بغداد – أسفرت الضجة التي أثيرت بشأن تزوير نتائج الانتخابات العراقية العامة التي جرت في مايو عن “لا شيء”، بعدما جاءت نتائج عملية العدّ والفرز اليدوي الجزئي، التي نفذها القضاء العراقي، مطابقة بشكل كبير للنتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات سابقا.
واعتبر متابعون للشأن العراقي أن هذه الخطوة بمثابة مناورة للحفاظ على الاستقرار السياسي داخل العملية السياسية ومنع استثمارها في تأجيج الاحتجاجات الشعبية، مشيرين إلى أن إعلان نتائج على المقاس سيمكن من التهدئة السياسية وخاصة من الحفاظ على تماسك الأحزاب الدينية وإنجاح شروط التحالفات بينها للتوصل إلى تركيبة حكومية جديدة استجابة لضغوط المرجعية الدينية.
وبسبب الاعتراضات الكثيرة على نتائج انتخابات مايو، والتشكيك الواسع الذي تعرضت له، تدخل القضاء العراقي وعزل المفوضية، وهي الجهة الفنية التي تدير الاقتراع، وباشر عبر قضاة منتدبين بفرز وعدّ جزء من النتائج يدويا.
ولكن نتائج العدّ والفرز اليدويين جاءت مطابقة في مجملها للنتائج التي أعلنت عنها مفوضية الانتخابات، ما دفع أطرافا سياسية إلى طرح تساؤلات بشأن جدوى التشكيك في النتائج أو الحديث عن إمكانية تدارك أي تزوير تتعرض له.
وأعلن القضاء العراقي، الاثنين، إكمال العدّ والفرز اليدويين، لكنه أحجم عن كشف النتائج.
لكن مصادر مطلعة في بغداد أبلغت “العرب” بأن “نتائج العدّ اليدوي في 13 من أصل 18 محافظة عراقية جاءت مطابقة بنسبة 100 بالمئة لنتائج المفوضية”، مضيفة أن “نسبة المطابقة في محافظتي الأنبار وكركوك، اللتين أثير بشأنهما جدل واسع، كانت 95 بالمئة و93 بالمئة على التوالي”، فيما تراوحت نسب المطابقة في المحافظات الثلاث الباقية بين 98 و99 بالمئة.
وإجمالا، فإن العدّ والفرز اليدويين، أكدا صحة نتائج الانتخابات بنسبة 99 بالمئة.
واستغرب مراقبون مطابقة النتائج في العاصمة بغداد، بالرغم من احتراق عدد من صناديق الاقتراع فيها، في ظروف غامضة.
وتشير هذه النتائج إلى أن استحالة إحداث أي تغيير يذكر في خارطة القوائم الفائزة التي أعلنت عنها مفوضية الانتخابات عقب إجراء الاقتراع بأيام، حيث حلت قائمة “سائرون” المدعومة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في المركز الأول بـ52 مقعدا في البرلمان المكوّن من 329 مقعدا، فيما جاءت قائمة الفتح المدعومة من إيران في المركز الثاني بـ47 مقعدا، ثمّ قائمة النصر التي يتزعمها رئيس الوزراء في المركز الثالث بـ42 مقعدا.
ووفقا للمصادر، فإن القوائم الصغيرة، هي الأخرى، لن يتغير عدد مقاعدها بعد العدّ اليدوي، ما يضع علامات استفهام حول الجدوى من تأجيل الإعلان النهائي للنتائج طيلة هذه المدة.
وكانت نتائج العدّ والفرز اليدويين تتسرب تدريجيا خلال الأيام القليلة الماضية، وسط تشكيك من قوائم متضررة تدعي أن أصوات ناخبيها تعرضت للتزوير بالإجراءات القضائية وإشارات إلى إمكانية أن تكون هناك تسوية ما للملمة هذا الملف.
وربما تتحول النتائج التي أسفرت عنها عملية مراجعة النتائج من قبل القضاء إلى مادة جديدة تغذي حركة الاحتجاج العراقية المستمرة في مناطق عديدة من البلاد، ضد شيوع الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة وتفشي البطالة بين الشبان والنقص الحاد في الخدمات الحياتية الأساسية.
وتقول شخصيات سياسية في بغداد إن “أي تغيير كانت ستسفر عنه عملية العدّ اليدوي في نتائج الأطراف الكبيرة، قد يتسبب في تفجير الأوضاع، وسط سخط شعبي واسع على الطبقة السياسية”.
وتقول هذه الشخصيات إن “عبور أزمة الاحتجاج بسلام من قبل الحكومة، كان يستلزم فرض التهدئة في الوضع السياسي بالرغم من حجم الاعتراضات على نتائج الانتخابات”.
ويقول مراقبون إن “تحقيق مطابقة كاملة في أصوات الدوائر الشيعية، ربما كان شرطا أساسيا لتماسك الطبقة السياسية الشيعية في وجه حركة الاحتجاج، على اعتبار أنها هي من تدير دفة الحكم في البلاد”. ويضيف هؤلاء أن “نتائج المطابقة حققت الغرض، وهدأت المخاوف السياسية الشيعية التي كانت تعتري الأطراف الفائزة”.
وقال مصدر قضائي عراقي لـ”العرب”، إن “الإعلان عن النتائج التفصيلية لعملية المراجعة، بشكل تفصيلي، ربما يتم في غضون أيام”، ما يفتح الباب على إمكانية مصادقة النتائج، منتصف الشهر الجاري. وفي حال صحت هذه التوقعات، فإن بإمكان البرلمان الجديد أن ينعقد قبيل نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر القادم على أبعد تقدير.
ويعتقد مراقب سياسي عراقي أن الغرض من الدعوة إلى العدّ اليدوي وتأجيل إعلان نتائج الانتخابات قد تم ترتيبه من أجل استيعاب صدمة فوز تحالف “سائرون” الذي يتزعمه مقتدى الصدر من قبل الأطراف الشيعية الأخرى.
وعملت تلك الأطراف طوال الشهرين الماضيين على بثّ روح اليأس في الصدر نفسه من إمكانية أن ينجح في تأليف الكتلة الأكبر في مجلس النواب التي يحق لها ترشيح رئيس الوزراء في المرحلة المقبلة، وهو ما بدا واضحا من خلال تصريحات الصدر الأخيرة التي تميزت بالتشاؤم حيث صار يعرض بنفسه خيار الذهاب إلى المعارضة إذا لم يتم تنفيذ شروطه.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن الطريق تبدو الآن ممهدة لعودة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو أكبر الخاسرين في الانتخابات، إلى المشهد السياسي باعتباره الرجل الذي تنتصف عنده خيارات البيت الشيعي، وأنه قد تنجلي الأيام القادمة عن تحالفات تؤدي إلى عزل الصدر وتياره مما يعني الانقلاب على نتائج الانتخابات أو إفراغها من محتواها.
ولا يستبعد المراقب أن يلجأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتحالفه (النصر) إلى التحالف مع الثنائي هادي العامري (الفتح) ونوري المالكي (دولة القانون) لتتشكل الكتلة الأكبر بعد انضمام الأكراد وعدد من الكتل السنية، مستنتجا أنه بذلك تكون المناداة بتزوير الانتخابات قد أتت أكلها من غير أن يكون هناك أي إثبات على حدوث تزوير
العرب