واشنطن – توجه وفد تركي رفيع المستوى يترأسه مساعد وزير الخارجية سيدات أونال إلى واشنطن للقاء مسؤولين كبار في وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين، لبحث الخلافات المتنامية بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي والتي أججها احتجاز أنقرة للقس الأميركي أندرو برانسون وما تلاه من فرض عقوبات اقتصادية على تركيا التي يعاني اقتصادها انكماشا غير مسبوق.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناورت الأربعاء “نستطيع تأكيد أن وفدا تركيا سيجتمع مع مسؤولين من وزارة الخارجية وسيقود الاجتماع جون سوليفان نائب وزير الخارجية”، فيما قال مسؤول بوزارة الخزانة “أستطيع تأكيد أن مسؤولين من الخزانة سيجتمعون مع الوفد التركي”.
ومازال الخلاف قائما بين البلدين بسبب المطلب الأميركي الأساسي وهو الإفراج عن القس أندرو برانسون، حيث تتمسك واشنطن بضرورة إطلاق سراحه للتراجع عن تهديداتها بفرض عقوبات.
ويرى مراقبون أن التصعيد الأميركي بشأن قضية القس برانسون يخفي وراءه حلقات خلاف كثيرة أخرى غير معلنة حول ملفات إقليمية خاصة التحركات التركية في سوريا، على الرغم من التوافق المعلن للرأي العام بشأنها، مع تسيير دوريات مشتركة تركية أميركية في منبج السورية.
وتردّدت معلومات لم تنفها الإدارة الأميركية ولم تؤكدها تشير إلى أن الجانب التركي قد تراجع عن صفقة لإطلاق القس بعد إطلاق سراح التركية إبرو أوزكان المحتجزة في إسرائيل، ما أثار غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأكدت إسرائيل تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست أفاد بأن الرئيس دونالد ترامب طلب الإفراج عن تركية متهمة بالاتصال بحركة حماس، مقابل إطلاق سراح قس أميركي محتجز في تركيا.
تراجع تركيا عن صفقة لإطلاق القس بعد إطلاق سراح التركية إبرو أوزكان المحتجزة في إسرائيل، أثار غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب
ورحّلت إسرائيل إبرو أوزكان يوم 15 يوليو الماضي، بعد أسبوع من اتهامها بتهريب أموال وبضائع إلى حركة حماس الإخوانية، خلال زيارتها لإسرائيل كسائحة، وهي تهمة نفاها محاميها وأثارت غضب تركيا.
وذكرت الصحيفة أن ترامب طلب من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية يوم 14 يوليو الإفراج عن أوزكان في إطار مسعى البيت الأبيض لإطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون.
وقال مسؤول إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه لوكالة رويترز “بوسعي أن أؤكد حدوث مثل هذا الطلب من الرئيس ترامب”، لكنه لم يدل بتفاصيل حول ما إذا كان لذلك أثر على الإفراج عن أوزكان، فيما لم تدل السفارة الأميركية في القدس بأي تعقيب.
وأكدت ناورت في إفادة صحافية الثلاثاء، أن وزير الخارجية مايك بومبيو تحدث مع نظيره التركي جاويش أوغلو على هامش اجتماع في سنغافورة، لكنها قالت إن الجانبين لم يتوصلا لاتفاق بشأن الإفراج عن برانسون.
ووضعت السلطات التركية القس برانسون الذي يشرف على كنيسة صغيرة في إزمير قيد الإقامة الجبرية، الأسبوع الماضي، بعد اعتقاله عاما ونصف العام لاتهامه بالإرهاب والتجسس، حيث يواجه برانسون الذي بدأت محاكمته خلال الربيع إمكانية الحكم عليه بالسجن 35 عاما في حال إدانته.
وفرضت واشنطن في الأسبوع الماضي عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين قائلة إنهما لعبا دورا رئيسيا في اعتقال برانسون، فيما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده سترد على العقوبات.
وتراجع واشنطن الإعفاءات الجمركية الممنوحة لتركيا في الأسواق الأميركية، كما فرضت أنقرة رسوما على بضائع أميركية ردا على الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على الصلب والألومنيوم، ما قد يؤثر على واردات تركية تصل قيمتها إلى 1.7 مليار دولار.واستمرّت الليرة التركية بالانخفاض الأربعاء، وبلغت 5.26 ليرة مقابل الدولار، وذلك قبل توجه الوفد تركي إلى واشنطن للقاء مسؤولين أميركيين.
وانخفضت الليرة نحو 27 بالمئة هذا العام و5.5 بالمئة الاثنين إلى 5.4250 ليرة للدولار مسجلة أدنى مستوى لها على الإطلاق وأكبر انخفاض في جلسة واحدة في نحو عشر سنوات، بعد إعلان واشنطن اعتزامها مراجعة الإعفاءات الجمركية الممنوحة لتركيا.
وفشلت تركيا الجمعة في حلّ الخلاف الدبلوماسي بينها وبين الولايات المتحدة بشأن القس الأميركي، فيما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن التهديدات والعقوبات لن تجدي.
وكان وزير الخارجية الأميركي أعلن قبل لقائه مع نظيره التركي، على هامش اجتماع إقليمي في سنغافورة أن واشنطن “مصممة” على التوصل إلى إطلاق سراح أندرو برانسون. وقال بومبيو “لقد أُبلغ الأتراك بأن الوقت نفد والوقت قد حان لإعادة القس برانسون وآمل أن يدركوا أن ذلك دليل على تصميمنا الكبير”.
وأضاف “يجب أن يعود برانسون إلى بلاده والأمر نفسه بالنسبة إلى جميع الأميركيين الذين تحتجزهم الحكومة التركية”، مستدركا “إنهم يحتجزونهم منذ فترة طويلة وهم أبرياء”.
وأوقفت السلطات التركية موظفين محليين في القنصليتين الأميركيتين؛ الأول أودع السجن بتهمة التورط بالإرهاب والثاني فُرضت عليه الإقامة الجبرية، بينما شملت إجراءات القمع التي تلت محاولة الانقلاب في 2016 العديد من الرعايا الأميركيين. وصرحت وزارة الخارجية الأميركية أنها لا تزال تؤيد المساعي الدبلوماسية، لكن المتحدثة باسمها هيدر نويرت قالت أمام صحافيين في مطلع الأسبوع الماضي إن توقيف القس “طال أكثر من اللازم”.
وأثار توقيف القس خلافا دبلوماسيا مريرا بين البلدين وأضفى المزيد من التوتر على العلاقات الصعبة أصلا بين البلدين على خلفية النزاع السوري وأيضا بسبب وجود الداعية فتح الله غولن في الولايات المتحدة وهو الذي يتهمه أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب عليه في صيف 2016.
وساهم أيضا في توتير العلاقات الدعم الذي تُقدّمه واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، فيما تصنف تركيا هؤلاء المقاتلين الأكراد منظمة إرهابية.
العرب