أوروبا مغلقة وبينك وبينها خطر الموت غرقا، أما أميركا فبينك وبينها “بحر الظلمات” وأبواب موصدة أمام المهاجرين مفاتيحها بيد ناطور جمهوري ألقاها في المحيط .
ماذا بقى إذن من قارات العالم ودوله يمكن أن يقصدها الفارون من الخوف والجوع ؟ المفاجأة أنها كوريا الجنوبية التي فتحها زيارة نفر من هؤلاء ثم أقدموا على تحويل زيارتهم إلى لجوء.
لم يخطر ببال أي عربي أن تلك البلاد ستكون قبلة الباحثين عن ملاذ آمن هربا مما لحق بأوطانهم، لكن هذا ما حدث بالفعل مع مئات اليمنيين والمصريين في بلاد يسهل على أهلها التعرف على الأجنبي، وكم هو غريب الوجه واليد واللسان.
ولا يتعلق الأمر هنا ببعض الحالات الفردية من العرب الذين استطاب لهم العيش بكوريا الجنوبية ما قبل الربيع العربي أو الذين قصدوها مبكرا وتعلموا لغة أهلها، ونسجوا حياة لهم هناك، بل الأمر يتعلق بمن قصدوها هربا من الخوف أو الجوع كحال المواطن المصري أحمد المقدم الذي ذهب إلى هناك عام 2014 هربا من سطوة الأمن في بلاده لكنه يواجه الترحيل هذه الأيام.
يقول المقدم إن قوات الأمن المصرية اقتحمت منزله أكثر من مرة سابقا، واعتقلت أشقاءه، فاضطر للخروج إلى السودان “لكن ضاقت بنا الأرض في السودان أيضا خاصة بعد ترحيل أحد الشباب إلى مصر فذهبت إلى كوريا ثم طلبت الحماية واللجوء هناك”.
ويضيف -في تسجيل فيديو- أنه فوجئ برفض المسؤولين في كوريا الجنوبية طلب اللجوء الذي تقدم به، وأخبروه بأنه سيتم ترحيله إلى الإمارات، وهو الأمر الذي يعني برأيه تسليمه إلى السلطات المصرية.
وذكر المقدم أن السلطات الكورية قامت بالاعتداء عليه، وقيدت يديه، وأنه إلى الآن لايزال محتجزا في مطار “إنشيون” بكوريا الجنوبية بعد أن رفض ترحيله عبر الإمارات.
البعض يرى في حالة المقدم محاولة لتعويض إخفاق المساعي المصرية لتسليم الوزير السابق محمد محسوب بإيطاليا، ومن ثم وجه ناشطون نداء استغاثة لكل المنظمات الحقوقية والشخصيات العامة ووسائل الاعلام والكيانات السياسية المصرية بالخارج لإنقاذ الحياة والتدخل للحيلولة دون تسليمه إلى القاهرة.
واعتبر بيان وقعه 40 شخصية مصرية معارضة بالخارج إقدام سول على تسليم المقدم إلى مصر “إجراء يمثل خروجا واضحا على المواثيق الدولية التي تمنع تعريض حياة أشخاص للخطر حال تسليمهم لسلطات قمعية لا تحترم القوانين المحلية أو الدولية”.
وجاء في البيان أن “ترحيل بعض شباب الثورة للقاهرة يمثل انتهاكا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعتها كوريا الجنوبية، والتي نصت في مادتها الثالثة على أنه لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى”.
كما أعربت منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان عن قلقها البالغ بخصوص احتجاز المقدم بكوريا الجنوبية تمهيدا لترحيله. وأوضحت أنه تقدم بطلب لجوء سياسي لكوريا الجنوبية هربا من القمع الأمني ضده بمصر، واتهامه في قضايا سياسية.
مصر واليمن
الذي شجع المقدم في البداية ـكغيره من المصريين واليمنيينـ هو أن كوريا تسمح لهاتين الجنسيتين بدخول أراضيها من دون تأشيرة للسياحة، لكنها وجدت نفسها مؤخرا أمام طلب المئات منهم اللجوء مما جعلها تعيد النظر، وبات مرجحا أن تلغي إعفاء المصريين واليمنيين من التأشيرة ابتداءً من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وفي مقابلة صحفية مع وزير العدل الكوري الجنوبي بارك سانغ كي الثلاثاء الماضي، قال إن بلاده ستوفر حماية أفضل للاجئين الدوليين الوافدين في الوقت الذي تسرّع فيه كثيرا من عملية مراجعة اللاجئين للمساعدة في تخفيف آلامهم وتصنيف طالبي اللجوء المزيفين.
وأوضح بارك أن حكومة بلاده “قررت اتخاذ إجراءات لمساعدة اللاجئين على استغلال قدراتهم الخاصة والعيش بشكل مستقل بدلا من الاعتماد بشكل سلبي على الدعم والحماية”.
وجاءت تصريحات الوزير ردا على التماس صدر مؤخرا على موقع المكتب الرئاسي يدعو إلى فرض حظر على دخول لاجئين جدد، خصوصا بسبب وصول حوالي 500 طالب لجوء من اليمن مؤخرا بجزيرة جيجو التي سمحت سابقا لمواطنين أجانب بزيارتها دون تأشيرة لمدة تصل إلى 90 يوماً.
ومنذ ذلك الحين، قامت الجزيرة الكورية بإزالة اليمن من قائمة البلدان التي يحق لمواطنيها الحصول على برنامج الإعفاء من التأشيرة.
وأقر وزير العدل بالحاجة لحماية مصالح السكان المحليين. وأشار إلى أنه منذ أن وقعت البلاد على اتفاقية اللاجئين عام 1992، طلب أكثر من 42 ألف شخص اللجوء في كوريا الجنوبية.
وحسب بارك “لم يُسمح سوى لـ 4% أو 849 للبقاء لاجئين، وحتى مع وجود 1550 لاجئا إضافيا ممن سمح لهم بالبقاء انطلاقا من مخاوف إنسانية فإن معدل حماية اللاجئين بالبلاد يبلغ 11.4%، وهو أقل بكثير من متوسط 38% من جميع الموقعين على الاتفاقية الخاصة باللاجئين”.
المصدر : الجزيرة