متى يفيق أردوغان من الأوهام في علاقته بواشنطن

متى يفيق أردوغان من الأوهام في علاقته بواشنطن

إسطنبول (تركيا) – تمر تركيا والولايات المتحدة بأخطر أزمة دبلوماسية بينهما منذ عقود، بعد قرار واشنطن فرض عقوبات على وزيرين تركيين على خلفية احتجاز قس أميركي وتوعد أنقرة بالرد.

وتدهورت العلاقات الحساسة بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي، الأربعاء، بعدما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات اقتصادية على وزيري القضاء عبدالحميد غول والداخلية سليمان صويلو التركيين.

ولعب المسؤولان “أدوارا رئيسية” في القبض على القس أندرو برانسون (50 عاما) واحتجازه. وبرانسون متهم بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو 2016. وسيتم منع الوزيرين من السفر إلى الولايات المتحدة كما سيتم تجميد أصولهما هناك.

ووفقا للقوانين الأميركية، يتم تجميد الأصول المالية المحتملة بالولايات المتحدة للأشخاص المدرجين في قائمة العقوبات، ويحظر عليهم إقامة علاقات تجارية مع الأميركيين. وردت أنقرة على هذا القرار غير المعتاد بحق دولة حليفة والصادر بعد تسارع تصعيد التوتر في الأيام الأخيرة بغضب متوعدة بفرض عقوبات “مماثلة” بشكل “فوري”.

وندّد رئيس البرلمان التركي بن علي يلدريم، الخميس، بقرار العقوبات الأميركية، واصفا إياه بأنه “غير قانوني وتعسفي للغاية”. ودعا يلدريم الإدارة الأميركية إلى التراجع عن “هذا الخطأ”. وأردف “ندين بشدة هذا القرار الذي ينم عن عدم احترام لمراحل المحاكمة في تركيا، وننتظر العدول عن هذا الخطأ”.

قطيعة تاريخية
مردّ الأزمة إلى احتجاز تركيا لقس أميركي يدعى أندرو برانسون تتهمه أنقرة بممارسة أنشطة “إرهابية” والتجسس وقد وضعته قيد الإقامة الجبرية قبل أسبوع بعد اعتقاله عاما ونصف العام. وصرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز “نعتقد أنه كان ضحية معاملة ظالمة وغير مبررة من جانب الحكومة التركية”، معلنة العقوبات بحق المسؤولَين التركيَين.

وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية أنه تمت مصادرة ممتلكات الوزيرَين التركيَين وأصولهما.

ومنعت إدارة دونالد ترامب أيضا أي مواطن أميركي من القيام بأعمال معهما. فيما علقت وزارة الخارجية التركية في بيان “لا شك في أن هذا سيضر بشكل كبير بالجهود البناءة التي تُبذل لحل المشاكل بين البلدين”. وأضافت “سيكون هناك رد فوري على هذا الموقف العدائي الذي لا يفيد بشيء”.

وتعد هذه المواجهة هي إحدى أسوأ الأزمات الدبلوماسية بين البلدين منذ الأزمة التي أثارها احتلال تركيا للقسم الشمالي من جزيرة قبرص في العام 1974.

وفي بادرة نادرة تنم عن وحدة صف، نددت الكتل النيابية للأحزاب التركية الأربع الخميس في بيان مشترك بهذه العقوبات الأميركية معلنة “نقول لا لتهديدات الولايات المتحدة”. كما نددت الصحف التركية بالإجماع، الخميس، بالعقوبات الأميركية وكتبت صحيفة “حرييت” المؤيدة للحكومة “قرار مشين لواشنطن”، بينما كتبت صحيفة المعارضة “جمهورييت” أنها “قطيعة تاريخية”.

وتلقي قضية برانسون بظلالها على العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة منذ عامين تقريبا. فقد أوقف القس المتحدر من كارولاينا الشمالية في أكتوبر 2016 في إطار عمليات التطهير التي أطلقتها السلطات التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو من العام نفسه. وينفي برانسون المقيم منذ نحو عشرين عاما في تركيا حيث يشرف على كنيسة صغيرة كل الاتهامات الموجهة إليه. وهو يواجه إمكانية الحكم عليه بالسجن حتى 35 عاما في إطار القضية التي بدأت أبريل الماضي.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية الأربعاء أن وزير الخارجية مايك بومبيو تحادث هاتفيا مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو على أن يلتقيه هذا الأسبوع في سنغافورة للمطالبة بالإفراج عن القس الأميركي.

وقال بومبيو إن هناك “محادثات عديدة” بين الجانبين، بما في ذلك محادثاته مع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو. مشيرا إلى أن “الرئيس ترامب خلص إلى أن هذه العقوبات هي الإجراء الأنسب”.

