في 11 سبتمبر 2012، كنت في عمان، الأردن، كجزء من زياراتي الدولية الروتينية كنائب لمدير وكالة المخابرات المركزية CIA. وكنت قبلها في إسرائيل، وكان من المقرر أن أذهب في اليوم التالي إلى المملكة العربية السعودية.
تناولت العشاء في تلك الليلة مع قائد الجيش الأردني ورئيس المخابرات الأردنية، ولدى عودتي إلى الفندق، اتصلت مع واشنطن، وقرأت بريدي الإلكتروني، قبل الذهاب إلى الفراش. وكنت قد رأيت في وقت سابق من اليوم نفسه تقارير عن الحادثة التي وقعت في القاهرة، والتي رغم أنها كانت مثيرة للقلق؛ إلا أنها انتهت دون الكثير من الضرر، ودون وقوع إصابات.
ولم يمض وقت طويل قبل أن أستيقظ من النوم على صوت طرق الباب من قبل إحدى مساعداتي، التي قالت لي إن حادثة أخرى وقعت في مركز وزارة الخارجية في بنغازي، وإن ضباط الأمن في CIA استجابوا من أجل المساعدة. وأضافت مساعدتي أن أحد ضباط وزارة الخارجية قُتل، وأن مكان وجود السفير مجهول. وقالت أيضًا إنه قد تم نقل الآخرين جميعهم إلى قاعدة وكالة الاستخبارات المركزية في بنغازي التي يعتقد أنها آمنة، مشيرةً إلى أن رئيس محطتنا في طرابلس أرسل ضباط أمن كتعزيزات من طرابلس إلى بنغازي.
ومن ثم، في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، جاءت مساعدتي مرة أخرى لتقول لي إن قاعدة وكالة المخابرات المركزية كانت تتعرض لهجوم عنيف.
كانت لمدينة بنغازي أهمية حيوية في ليبيا. لقد كانت لسنوات مركزًا للكثير من المعارضة لمعمر القذافي، وظلت موقعًا رئيسًا تستخدمه الولايات المتحدة لفهم التطورات خلال الثورة وللتأثير على اللاعبين الرئيسين في شرق ليبيا بعد القذافي. وقد تواجدت CIA في بنغازي بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية، وخلافًا لبعض التقارير الصحفية؛ لم تلعب الوكالة أي دور في نقل أسلحة من ليبيا إلى المعارضة في سوريا، ولم يفعل هذا أي من ضباط CIA أو منشآتها في ليبيا.
وفي حين أنه ليس باستطاعتي عادةً تأكيد وجود قاعدة لوكالة الاستخبارات المركزية في الخارج، ناهيك عن وصف مهمتها؛ إلا أنه، وبسبب الأحداث المأساوية في بنغازي يوم 11 سبتمبر 2012، وإثارة الجدل حول دور الوكالة في أعقابها؛ تم رفع السرية عن دور الوكالة هناك، وهو الأمر الذي يجعلني قادرًا على مناقشة هذه التفاصيل هنا.
وتعد مناقشة دور وكالة المخابرات المركزية في بنغازي أمرًا مهمًا؛ لأنها تساهم في شرح ما حدث، وما لم يحدث، في بنغازي، في ذلك اليوم (المشؤوم).
لقد كان رحيل الزعيم الليبي معمر القذافي من المشهد في ليبيا عام 2011 أمرًا جيدًا؛ لأنه منع ذبح الآلاف من مواطني البلاد، ولكن ما حدث بعد ذلك كان نشوء دولة فاشلة وفرت مساحة لازدهار الجماعات (المتطرفة). وفي النهاية، هل الشعب الليبي أفضل حالًا بعد ثورته عما كان قبلها؟ لست متأكدًا جدًا من ذلك. لقد كان ما حدث في ليبيا بالتأكيد نعمة بالنسبة لتنظيم القاعدة في جميع أنحاء شمال إفريقيا، وفي منطقة الساحل التي تضم أجزاءً من موريتانيا ومالي والنيجر. ولقد افتقرت الحكومة الوليدة التي حلت محل القذافي للقدرة البدائية حتى على الحكم، وسادت الميليشيات من مختلف الأيديولوجيات في أجزاء واسعة من البلاد.
وبسبب هذا النقص في القدرة على الحكم؛ تدهور الوضع الأمني في جميع أنحاء ليبيا خلال فصلي الربيع والصيف من عام 2012. وقد عرف محللو CIA هذا بدقة، وقاموا بكتابة عشرات من تقارير المخابرات التي تصف بالتفصيل كيف سيصبح الوضع في ليبيا أكثر خطورة. وجاء أحد تلك التقارير تحت عنوان “ليبيا: تنظيم القاعدة يقيم محمية“. وقد تمت مشاركة هذه التقارير على نطاق واسع مع جميع أجزاء السلطة التنفيذية، ومع أعضاء وموظفي لجان الاستخبارات في الكونغرس.
