ساسة العراق يتفادون تبعات الأزمة بعرض أنفسهم كقوى تفكير في حلّها

ساسة العراق يتفادون تبعات الأزمة بعرض أنفسهم كقوى تفكير في حلّها

بغداد – يكاد كبار قادة الأحزاب العراقية المنخرطة في العملية السياسية الجارية بالعراق، يتماهون في تكتيك مواجهة الأزمة الخانقة الناجمة عن تفجّر موجة الاحتجاج العارمة بالشارع العراقي، والتي صبّ المحتجّون خلالها جامّ غضبهم على هؤلاء القادة أنفسهم باعتبارهم شركاء أساسيين في ما آلت إليه أوضاع العراق من سوء في مختلف المجالات.

ويتلخّص ذلك التكتيك في أخذ مسافة عما يجري بالبلد من أحداث، والتحوّل إلى “مراقبين” محايدين لها، وتصوير أنفسهم كقوى تفكير في الأزمة واقتراح لحلولها، وذلك رغم أنهم شركاء مباشرون في الحكم وفي قيادة أجهزة الدولة وما ينتشر بداخلها من فساد يكاد يكون غير مسبوق في العالم.

وينطلق الجميع في ذلك من فرضية يعرفون خطأها بشكل مسبق، وهي أنهم غير مشمولين بغضب الشارع، وأنّ غيرهم هو المعني دائما بذلك الغضب، بينما هم ما يزالون موضع ثقة العراقيين كـ”حكماء” قادرين على اجتراح الحلول لأعقد المشاكل والأزمات.

وفي هذا السياق تحديدا، دعا زعيم تيار “الحكمة” عمار الحكيم، الخميس، الكتل السياسية الكبيرة الفائزة إلى تسمية مرشحها لمنصب رئيس الوزراء “ممن تنطبق عليه معايير القوة والحزم والشجاعة”، بينما عاد زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي للدعوة إلى “حكومة إنقاذ وطني”.

وسبق زعيم التيار الصدري هؤلاء في طرح حلوله لتجاوز الأزمة العراقية على مدى أبعد، بوضعه قائمة طويلة بمواصفات رئيس الوزراء القادم، مقدّما نموذجا مثاليا من الصعب تجسيده في أيّ من ساسة العراق الحاليين بمختلف انتماءاتهم.

وتجاوز تحالف “الفتح” الممثّل لميليشيات الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري زعيم منظمة بدر، الجميع، ذاهبا إلى أقصى مدى في المزايدة على شركائه في الحكم والعملية السياسية، وذلك بقراره الانضمام للمحتجّين والمشاركة في المظاهرات ضدّ الحكومة التي ما تزال بدر نفسها شريكة أساسية فيها على الأقل من خلال وزارة الداخلية التي يقودها عضو المنظّمة قاسم الأعرجي.

وقال عمار الحكيم في كلمة له خلال مؤتمر بمناسبة مرور أربع سنوات على مجزرة تنظيم داعش بحق الإيزيديين إنه “في خطوة تشكيل الحكومة ليس هناك ما يضاف على المعايير التي تحدثت بها المرجعية الدينية العليا حيث الحاجة إلى رئيس وزراء قوي وحازم وشجاع، ولو كان تيار الحكمة حاز على عدد متقدم من المقاعد لقدم مرشحا شابا تتوافر به هذه المواصفات”.

ودعا الحكيم، الكتل الكبيرة الفائزة إلى “تسمية مرشحها لمنصب رئيس الوزراء بوضوح وممن تنطبق عليه المواصفات”، مشيرا إلى “الحاجة للمعادلة القوية المتضمنة تحالفا قويا بين القوى الفائزة ورئيس وزراء قوي وكابينة وزارية قوية تحظى بدعم أغلبية نيابية قوية ومن دون ذلك لا يمكن إنجاز المهمة المطلوبة”.

