وصلت أزمات الاقتصاد السوداني إلى ذروة خطيرة باختفاء الخبز من الأسواق، بعد سلسلة أزمات مسّت كافة مناحي الحياة منذ بداية العام الجاري، في ظل تخبّط الحكومة في إدارة الوضع، الذي يسير نحو الأسوأ وينذر بانفجار الاحتجاجات مع استمرار انفلات معدل التضخم وانحدار قيمة الجنيه.
الخرطوم – أطلّت أزمة جديدة برأسها على السودان بعد أزمات الوقود والتدهور المتسارع لقيمة للجنيه وارتفاع معدل التضخم، تمثلت في شحّ الخبز الذي استفحل خلال الأيام الأخيرة بشكل غير مسبوق.
ويعاني السودان منذ سنوات من متاعب اقتصادية حادة بسبب التقلبات السياسية للحكومات المتعاقبة للرئيس عمر البشير، والتي لم تجد الاستراتيجية الملائمة للخروج من الحلقة المفرغة للأزمات المتلاحقة.
وتشهد المخابز في كامل البلاد ازدحاما كبيرا من المواطنين، فيما أغلقت البعض منها أبوابها بحجة نقص القمح والطحين.
وتباينت أسباب الأزمة، ففي حين أرجعتها الحكومة إلى عدم توفر الكهرباء للمطاحن، يؤكد أصحاب المخابز أن الأزمة تعود لارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية أمام العملة المحلية، بالإضافة إلى عدم توفر الدقيق بما يعمل على تغطية الاستهلاك.
ويؤكد الطاهر عبدالله، صاحب مخبز بحي الشجرة جنوب العاصمة، على وجود صعوبات، تتمثل في عدم توفر الكميات الكافية من الدقيق بسبب تراجع الاستيراد الناتج عن ارتفاع أسعار الصرف.
ويقول إن الوكلاء لا يمنحون المخابز الكميات المعتادة من الدقيق، الأمر الذي تسبّب في نهاية المطاف في انخفاض الكميات المنتجة من الخبز.
وتشكو الحكومة من ضائقة مالية انعكست على توفير اعتمادات العملة الصعبة لاستيراد القمح، والتي تصل إلى نحو ملياري دولار سنويا.
وسجل سعر الجنيه هبوطا جديدا أمام الدولار الثلاثاء الماضي، عند مستوى 46 جنيها للبيع وسعر الشراء 45 جنيها في تداولات الأسواق السوداء، مقارنة بحوالي 43 جنيها للبيع نهاية الأسبوع الماضي.
وفي الأشهر القليلة الماضية، أظهر الجنيه علامات على التعافي بعد خفض قيمته مرتين بشكل حاد في يناير الماضي، ما أضعف سعر الصرف الرسمي للعملة إلى 31.5 جنيه مقابل الدولار، من 6.7 جنيه في ديسمبر الماضي.
ورغم ذلك، فإنه مع سعي الحكومة إلى تعزيز سعر الصرف، والتضييق التدريجي لنطاق تداول العملة في البنوك، فإن التجار في السوق السوداء دفعوا قيمة الجنيه للمزيد من الانخفاض.
ويرى أشرف إبراهيم، العامل في مخبز الفكي بالخرطوم، أن عدم إيفاء السعر الحالي للخبز مع متطلبات سعر مدخلات إنتاجه، دفع المخابز إلى تقليص الإنتاج. وقال إن “مطاحن الدقيق فشلت في توفير الكميات الكافية للمخابز، بما ساهم في تفاقم الأزمة”.
وأشار إلى أن التأثير الكبير لارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه على مدخلات صناعة الخبز، جعل البيع بالسعر الحالي غير مجز.
وقامت مخابز بزيادات غير قانونية في الأسعار، حيث تبيع 3 أرغفة بسعر 5 جنيهات (0.3 دولار)، مقارنة بالسعر الحالي البالغ جنيه واحد (0.06 دولار) لكل رغيف، وسط نفي اتحاد المخابز بولاية الخرطوم وجود أي زيادة في أسعار الدقيق ومدخلات صناعة الخبز.
وانتقد الأمين العام للاتحاد بدرالدين الجلال، قيام مخابز بتلك الزيادة، معتبرا الأمر تصرفا غير مسؤول ويهدف إلى إحداث بلبلة وسط المواطنين.
وأرجع الجلال أسباب شح الخبز هذه الأيام لانقطاع التيار الكهربائي عن المطاحن، بما يساهم في انخفاض إنتاجها اليومي علاوة على وجود أزمة في توفير الغازولين.
2 مليار دولار قيمة الاعتمادات السنوية التي تخصصها الحكومة لاستيراد القمح
ويتجاوز استهلاك البلاد من القمح مليوني طن سنويا، بينما تنتج ما لا يتجاوز 12 إلى 17 بالمئة من الاستهلاك السنوي. ويبلغ عدد المطاحن في الخرطوم وحدها، حوالي 42 مطحنا لتوفير احتياجاتها من الدقيق، التي تقدر بأكثر 45 ألف كيس يوميا.
وقررت الحكومة العام الماضي إيقاف استيراد الدقيق في محاولة منها لترشيد بنود صرف النقد الأجنبي، لكن الإجراءات كانت لها تداعيات سلبية على أسعار الاستهلاك التي أخذت منحى تصاعديا.
وتستهدف الحكومة خفضا حادا في التضخم ليصل إلى 19.5 بالمئة مع نهاية العام الجاري، من 34.1 بالمئة في نهاية العام الماضي.
وتفاقمت أزمة شح الوقود بعد أسابيع من ظهور بوادر تذبذب في الإمدادات، ما ولّد حالة من عدم اليقين بين المواطنين، رغم محاولات الحكومة استيراد شحنات لتغطية الفجوة.
وتتجه السلطات إلى إلغاء دعم الوقود والغذاء نهائيا بحلول العام القادم، وهو ما قد يضعها في مواجهة مع السودانيين إذا استمر الوضع الاقتصادي متأزما.
وحُرم السودان إلى حد كبير من الاستفادة من مصادر التمويل الدولية في السنوات العشر الماضية، بسبب عقوبات أميركية تم رفعها في أكتوبر الماضي.
العرب