ومع اقتراب ذكرى هجمات 11/ 9، وتغير الوضع الأمني في أنحاء كثيرة من العالم العربي بشكل مستمر؛ أرسلت وكالة الاستخبارات المركزية إلى جميع محطاتها وقواعدها في العالم برقيةً (أوائل سبتمبر 2012) تحذر فيها من وقوع هجمات محتملة. وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك أي معلومات استخبارية محددة بشأن وقوع هجمات مخطط لها، كنا نقوم بإرسال مثل هذه البرقيات بشكل روتيني كل عام في ذكرى 11/ 9؛ لرغبتنا بأن يكون شعبنا وزملاؤنا في حكومة الولايات المتحدة أكثر يقظة.
وقد أرسلنا برقية إضافية إلى القاهرة؛ لأننا قد التقطنا معلومات استخباراتية محددة عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية تشير إلى أنه قد تكون هناك مظاهرة عنيفة في القاهرة، كرد فعل على فيلم غامض تم إنتاجه في الولايات المتحدة، ويعتقد العديد من المسلمين أنه يشكل إهانة للنبي محمد.
وكانت رسائل وسائل الإعلام الاجتماعية قد حرضت المتظاهرين حينها على اقتحام سفارتنا، وقتل الأمريكيين. واتضح فيما بعد أن سفارتنا في القاهرة قد حصلت بشكل مستقل على تقرير وسائل الإعلام الاجتماعية نفسه، واتخذت الاحتياطات اللازمة بالفعل. ولم يكن السفير، ولا معظم الموظفين، داخل سفارة الولايات المتحدة في القاهرة عندما اخترق المحتجون جدران المجمع يوم 9/ 11/ 2012، وقاموا بإشعال الحرائق، وأنزلوا الأعلام الأمريكية، ورفعوا لافتات سوداء إسلامية. وقد انتشرت أخبار ما حققه المحتجون في القاهرة سريعًا عبر وسائل الإعلام العربية، بما في ذلك “بنغازي”.
وكان مرفق وزارة الخارجية في بنغازي يعتبر على نطاق واسع، وبطريقة خاطئة، على أنه القنصلية الأمريكية في المدينة. إلا أن هذا المركز في واقع الأمر كان عبارة عن منشأة بعثة مؤقتة (TMF)، ولم يتم تشغيله باستمرار من قبل كبار الموظفين، ولم يعط في أي يوم من الأيام وضعًا دبلوماسيًا رسميًا من قبل الحكومة الليبية. وأما قاعدة CIA، ولأنها منفصلة في موقعها عن TMF؛ فقد كانت تسمى ببساطة “الملحق”.
وفي الأشهر التي سبقت هجمات 11 سبتمبر، وقعت العديد من الهجمات والحوادث التي استهدفت الولايات المتحدة، ومرافق الحلفاء الأخرى، في بنغازي، واستهدف قرابة 20 منها TMF وحدها، وأرسل محللو CIA التقارير عن كل هجوم مهم من هذه الهجمات، بما في ذلك الهجوم بعبوة ناسفة (IED ألقيت على جدار TMF، والهجوم على موكب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، ومحاولة اغتيال السفير البريطاني في ليبيا).
ونتيجةً لتدهور الوضع الأمني في ليبيا؛ قمنا في وكالة المخابرات المركزية بإعادة تقييم لما لا يقل عن مرتين لأمن موقعنا في بنغازي، وأجرينا تحسينات كبيرة في “الملحق”. ولكننا لم نعرف سوى بعد مأساة 11/ 9/ 2012، أنه لم يتم إجراء سوى عدد قليل من التحسينات الأمنية في TMF، وليس توفير الأمن لعمليات وزارة الخارجية من ضمن مهمات وكالة المخابرات المركزية.
وإذًا، لماذا تم إنجاز عدد قليل جدًا من التحسينات في TMF؟ ولماذا كان عدد قليل جدًا من ضباط أمن وزارة الخارجية يقومون بحماية السفير الأمريكي، كريس ستيفنز؟ ولماذا سمحوا له بالسفر إلى هناك في ذكرى 11/ 9؟ ولماذا سمحوا له بقضاء ليلة في بنغازي؟
هذه الأمور جميعها غير واضحة، وأود أن أعرف المحادثات التي جرت بين ستيفنز وفريقه الأمني عندما قرر السفير الذهاب لزيارة بنغازي يوم 9/ 11/ 2012. لقد كانت هذه القرارات كلها أخطاء فادحة. عندما سافرت إلى ليبيا، لم تسمح لي التفاصيل الأمنية بقضاء ليلة حتى في طرابلس، وقد جلب قائد الفريق الأمني الخاص بي ما بدا لي وكأنه جيش صغير إلى ليبيا لحمايتي.
والآن، كان أفرادنا في بنغازي تحت الهجوم.
عندما وصلت إلى مقر القيادة تحت غرفتي في فندق عمان صباح ذلك اليوم، كانت هناك خيمة أمنية تغطي طاولتين عليهما خطوط هاتف آمنة، وأجهزة كمبيوتر قادرة على الوصول إلى أعلى شبكة سرية لوكالة الاستخبارات المركزية.
ونحن نستفيد في CIA من برنامج للمراسلة الفورية، يسمى Sametime، للقيام بالاتصالات الرسمية السريعة مع أفرادنا في جميع أنحاء العالم. وقمت بالتواصل مع رئيس محطة الوكالة في طرابلس؛ لأطلب منه الحصول على تحديث للوضع، ولأرى إن كنت أستطيع مساعدته بأي شكل من الأشكال.
وخلال تراسلنا عبر Sametime، روى لي القائد كل ما يعرفه عن الهجوم على المرفق، الذي كان قد انتهى لتوه. وقال لي إن اثنين من الضباط قتلا في هجوم بقذائف الهاون على الملحق، مما يرفع إجمالي عدد الأمريكيين الذين قتلوا إلى أربعة، من بينهم السفير ستيفنز، الذي تم الإبلاغ عن وفاته في مستشفى بنغازي. وكان ستيفنز يعد أسطورة في السلك الدبلوماسي؛ لفهمه للثقافة العربية، ولقدرته على العمل بفعالية معها. وكان القتلى الآخرون هم: شون سميث، مسؤول الاتصالات في وزارة الخارجية، وغلين دوهرتي وتايرون وودز، اثنان من ضباط الأمن الذين قتلا في “الملحق“.
وخلال محادثتنا التي استمرت لما يقرب من ساعتين، قال لي رئيس المحطة أيضًا إنه قرر سحب موظفيه من بنغازي، وإنه يعمل للحصول على وسائل لنقلهم مع موظفي وزارة الخارجية إلى طرابلس. قلت له بأنني أريد “التأكد من أن الجميع بخير“، وأضفت أنني ذاهب إلى السفارة في عمان، وأنه يستطيع التواصل معي هناك. وعندما تراجعت بعيدًا عن الكمبيوتر، قلت للموظفين التابعين لي إنني معجب جدًا بكيفية تعامله مع وضع صعب للغاية، وإنني فخور به. لقد كان هادئًا وواضحًا، وقد قام باتخاذ جميع القرارات الصائبة.
ومن سفارتنا في الأردن، اتصلت بمدير وكالة المخابرات المركزية، ديفيد بترايوس، وقلت له إنني أعتقد بأنني سأقوم بإنهاء رحلتي مبكرًا. وافق بترايوس؛ فأنهيت الاتصال وقلت للموظفين التابعين لي: “إننا ذاهبون إلى المنزل”.
وهناك عدد من (الأساطير) حول ما حدث خلال ساعات الليل والصباح الباكر من يوم هجمات بنغازي. وواحدة من هذه (الخرافات) هي أنه كانت هناك معركة لمدة أربع ساعات. وتقول (الخرافة) الأخرى إن الهجمات كانت منظمة تنظيمًا جيدًا، وخطط لها لأسابيع أو حتى لأشهر. إلا أنه، وفي الواقع، كانت هناك ثلاث هجمات منفصلة في تلك الليلة، ولا تظهر أي من هذه الهجمات دليلًا على أنه خطط لها بشكل كبير، بل نفذت جميعها من قبل (متطرفين) إسلاميين لبعضهم صلات بتنظيم القاعدة، وكان كل هجوم أكثر قوة من سابقه.
وبما أن تعريف الإرهاب هو العنف الذي يرتكب ضد أشخاص محميين أو ممتلكات لأغراض سياسية؛ فإن كل هجوم من هجمات بنغازي كان بالتأكيد عملًا من أعمال الإرهاب، بغض النظر عن انتماء الجناة، وبغض النظر عن درجة التخطيط، وبغض النظر عما إذا كان الهجوم على TMF قد سبق بمظاهرات أم لا.
