دمشق – لم تستبعد قيادات كردية سورية إمكانية التعاون العسكري مع النظام في محافظة إدلب كما المناطق التي تسيطر عليها تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر في الشمال السوري.
وتأتي هذه التصريحات بعد زيارة أجراها الأسبوع الماضي وفد لمجلس سوريا الديمقراطية الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية إلى دمشق بطلب من الحكومة وذلك لبحث مستقبل شمال سوريا وشرقها التي تسيطر الأخيرة على معظم أجزائه.
وقال صالح مسلم، الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، إن هناك إمكانية كبيرة للقبول بتعاون عسكري مع النظام، مشددا أنه “لا يمكن أن نقبل أن يظل هناك جزء محتل من أراضي سوريا، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لا بد من إنهاء هذا الوضع وتحرير جميع الأراضي. وقد نتعاون مع النظام عسكريا من أجل تحرير أراضينا من الاحتلال التركي”.
واعتبر القيادي الكردي البارز “المسألة ليست أنهم سوف يساعدوننا في عفرين مقابل مساعدتنا لهم في إدلب إنما المسألة هي أننا سنعمل جنبا إلى جنب إذا ما تم إنضاج التفاهمات الراهنة.. الجميع يتذكرون أنه قبل سقوط عفرين دعونا النظام السوري للتدخل بالمعركة حفاظا على السيادة السورية ولكنه للأسف تخاذل في الدفاع عن المدينة.. ولكننا متمسكون بحقنا في الدفاع عن أراضي سوريا وعن سيادتها”.
وكانت القوات التركية مدعومة بفصائل سورية معارضة قد سيطرت على مدينة عفرين بريف حلب في مارس الماضي بعد طردها لوحدات حماية الشعب الكردي. وجاء الهجوم التركي بعد تفاهمات مع روسيا لجمت أي نية للنظام للمشاركة في دعم الأكراد للتصدي للتدخل التركي الذي تصفه دمشق بالاحتلال.
ويرى مراقبون أن التغيرات المتسارعة على الساحة السورية خاصة مع اقتراب النظام من استكمال سيطرته على جنوب غربي سوريا وقبلها استعادته الغوطة الشرقية، من شأنها أن تعيد خلط أوراق التفاهمات خاصة على خط أنقرة –موسكو، في ظل مؤشرات عن توجه النظام بدعم روسي إلى شن عملية عسكرية واسعة في محافظة إدلب التي تعتبر المحافظة الوحيدة خارج نفوذ دمشق.
ويريد الأكراد الذي يدركون حجم المتغيرات أن يبقوا في صلب المعادلة السورية، وأن يعززوا الثقة مع النظام، والأهم هو أن يبعدوا الخطر الوجودي الذي يشكله الحضور التركي عليهم عبر طرح أطر للتعاون العسكري مع دمشق في الشمال.
العلاقة بين النظام والأكراد خضعت طيلة سنوات الحرب المستمرة إلى حالة مد وجزر ولكنها لم تصل إلى قطيعة تامة
وخضعت العلاقة بين النظام والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة طيلة سنوات الحرب الثماني المستمرة إلى حالة مد وجزر ولكنها لم تصل في أي وقت من الأوقات إلى قطيعة تامة، حيث أن النظام لم يتعاط مع هذا المكون السوري كباقي المعارضين الذي يصنفهم جميعهم في خانة الإرهابيين.
وقد أبدى النظام قبل فترة انفتاحا على الحوار مع الأكراد حول مطالبهم، جاء ذلك على لسان الرئيس بشار الأسد، وسرعان ما تلقف الجانب الكردي هذه الدعوة بإيجابية بتأكيد رغبتهم في التفاوض معه بدون شروط مسبقة، وقد ترجم ذلك في الاجتماعات التي دارت مؤخرا في دمشق حيث لم يصروا على مسألة الحكم الذاتي بل تم توسيع دائرة الخيارات لتشمل إنشاء نظام حكم لامركزي على الأقل في المناطق ذات الغالبية الكردية.