ولا يخرج الحكيم في كلامه هذا عن منهجه في الهروب إلى العناوين الكبيرة والشعارات الفضفاضة، التي تظهر هنا في التركيز على معنى القوة وتكراره دون تفصيل للطرق العملية لتحقيقها.

وعلى غرار مختلف القادة السياسيين وضع الحكيم نفسه في صفّ المتظاهرين على اعتباره غير مشمول بغضبهم قائلا “نجدد وقوفنا مع المطالب الحقة للمتظاهرين وعدم السماح بتخوين المتظاهرين بسبب استغلال التظاهرات من قبل بعض من ذوي الأجندات الخاصة”، مؤكدا أن “الأفواج المطالبة بأبسط الحقوق هي الضمان الحقيقي لمنع تقصير المسؤولين وتسلطهم”.

ومن ضمن كبار مقترحي الحلول للأزمة العراقية زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي الذي دعا، الخميس، جميع القوى السياسية إلى ترتيب بنية العملية السياسية بدلا عن التسابق على مواقع السلطة، مشددا على ضرورة دعم مؤسسات السلطة والإعداد لحكومة إنقاذ وطني لا ترشح نفسها للانتخابات القادمة.

وقال علاوي في بيان إن “عراقنا العزيز يمر بظروف خطيرة مع ما أعقب الانتخابات النيابية الأخيرة من تراجع وفوضى، واستغلال قوى التطرف والإرهاب لتلك الظروف”، داعيا “جميع القوى السياسية للتكاتف وتبني منهج التكامل لإصلاح الأوضاع وترتيب بنية العملية السياسية الكفيلة ببناء مؤسسات الدولة الناجزة بدلا عن التسابق على مواقع السلطة، التي تفقد قيمتها عندما يتراجع القانون وتسود الفوضى”.

وأضاف علاوي في بيانه أنّ “العمل والتفكير الآن يجب أن يتركز على دعم مؤسسات السلطة والإعداد لحكومة إنقاذ وطني لا ترشح نفسها للانتخابات القادمة، بعيدا عن تدخلات الدول التي تتنافس وتتصارع معتبرة أن العراق كبش الفداء الذي يجب النزاع فيه للاستحواذ على قيمه وهويته ودماء أبناء شعبه”.

وشدد علاوي على أن “الجميع اليوم مطالبــون بترك الطــائفيــة السيـاسيـة والعشائرية والجهوية والركون إلى الهدوء والتحلي بروح المسؤولية والعمل على تشكيل هكذا حكومة مؤقتة، تعمل على تطبيع الأوضاع وتحقيق الأمن وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة خلال فترة معقولة، وقبل فوات الأوان”.

وحاول تحالف الفتح من جهته جسّ نبض الشارع ومحاولة الانضمام إلى المظاهرات ضدّ الحكومة، قبل أن يعلن الخميس العدول عن ذلك مبرّرا الأمر بـ“عدم إشغال الأجهزة الأمنية”، فيما أكّدت مصادر مطلّعة أن سبب إلغاء المظاهرات هو الخوف من انفلاتها وفقد السيطرة عليها وارتدادها ضدّ رموز التحالف وقياداته.

وأعلن التحالف، في بيان أصدره الخميس، عن تأجيل التظاهرة التي كان يريد تنظيمها اليوم الجمعة إلى إشعار آخر، ما يشير إلى إلغائها.

وجاء في البيان “يتقدم تحالف الفتح بالشكر والامتنان للجماهير العراقية الأبية التي استجابت لنداء شكر المرجعية الذي أطلقه تحالف الفتح في مبادرته واستعدت للخروج بتظاهرات حاشدة في جميع المحافظات”.

وأضاف البيان، أنه “حرصا منا على عدم إشغال الأجهزة الأمنية التي تحرص على سلامة المتظاهرين نعلن لكم عن تأجيل هذه التظاهرة إلى إشعار آخر، ونؤكد مرة أخرى على موقفنا الثابت مع مرجعيتنا الدينية العليا والالتزام بالأسس والمبادئ التي ذكرتها في خطبتها الأخيرة”.

العرب