واستهدف الهجوم الأول مرفق البعثة المؤقت لوزارة الخارجية. ونحن نعتقد بأن (المتطرفين) في بنغازي سمعوا بالهجوم الناجح على سفارتنا في مصر، وقرروا أن يخلقوا لنا بعض المتاعب أيضًا، على الرغم من أننا ما زلنا غير متيقنين من دوافعهم. وعلى الأرجح، كان هجومهم مستوحى من القيام في بنغازي بشيء مشابه لما فعله “إخوانهم” في القاهرة. ويعتقد البعض بأنه كان مستوحى أيضًا من دعوة زعيم تنظيم القاعدة في باكستان، أيمن الظواهري، التي كان قد أدلى بها قبل يوم واحد فقط، وطلب فيها من الليبيين الانتقام لمقتل أحد كبار زعماء تنظيم القاعدة من أصل ليبي في باكستان. وقد قال “أبو ختالة”، وهو (زعيم إرهابي) وواحد من قادة الهجمات ربما، إن دافعه في واقع الأمر كان شريط الفيديو. ويتواجد أبو ختالة الآن في عهدة الولايات المتحدة؛ بموجب لائحة الاتهام الموجهة له للدور الذي لعبه في الهجوم.
وأعتقد أن ما حدث هو أنه، ومع تخطيط ضئيل أو من دون تخطيط مطلقًا، قام (المتطرفون) في بنغازي بالاتصال هاتفيًا مع بعضهم البعض، وجمعوا مجموعة من الأفراد للذهاب إلى TMF. وعندما هاجموا، في حوالي الساعة 9:40 مساءً بالتوقيت المحلي، لم يكن الاعتداء منظمًا بشكل جيد؛ بل بدا وكأن الأمر لا يتجاوز وجود مجموعة من الغوغاء الذين يعتزمون اختراق المجمع وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر به.
ولا يؤدي تقييم الفيديوهات القادمة من كاميرات TMF والملحق سوى إلى عدد قليل من الأدلة على وجود خطة مدروسة جيدًا، أو على وجود نوع من القيادة والسيطرة، أو على وجود منظمة تقف وراء الهجوم، أو على وجود التنسيق، أو حتى على اتباع أي من التكتيكات العسكرية الأساسية، في الهجوم على TMF. لقد كان بعض المهاجمين مسلحين بالأسلحة الصغيرة، في حين لم يكن الكثير منهم مسلحين على الإطلاق، ولم تظهر أي أسلحة ثقيلة في شريط الفيديو.
وظهر العديد من المهاجمين، بعد أن دخلوا المجمع من خلال البوابة الأمامية، وهم يركضون عبر الممرات، ويتصرفون كما لو أنهم لا يريدون البحث عن الأمريكيين لإلحاق الضرر بهم؛ بل وكأنهم عازمون على السلب والنهب والتخريب فقط. وكانوا يخرجون بسرعة وهم يحملون المسروقات من مباني المجمع.
وبدأ مثيرو الشغب بعدها بإشعال الحرائق. لكن، لم يكن هناك أي مؤشر على أنهم كانوا يحاولون استهداف أي شخص. لقد دخلوا مبنى اختبئ فيه الأمريكيون؛ إلا أنهم لم يجدوهم، وسرعان ما غادروا. وخلال كل ذلك، لم يقم أي من ضباط الأمن في TMF بإطلاق النار.
ولكن، وبشكل واضح، كانت هذه الغوغاء ذات نتائج مأساوية. لقد كانت غوغاء مصنوعة من مجموعة أفراد، بعضهم من (المتطرفين) الإسلاميين. ولقد كانت الغوغاء التي أدت لمقتل اثنين من الأمريكيين نتيجة إضرام النار في عدة مبان.
وبعد مراجعة شريط الفيديو، كنت مؤيدًا للإفراج عنه للعامة؛ حيث إن القيام بذلك كان سيساعد الأمريكيين في فهم طبيعة الهجوم بشكل أفضل. وما زلت لا أعرف لماذا قرر البيت الأبيض عدم الإفراج عن هذه المعلومات، على الرغم من إلحاح مدير الاستخبارات الوطنية، جيم كلابر، وبعض من كبار المسؤولين الآخرين في المخابرات، على فعل ذلك.
ولقد كان كل من السفير، وشون سميث، في المبنى الرئيس عندما اندلعت النار هناك؛ وأدى الدخان الأسود الكثيف إلى اختناقهما. ورغم ذلك، لا يوجد أي دليل على أن المهاجمين كانوا يستهدفون السفير على وجه التحديد، أو أي من المسؤولين الأمريكيين عمومًا، عندما أشعلوا هذا الحريق أو أي من الحرائق الأخرى في تلك الليلة.