واستنكر صالح مسلم التساؤلات التي تركزت حول ما إذا كانت “قوات سورية الديمقراطية”، التي يشكل المسلحون الأكراد أبرز مكون فيها، وذراعها السياسي “مجلس سورية الديمقراطية”، قد استشارا واشنطن قبل بدء التفاوض مع النظام السوري، قائلا “قرارنا السياسي بيدنا وليس بيد أحد.. وعندما رأينا وجود مناخ مناسب لبدء المفاوضات باشرنا الأمر.. يجوز أن نبلغ الأميركيين أو الروس بخطواتنا، وهذا ما حدث ولكنه كان مجرد إبلاغ، دون انتظار قرار بالموافقة على الخطوة في حد ذاتها من عدمه”.
ونفى أن تكون التغيرات الميدانية على الساحة السورية أو ما يتم رصده من رغبة الولايات المتحدة بالانسحاب من المشهد هو ما قاد الأكراد للتفاهم مع النظام من أجل الاحتفاظ بمكاسبهم وضمان مكان لهم في أي مفاوضات تتعلق بمستقبل البلاد، وقال “الأمر لا يرتبط بأي تطورات… فقد كنا دعاة حوار منذ البداية، ولكن الطرف الحكومي هو من كان يعارض، وكان مترددا في اتخاذ هذه الخطوة لحسابات خاصة به. ولكن عندما أعربوا عن رغبتهم.. بدأ الأمر وذهب وفد يضم كافة مكونات سورية الديمقراطية، لا الأكراد فقط، بل العرب والسريان، إلى دمشق للتفاوض.. فقد وصلت الأزمة السورية لمرحلة تتطلب جلوس كل الأطراف السورية مع بعضها البعض”.
وحول إمكانية التخلي عن مناطق الإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد بالشمال إذا ما اشترط النظام ذلك، قال مسلم “الجميع، وفي مقدمتهم النظام، يعلمون أن سوريا لا يمكن أن ترجع لسابق عهدها، وأنه لا بد من وجود سوريا جديدة بدستور وقوانين جديدة.. وطبقا للوفد الذي زار دمشق، فقد وعد النظام بأن يكون هناك نظام حكم لامركزي”.
ولا يستبعد محللون إمكانية حدوث تحالف بين الأكراد والنظام، خاصة وأن الأخير لا يبدي تشددا حيال تمتع الأكراد بصلاحيات واسعة في المناطق التي يملكون فيها حضورا مكثفا، مقابل تسليمهم لتلك التي لا يحظون فيها بحضور وازن كمحافظتي الرقة ودير الزور، لكن المسألة تبقى خاضعة لبازار المساومات بين روسيا والولايات المتحدة.
ويشير مراقبون إلى أن في حال تم التوصل إلى تفاهم حول هذه المسألة فإنه لم يبق سوى معضلة إدلب والوجود التركي المباشر في ريف حلب وهنا قد ينضم الأكراد إلى النظام لخوض عمليات عسكرية في هذه المناطق.
وتحاول أنقرة هذه الأيام إقناع روسيا بعقد تفاهمات جديدة لإسقاط هذا التوجه عبر طرح فرضية السماح للنظام بالسيطرة على المدن المطلة على الطريق الرئيسية الرابطة بين إدلب واللاذقية وأيضا القريبة من قاعدة حميميم الروسية،ومن المرجح أن تطرح هذه المسألة في اجتماع سوتشي الذي بدأ الاثنين، ولكن السؤال هنا هل ستسمح موسكو باستمرار سيطرة جبهة النصرة على معظم المحافظة.
وبالتوازي مع ذلك تعمل تركيا على تجميع فصائل إدلب ضمن جيش واحد كخطوة احترازية لمواجهة السيناريو الأسوأ. وبدأ النظام حشد قواته استعدادا لعمليات في إدلب، مع قيام الجيش الروسي بفتح ممرات عبور للمدنيين الراغبين في الرحيل من المحافظة.
العرب