وعناوين متنوعة وشتى، فتارة دينية واخرى طائفية وثالثة عرقية او تحررية وحزيية وفئوية الخ. وجميعها غدت تشكل تهديداً حقيقياً سيفتك بامن المجتمعات ونسيجهاً البنيوي في ظل تراجع معنوي واحباط فكري وانكسار سياسي ونفسي لتلك المجتمعات، التي فقدت الثقة بربابنتها وبقدراتها نتيجة لهول التحديات الخارجية وشراستها. الامرالذي يتطلب من الامة ان تخوض صراعاً قومياً كان نتيجة طبيعية للمنهج الاستعماري الغربي ولاستمرار الاحتلال الصهيوني للاراضي العربية وما تبعه من احتلال للعراق فضلا عن تداعيات سياسية واجتماعية في مرحلة مابعد الربيع العربي .
فالصراع القومي يتطلب استهداف تحالف المصالح الاستراتيجية المشتركة بين الكيان الصهيوني، والمد الفارسي، والامبريالية الامريكية، حيث تلتقي مصالح ذلك الثالوث في تفتيت الامة وتمزيقها من الداخل عبر اثارة الصراعات البينية الطائفية والعرقية والقبلية والجهوية، الامر الذي يفرض على الدول العربية المواجهة والتصدي، حيث نجد انها في الوقت الذي تخوض صراعها ضد التمدد الفارسي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومناطق اخرى من العالم الاسلامي، تقاوم فصائل اخرى الاحتلال الصهيوني في فلسطين، كما تتصدى فصائل اخرى لتبعات الاحتلال الامريكي في العراق وما نجم عنه من حكومات طائفية موالية لايران.
ومن هنا نجد ان على الامة اليوم في ظل الانقسامات الحادة والتيهان الذي تعاني منه والمخاطر المحدقة بها ان تنتهز الفرصة التاريخية للضجيج الكوني حول مخاطر الارهاب المهدد للعالم باسره، والمطالب بمواجهته ان تسعى بجهد حثيث للاسراع في انجاز مشروع تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة، الذي بات حاجة ملحة نتيجة الظروف الموضوعية التي دفعت بعض الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية وبمساندة قوية من قبل المملكة الاردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية لتشكيلها. ورغم ان الدافع المباشر للتفكير بانشاء مثل هذه القوة التي تعد احياء لمعاهدة الدفاع العربي المشترك هو استشعار الخطر الايراني الداهم، في ظل ضبابية الموقف الامريكي ذو الخطاب السياسي المضلل الذي يظهر غير ما يبطن. واستقواء صهيوني في الاراضي الفلسطينية المحتلة لم يشهد له التاريخ مثيل بفعل الظروف السياسية والانكسارات العسكرية، التي ألمت بالامة للاسباب المعروفة، اضافة للخطر الداهم على مصر من الاراضي الليبية، والذي ينذر بتمزيق وحدة ترابها ونسيجها الاجتماعي .
ولكن النوايا وحدها لاتكفي لتحقيق الهدف، ولا الاجتماعات السياسية او في اللقاءات الفكرية ، وانما يتطلب الامر الإقدام بخطوات عملية وحثيثة لإنجاز مهمة تشكيل تلك القوة، وتخطي كل التحديات الموضوعية والتكنيكية المعرقلة لإمر التشكيل وإيجاد الحلول المناسبة لكل منها. فكلنا يعرف ان القرار العربي لايزال مرهون بارادة غربية تضع خطوطاً حمراء لايجوز تخطيها اذا ما مست امنها المتمثل بالوجود الصهيوني، اضافة الى الانقسامات السياسية بين الدول العربية ازاء قضايا الصراعات الاجتماعية والقومية، اذ نجد هناك تباين في الرؤى بين السعودية ومصر ازء مايحدث في سوريا والعراق، كما ان قطر وعمان لا تشاركان بقية دول الخليج العربي في وجهة النظر تجاه السياسة الايرانية. والموقف من حركة الاخوان المسلمين ان كانت ارهابية او سياسية محضوره. ولم يتفق العرب على توصيف دقيق لمن ينطبق عليهم صفة الارهاب التي تتطلب مواجهته ان كان جماعات دينية او ميليشيات طائفية او عصابات جهوية او دول اقليمية، الامر الذي سيؤثر سلباً على فاعلية اي تشكيل عسكري على الارض مستقبلاً مالم تحدد الاهداف بوضوح. ناهيك عن المواقف المعرقلة لذلك الجهد العربي التي ستنهجها بعض الحكومات التي تدور في فلك السياسة الايرانية كما في العراق ولبنان، او تلك التي تتمتع بعلاقات مميزة معها كالجزائر وعُمان.
اما بشأن التحديات والعقبات التكنيكية فانها تتجسد بصعوبات التنسيق بين الجيوش العربية لغياب التجانس في المنظومات التسليحية والعقيدة القتالية والتفاوت في نظم الاتصالات والخدمات اللوجستية. لذا فان التغلب على تلك العقبات والذي يعد من اهم عوامل النجاح لتشكيل تلك القوة وتحقيق اهدافها تكمن في الغاية الحقيقية التي تم من اجلها التشكيل، فإن كانت لتحقيق هدف تكتيكي وغرض محدد كما تم الاعلان عنه، وهو القيام بعمليات التدخل السريع لمنع نشوب النزاعات وإدارتها وإيجاد التسويات اللازمة لها وكيفية استخدامها بما يحفظ استقرار الدول العربية وسلامة أراضيها واستقلالها وسيادتها. فان الامر هنا سيكون على غرار ما حصل عند تشكيل قوات الردع العربي في لبنان عام ١٩٧٦ وسوف لن يكتب لهذه القوة النجاح على المدى البعيد، لانها ستفتقر للعقيدة العسكرية المبنية على السَوق الاستراتيجي، وستفتقر للقدرة على المطاولة وغياب الروح المعنوية التي تبنى على اساس الايمان بالاهداف الكبيرة والمصيرية، علاوة على ان طبيعة النظم السياسية العربية تتاثر قراراتها بارادة قادتها التي تتغير بشكل عشوائي على ضوء المواقف الدولية الانية ذات البعد البراغماتي المحدود، الامر الذي سينعكس سلباً على مهمة التشكيل التكتيكية.
ومالم تحدد لها اهداف استراتيجية مستنبطة من طبيعة المصالح الوطنية والقومية، وبناء قدراتها على اساس المنهج الوظيفي لإنجاز المهام الموكله لها، مع التركيز على وحدة القيادة واتخاذ القرار. فان تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة لن يكون الا امر محدود التأثير.
د.سلمان العزاوي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية