لندن – عندما كان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يلقي خطابا أمام حشد عسكري هذا الأسبوع، انفجرت طائرتان دون طيار في الجو، وقيل لاحقا إنها محاولة فاشلة لاغتياله، لكن على ما يبدو فإن هذه المحاولة اغتالت النظريات الكلاسيكية للأمن بشكل حاسم.
وانتبهت وكالات الاستخبارات والجيوش وأجهزة الأمن حول العالم، إزاء محاولة الاغتيال الفاشلة، لصعود تهديد جديد هو “الدرون الانتحارية” التي أصبح بمقدورها استهداف أشخاص أو أهداف بعينها.
ويقول أكاديميون وخبراء إن حراسات الرؤساء ورؤساء الحكومات حول العالم ستتعلم درسا قاسيا من محاولة اغتيال مادورو، يتمثل في التغيير الجذري لطبيعة خطط تأمين الشخصيات الهامة وزعماء الدول خلال المناسبات العامة أو الزيارات الرسمية أو الاحتفالات.
وتقليديا كانت عمليات التأمين تقتصر فقط على التأمين المباشر لجسد الشخص، بالإضافة إلى التأمين عن بعد عبر نشر القناصة فوق أسطح البنايات المجاورة. وفي حالة الزعماء في الأنظمة الدكتاتورية، يتطور الأمر أحيانا لغلق الطرق ونشر قوات عسكرية محيطة بالمكان الذي يتواجد فيه زعيم الدولة، بالتزامن مع نشر أجهزة التشويش على الإشارات وشبكة الإنترنت.
لكن سيكون على رجال الأمن مستقبلا دمج أسلحة مضادة للطائرات في منظومة تأمين الزعماء، كما ستلعب القوات الجوية دورا هاما، بما يؤهلها لأن تصبح جزءا أساسيا في المستقبل من القوات المكلفة بحماية الشخصيات الهامة.
ويعيد توظيف الدرون كأداة انتحارية إرث قوة “الكيميكازي”، وهي قوة من الطيارين اليابانيين الذين كانوا ينفذون عمليات انتحارية باستخدام طياراتهم ضد حاملات الطائرات والأهداف العسكرية الحيوية للجيش الأميركي في المحيط الهادئ. واستخدم الطيارون اليابانيون طائراتهم كمركبات انتحارية، وتمكنوا من تكبيد الولايات المتحدة خسائر فادحة.
وأعاد تنظيم القاعدة استخدام نظرية “الكيميكازي” في أحداث 11 سبتمبر 2011، إذ حول طائرات ركاب بمن عليها إلى أدوات تدميرية تشبه السيارات المحملة بمواد متفجرة، أو تلك التي يستخدمها الانتحاريون والذئاب المنفردة اليوم لتنفيذ عمليات دهس في المدن الكبرى.
ويقول بيتر بيرغن، محلل الأمن في شبكة سي.أن.أن، إن “محاولة اغتيال مادورو كانت بمثابة إنذار للقائمين على تأمين القواعد العسكرية والسفارات والمصالح الحيوية حول العالم، إذ طرحت تساؤلا مهمّا مفاده: هل من الممكن أن تنجح عملية اغتيال باستخدام الدرون؟”.
واستخدمت 11 دولة حول العالم الطائرات دون طيار في عمليات عسكرية، لكن تنظيمات أخرى أقل من الدولة، وبعضها مصنّف ككيانات إرهابية، استخدمت الدرون أيضا في عمليات جمع معلومات استخباراتية أو استهداف خصومها.
وعلى رأس هذه التنظيمات حزب الله اللبناني الشيعي، الذي أدخل الدرون ضمن عملياته في دعم نظام الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية. واستخدمت حركة حماس الفلسطينية الدرون في عمليات استطلاع ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما لجأت ميليشيا الحوثي في اليمن إلى تطوير قوارب ذاتية القيادة لاستهداف ناقلات نفط في مضيق باب المندب.
ولجأ تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى الطائرات دون طيار للتجسس والتشويش على طائرات التحالف الدولي المشاركة في تنفيذ هجمات عليه، كما نفذت، في بعض الأحيان، عمليات ضد القوات السورية والعراقية.
ويقول محللون إن تطوير استخدام الطائرات دون طيار لتصبح قادرة على تنفيذ عمليات اغتيال مؤثرة، يتضمن منح الذكاء الاصطناعي القدرة على إعادة رسم ملامح الحروب التقليدية بين الدول.
ويقول بيرغن “مثلما تمكنت السيارات والشاحنات المفخخة من تغيير ملامح الإرهاب العالمي خلال القرن العشرين، فإن الدرون المفخخة، عندما تكون في يد التنظيمات الإرهابية أو إرهابيين يعملون بمفردهم، ستغير شكل الإرهاب خلال القرن الحادي والعشرين”.
العرب