بغداد – وجدت فصائل شيعية عراقية مسلّحة شديدة الارتباط بإيران، نفسها أمام حتمية مواجهة تبعات الأوضاع المالية والاقتصادية الإيرانية المعقّدة بفعل اشتداد العقوبات وتصاعدها منذ أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتّفاق النووي وتحذيرها الدول والشركات من التعامل التجاري مع إيران.
وبدأ شبح الإفلاس المالي يخيّم فعلا على الفصائل الأكثر اعتمادا على التمويل الإيراني والأكثر التزاما بتنفيذ الأجندة الإيرانية، ويدفعها للبحث عن قنوات تمويل بديلة تغطّي الالتزامات الكبيرة التي تتراوح بين تسليح المقاتلين وتدريبهم وصرف مرتباتهم وتغطية مصاريف مهمّاتهم القتالية في الداخل والخارج، والتعويض للمصابين منهم في الحروب، وكفالة عوائل من يقتل منهم، إضافة إلى أعباء مالية كثيرة أخرى مثل توفير الحماية الكافية لكبار قادة تلك الفصائل وضمان مستوى عيش “لائق بمكانتهم”.
ويضاف إلى ذلك أعباء الأنشطة السياسية والدعائية والإعلامية التي تنخرط فيها تلك الفصائل، باعتبارها أيضا مشاركة في الحكم ولها ممثلوها في كواليس السياسة ومواقع القرار، كما أن لها طواقم ومنابر إعلامية تواكب أنشطتها السياسية والعسكرية وتعمل باستمرار على تلميع صورة قادتها والدفاع عن الأجندات التي يخدمونها.
ويقول مختصّون في شؤون الجماعات المسلّحة، إنّ عدّة ميليشيات شيعية عراقية، باتت تواجه بالفعل أزمة مالية حادة، وإن أمامها طريقين لمواجهتها، يتمثل الأوّل والأقصر مدى في الضغط على المصاريف بتقليص المهام وما يستلزمه ذلك من تقليص عدد المقاتلين، ويتمثّل الثاني في البحث عن موارد مالية بديلة، عبر الانخراط في أنشطة تجارية واقتصادية، واستخدام ما تمتلكه تلك الميليشيات من نفوذ وسيطرة على الأرض في إنجاح تلك الأنشطة وضمان ربحيتها.
وقالت مصادر سياسية رفيعة في بغداد لـ“العرب” إنّ أحزابا وجماعات مسلحة عراقية تلقت من طهران إشعارات بوجوب البحث عن فرص بديلة لتمويل أنشطتها سواء في داخل العراق أو خارجه، بسبب عجز طهران عن مواصلة مدها بحجم الأموال التي كانت تزودها بها سابقا.
وأوضحت المصادر ذاتها أن “بعض الأحزاب والجماعات العراقية المسلحة شرعت بالفعل في عملية تأمين فرص التمويل البديلة من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية داخل الأراضي العراقية”.
ميليشيات استولت على عقارات في بغداد والموصل ووضعت يدها على أراض خصبة في حزام بغداد وشرعت في استغلالها
ومن بين المشاريع التي تبنتها هذه الأحزاب والجماعات إنشاء شركات صغيرة بعناوين محلية لنقل بعض المنتجات النفطية إلى دول مجاورة لإعادة تصديرها إلى دول أخرى وإنشاء شركات نقل وسياحة تحصل على وكالات من خطوط جوية دولية للعمل في العراق وتشييد مطاعم وفنادق في بغداد وعدد من المحافظات العراقية وإنشاء مزارع فلاحية في عدد من المناطق.
ووفقا للمصادر فإن بعض هذه المشاريع بدأ الإنتاج فعليا، فيما تتراوح مشاريع أخرى بين التخطيط وبدء التنفيذ.
وبحكم نفوذها استولت هذه الجماعات على عقارات وأراض واسعة في مناطق عراقية مختلفة بينها بغداد والموصل بشكل رئيسي، فضلا عن مناطق نفوذها التقليدي في وسط وجنوب العراق، ذات الأغلبية الشيعية.
وتستخدم هذه الجماعات نفوذها الكبير في أجهزة الدولة العراقية للحصول على تسهيلات قانونية كبيرة وبعض القروض الميسرة لتمويل هذه المشاريع.
ويقول سكان محليون في حزام بغداد إن الكثير من الأراضي الزراعية التي سيطرت عليها فصائل مسلحة خلال عمليات استعادتها من سيطرة تنظيم داعش، لم تتم إعادتها إلى أصحابها الأصليين بحجة أنهم متهمون بالتعاون مع تنظيم داعش.
ويقول السكان إن هذه الأراضي تحولت إلى مناطق لنشاط زراعي كثيف خلال الشهور القليلة الماضية بعضها بدأ الإنتاج فعليا وتدفقت منه المحاصيل إلى الأسواق المحلية.
وتعتمد هذه الأحزاب والجماعات المسلحة على نوعين من المتعاونين المحليين، يتمثل الأول بتجار ومقاولين صغار يتولون إنشاء وتشغيل وإدارة شركات النقل والمطاعم والفنادق، ويتمثل الثاني بمقاتلين في صفوف قوات الحشد الشعبي للعمل في المزارع.
ووفقا للمصادر، فإن العوائد الناتجة عن هذه الاستثمارات تنقسم إلى جزأين، يذهب الأول إلى المتعاونين المحليين لضمان استمرار تعاونهم فيما يستخدم الثاني في تمويل الأنشطة السياسية والعسكرية في العراق وخارجه.
وتقول مصادر مطلعة إن كلفة الأنشطة العسكرية الإيرانية في كل من سوريا واليمن، باتت باهظة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها إيران.
وتضيف أن الخطة البديلة لـ“ضمان استمرار الصمود الإيراني في وجه الضغوط الأميركية الكبيرة تتمثل في إشراك الحلفاء العراقيين في البحث عن مصادر تمويل بديلة”.
وتوضح “على سبيل المثال فإن تمويل عمليات تهريب مقاتلين عراقيين من إيران إلى اليمن كان من مهمة طهران حتى وقت قريب، لكنه بات الآن مسؤولية أحزاب وجماعات عراقية مسلحة بالاعتماد على استثمارات اقتصادية محلية”. ويتقاضى كل مقاتل عراقي يجري نقله إلى اليمن لمساعدة الحوثيين نحو 1500 دولار شهريا أي نحو ضعف راتب المقاتل الذي ينشط في سوريا ما يتطلب توفير مقادير أكبر من المال.
ويضطر زعماء في فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران على غرار عصائب أهل الحق إلى رعاية عوائل المقاتلين الذين يُقتلون في حربي سوريا واليمن، ولا يمكن تسجيلهم كضحايا للحرب داخل الأراضي العراقية على تنظيم داعش حتّى تتولى الدولة العراقية رعايتهم. ويتطلب هذا الأمر تمويلا مستمرا. ونظرا لشحة الأموال الإيرانية بدا أن الاستثمارات الصغيرة داخل العراق هي البديل المثالي الذي يحفظ استمرار خطوط التأثير الإيراني في المنطقة.
العرب