وبعد نحو ساعة من اقتحام المجمع، وصل ضباط من قاعدة وكالة الاستخبارات المركزية لمساعدة زملائهم في مقر وزارة الخارجية. وقد أطلق الفريق الأمني للوكالة أولى الطلقات الأمريكية في تلك الليلة، وتبادل إطلاق النار مع المهاجمين، قبل أن يدفعهم إلى التراجع. ومن ثم، قام الضباط بمساعدة عناصر أمن مقر وزارة الخارجية في البحث عن السفير. ولقد عثروا على جثة شون سميث؛ إلا أنهم لم يكونوا قادرين على العثور على السفير. وقاموا بتنظيم تراجع إلى الملحق.
وقع الهجوم الثاني مساء ذاك اليوم على قاعدة وكالة المخابرات المركزية، بعد منتصف الليل، وخلال دقائق من وصول فريق CIA قادمًا من TMF. ويقول تقييمي لهذا الهجوم إن من قاموا به كانوا أفضل تسليحًا، ولديهم دوافع أكثر، ممن أجروا الهجوم على TMF. لقد كان هؤلاء مسلحين بأسلحة خفيفة وقذائف صاروخية، وأجبرهم ضباط وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية على الفرار بعد اشتباك قصير. ولكن، وعلى عكس ما حدث في TMF، كان هذا الهجوم أكثر تنظيمًا، ولديه هدف واضح هو قتل أمريكيين.
وبعد ثلاث ساعات ونصف من بدء الهجوم على TMF، وصلت تعزيزات إلى بنغازي في شكل عناصر من وكالة المخابرات المركزية وعسكريين تمكنوا من الإقلاع بطائرة من طرابلس إلى بنغازي لمساعدة زملائهم هناك. وبعد أن تأخروا في مطار بنغازي لبعض الوقت، وصل هؤلاء إلى الملحق في الساعة الخامسة صباحًا، واتخذ بعضهم على الفور مواقع القتال على سطح المبنى الرئيس لقاعدة الوكالة. كان الهجوم الثالث على وشك أن يبدأ، ولا يوجد أي دليل على أن المجموعة الأخيرة من المهاجمين كانت قد تبعت ضباطنا من المطار إلى الملحق، كما زعمت الصحافة لاحقًا.
وبدأ الهجوم الثالث، والأخير، في الخامسة والربع صباحًا. وأعتقد أنه بعد أن طرد ضباط الملحق (المتطرفين) أول مرة؛ قام هؤلاء بإعادة تنظيم صفوفهم، والحصول على أسلحة أثقل ومقاتلين إضافيين. والأهم من كل ذلك، هو أنهم عادوا بقذائف الهاون، التي أطلقوا خمسًا منها على المبنى؛ مما أسفر عن مقتل غلين دوهرتي، وتايرون وودز، وإصابة آخرين إصابات خطرة.
وبعد فترة طويلة من الهجوم، سألت نفسي: “لماذا لم يستخدم المهاجمون سوى خمس قذائف مورتر؟ لقد كان لديهم الوقت، والفضاء، اللازم لإطلاق عدد إضافي من القذائف بعد أن أجبروا رجال أمننا على ترك مواقعهم“.
الجواب المنطقي بالنسبة لي على هذا السؤال واضح، وهو أنه لم يكن لدى المهاجمين سوى خمس قذائف هاون. ولو كان قد تم الإعداد لهذا الهجوم لأيام أو أسابيع أو أشهر، لكان الإرهابيون قد تسلحوا بشكل أفضل، وجلبوا معهم مثل تلك الأسلحة حتى إلى الهجوم الأول في TMF، ولكان لديهم أكثر من خمس قذائف مورتر فقط للهجوم الثاني على الملحق. وفي النهاية، من المعروف أن ليبيا بلد غارق في الأسلحة، بما في ذلك قذائف الهاون.
لقد كانت أحداث ذلك المساء ستنتهي لتكون أسوأ بكثير بدون البطولة، التي لا تصدق، التي أظهرتها حفنة من ضباط وكالة المخابرات المركزية والعسكريين. ولو لم يستجب ضباط وكالة المخابرات المركزية لمساعدة TMF، لكان هناك المزيد من الوفيات بالتأكيد. وفي طرابلس، عندما بدأت الهجمات الأولى؛ استجاب عناصرنا كما يفترض أن يستجيب أي من جنود النخبة في بلادنا. لقد تطوعوا للذهاب إلى بنغازي، والوقوف جنبًا إلى جنب مع ضباطنا في تبادل لإطلاق النار مع الإرهابيين.
مايكل موريل – بولتيكيو (التقرير)