كركوك ـ تُمثل محافظة كركوك شمال العراق، نموذجًا مصغرًا للبلاد بأسرها، من حيث تنوعها العرقي والمذهبي، وغناها بالنفط الذي يُسيّل لعاب مختلف القوى السياسية التي تتصارع على النفوذ.
وفي أكتوبر الماضي، استعادت القوات العراقية السيطرة على كركوك من البيشمركة إثر اشتباكات محدودة في أعقاب توتر العلاقات بين بغداد وإقليم الشمال بعد إجراء الأخير استفتاء الانفصال الباطل في 25 سبتمبر الماضي.
ومنذ هذا التاريخ، تجتاح المحافظة موجة، تمثلت في تفجيرات واغتيالات نال المكون التركماني منها النصيب الأكبر، حيث استهدفت الاغتيالات سياسيون وأكاديميون، بالإضافة إلى شخصيات اجتماعية تركمانية مرموقة، كان الفاعل فيها جميعًا، مجهولًا.
في هذا الصراع الخفي على المدينة، كان النسيج الأوسع للمحافظة من التركمان هم أكبر المتضررين، فقبل 4 أيام شهدت المحافظة في وقت متزامن 6 هجمات استهدفت التركمان، تسببت في مقتل 3 أشخاص، وإصابة أكثر من 10 آخرين.
وتجلى الصراع على النفوذ خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 مايو الماضي، فبعد فرز الأصوات نزل التركمان إلى الشوارع؛ احتجاجًا على عمليات تزوير، واحتساب أصواتهم لصالح حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”.
وأطلق على المظاهرات التي نظّمها التركمان في المدينة، اسم “الثورة الزرقاء”، واستمرت قرابة شهر، ولاقت دعمًا من السكان العرب في المدينة.
وبحسب مصادر محلية، عقدت بعض الأحزاب الشيعية المقربة من إيران، لقاءات مع أحزاب كردية، تم خلالها طرح عودة قوات البيشمركة إلى مدينة كركوك من خلال الانتشار في نقاط محددة.
وعودة البيشمركة إلى المدينة، سيكون مقابل دعم حزبي الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني للحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها في بغداد.
هذا الوضع إن صح وقوعه، يدفع العرب والتركمان في المدينة للمزيد من القلق، فالوضع الأمني المتدهور في المدينة، ربما يمتد باتجاه “صراع عرقي” فيها.
وقال قاسم قازانجي، رئيس فرع الجبهة التركمانية العراقية في كركوك، في تصريح للأناضول، إن “الأطراف السياسية الساعية لفرض هيمنة من جانب واحد على المدينة، هي من تقف وراء التفجيرات التي تستهدف على وجه الخصوص الأحياء السكنية للتركمان في كركوك.
وعن هوية تلك “الأطراف السياسية”، تحدث قازانجي عن الأحزاب السياسية الكردية، في إشارة إلى (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني).
واعتبر المسؤول التركماني، أن وقوع التفجيرات في الأحياء السكنية التركمانية (بكركوك)، يمثل أبرز مؤشر على أن التركمان هم المستهدفون من هذه التفجيرات.
واتهم الأحزاب السياسية الكردية بأنها تسعى لخلق تصوّر بأنه “لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في كركوك دون البيشمركة”.
بدوره، اتهم نائب رئيس المجلس التركماني العراق، نهاد قوشجو، الأحزاب السياسية الكردية بأنها “تحاول تقويض الاستقرار في كركوك، عقب فرض الجيش العراقي سيطرته عليها في أكتوبر (2017)”.
وأشار قوشجو في إلى أن “مناطق التركمان في العراق تشهد حربًا جغرافية، مضيفًا: “يريدون أن يتركوا هذا المجتمع دون أرض عبر استهداف مناطق التركمان”.
من جانبه، قال عضو المجلس العربي في كركوك، حاتم الطائي إنه “يتم استهداف استقرار وتنمية المدينة من خلال هذه التفجيرات التي تعد جزءًا من الألاعيب السياسية”.
وأضاف، أن التفجيرات المتزايدة في الآونة الأخيرة تعد خطوات من أجل عودة الأحزاب السياسية الكردية إلى فترة هيمنتها الأحادية على المدينة.
في المقابل، قال برهان سليمان نائب مدير مؤسسة “هفال” الإعلامية الناطقة بالكردية، إن أكراد كركوك يرفضون جميع التفجيرات الإرهابية التي تؤثر بشكل سلبي على المدينة.
واعتبر سليمان في حديث للأناضول، أن التفجيرات التي وقعت مؤخرًا في كركوك أدت إلى شعور السكان بغياب قوات “البيشمركة”.
واستدرك بالقول: “خصوصًا المنطقة الجنوبية للمدينة التي تسلل إليها الإرهابيون، ما كان ليحدث ما حدث؛ لو أن البيشمركة موجودة”.
وكركوك الغنية بالنفط محافظة متنازع عليها بين بغداد وإقليم الشمال، يقطنها خليط من الأكراد والتركمان والعرب.
وكانت كركوك تدار أمنيًا بصورة مشتركة من قبل القوات العراقية، و”البيشمركة”، حتى عام 2014 عند تراجع الجيش العراقي أمام تقدم تنظيم داعش، الذي سيطر على قضاء الحويجة فقط في المحافظة، بينما حالت “البيشمركة” دون اجتياحه لبقية المناطق.
وفي 16 أكتوبر 2017، فرضت القوات التابعة للحكومة المركزية سيطرتها على كركوك مجددًا، معلنة انتهاء هيمنة قوات “البيشمركة”.
وفي شهر ديسمبر الماضي، خسر داعش كل الأراضي التي كان يسيطر عليها في 2014، والتي كانت تقدر بثلث مساحة العراق؛ إثر حملات عسكرية متواصلة استمرت ثلاث سنوات بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
لكن التنظيم، لا يزال بإمكانه شن هجمات عنيفة عبر الهجمات الخاطفة على طريقة حرب العصابات التي كان يعتمدها قبل اجتياحه شمال وغرب البلاد في 2014.
العرب