وتضفي هذه القضية المزيد من التوتر على العلاقات الصعبة أصلا بين واشنطن وأنقرة على خلفية النزاع السوري، وأيضا بسبب وجود الداعية فتح الله غولن في الولايات المتحدة والذي يتهمه أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب عليه في صيف 2016. وساهم أيضا في توتير العلاقات والدعم الذي تُقدّمه واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، علما أن أنقرة تصنف هؤلاء المقاتلين الأكراد منظمة “إرهابية” تهدد حدودها.

التصعيد متواصل
يعتقد مراقبون أن قضية القس ليست سوى ذريعة ولا تمثل السبب المباشر لهذا التصعيد، إذ أن الأسباب الحقيقية تبدو أقرب للملفات الخلافية السابقة بين الشريكين الاستراتيجيين، خصوصا لتقارب أنقرة مع موسكو في الملف السوري ومعارضتها العقوبات الأميركية على إيران.

ويشير الصحافي إلهان تانير في تقريره على موقع أحوال التركية إلى أن الهدف من العقوبات الأميركية ليس الأصول الأميركية لأفراد مثل صويلو وغل، لكن الحظر المفروض على اثنين من كبار المسؤولين لحليف مهم في حلف شمال الأطلسي هو أمر رمزي تماما، وهو ضربة غير مباشرة لرجل تركيا القوي أردوغان. وأوضح تانير أن العشرات من حلفاء أردوغان الآخرين غير قادرين على السفر إلى الولايات المتحدة، خوفا من إلقاء القبض عليهم فيما يتصل بخطة النفط مقابل الذهب، للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران التي تورط فيها عدد من كبار المسؤولين الأتراك. وختم بقوله “نحن الآن في منطقة مجهولة، فلا يمكن لأحد أن يتنبأ بالمكان الذي قد تنتقل إليه العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا من هنا…هناك ترامب من جهة والقائد التركي الشعبوي أردوغان من جهة أخرى”.

انخفاض العملة التركية بعد إعلان العقوبات
إسطنبول (تركيا) – واصلت الليرة التركية هبوطها القياسي الخميس، بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيرين تركيين بسبب دورهما في اعتقال واحتجاز قس أميركي. وهبطت الليرة لتصل إلى 5.09 ليرة للدولار. والليرة التركية هي ثاني أسوأ العملات أداء هذا العام بعد البوليفار الفنزويلي.

وهبطت العملة بالفعل في ظل التوتر السياسي بين الرئيس رجب طيب أردوغان والولايات المتحدة وبسبب سياسات أردوغان الاقتصادية غير الرشيدة. وفاقم البنك المركزي التركي مشكلات العملة في مواجهة العقوبات بتقاعسه عن رفع أسعار الفائدة الشهر الماضي، فيما كان أول اجتماع للبنك بعد انتخاب أردوغان لولاية جديدة في 24 يونيو مدعوما بصلاحيات واسعة جديدة على الاقتصاد والسياسة.

وقال تيم آش الخبير الاستراتيجي بالأسواق الناشئة لدى بلو باي لإدارة الأصول في لندن إن مصداقية صناع السياسة النقدية التركية هوت الآن إلى الحضيض. وأضاف آش “ينبغي للبنك المركزي أن يفكر مليا وبجد في قراره بشأن أسعار الفائدة. العقوبات الأميركية سببت ضررا لكن كان من الممكن أن يصبح الأثر أخف لو كان البنك اقد اتخذ القرار السليم في المرة الماضية”. كان البنك المركزي قد تصرف متأخرا في مايو عندما سجلت الليرة مستويات قياسية منخفضة، حيث رفع أسعار الفائدة في اجتماع طارئ.

وزاد البنك سعر الفائدة القياسية بواقع 500 نقطة أساس إجمالا على ثلاث مرات هذا العام إلى 17.75 في المئة. وسوف تزيد العقوبات الأميركية الانطباع بين المستثمرين بأن تركيا لا تنسجم مع السلوك الطبيعي المتوقع من اقتصاد سوق ناشئة. وخلق أردوغان ذلك الانطباع أيضا بإصراره على أن أسعار الفائدة المرتفعة تدعم التضخم وبانتقاده لحلفاء غربيين وإسرائيل مع سعيه لكسب المزيد من النفوذ في الشرق الأوسط والبلقان وأفريقيا. واتخذ البنك المركزي قراره برغم ارتفاع التضخم إلى 15.4 في المئة في يونيو.

ومن المتوقع أن تظهر بيانات شهر يوليو، التي ستصدر الجمعة، ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 16 بالمئة. ويكشف أردوغان أيضا الجمعة عن البرنامج الاقتصادي الجديد لحكومته. وذكرت بيانات البنك المركزي لهذا الأسبوع أن الأجانب يهربون من تركيا شيئا فشيئا. وقد بلغ الحجم الصافي لمبيعات المستثمرين الأجانب في سوق الأوراق المالية 210 مليون دولار، و256 مليون دولار في سوق السندات خلال الأسبوع الممتد من 13 إلى 20 يوليو. وتظهر التدفقات عند 52 أسبوعا أن واردات سوق السندات في نفس الفترة انخفضت من 3.6 مليار دولار إلى 1.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها.

العرب