بومبيو يمحو بنجاح خطوات تيلرسون الفاشلة

بومبيو يمحو بنجاح خطوات تيلرسون الفاشلة

رغم أن تعيين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بدلا من سلفه ريكس تيلرسون كان قد أثار لغطا واسعا في الأوساط السياسية الأميركية، إلا أن الرجل تحوّل في وقت وجيز وفق المحللين الأميركيين إلى ورقة رابحة لعبها ترامب جعلته يمحو كل خيبات تيلرسون في أكثر القضايا الدولية الشائكة بل وبوأته ليصبح بمثابة المبعوث السري للرئيس الأميركي عند الخوض في أحلك الملفات وأكثرها حساسية.

واشنطن – قد يشبه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون في الشكل، إذ يبدو الرجلان ممتلئي الجسم وبطيئي الحركة وقليلي الكلام، لكن منذ توليه منصبه في الثاني من مايو الماضي، أثبت بومبيو أن الشكل فقط هو ما يجمع الوزيرين.

ومنذ اللحظة الأولى لتوليه منصبه، عمل بومبيو على إعادة الاعتبار لوزارة الخارجية، التي تسبب تيلرسون في أن تقف وحيدة، وبعيدة عن البيت الأبيض بأميال. وتسبب فقدان “أذن الرئيس” في وصول وزارة الخارجية إلى أدنى مستويات التأثير مطلقا في السياسة الأميركية.

وفي خطاب حلف اليمين، قال بومبيو أمام حشد من الموظفين في الوزارة “أريد أن تستعيد وزارة الخارجية أناقتها مرة أخرى.”

وتمثلت فلسفة عمل بومبيو في وزارة الخارجية الأميركية في مبدأ “ابق فمك مغلقا”. ويقول الكاتب الأميركي ديفيد اغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست إن “الكثير من وزراء الخارجية يقولون إنهم يريدون ممارسة دبلوماسية هادئة، وهذا بالطبع كان هدف تيلرسون أيضا، لكن بومبيو حوّل هذه النظرة إلى ممارسة عملية”.

ويدير بومبيو وزارة الخارجية الأميركية بنفس أسلوب إدارته لوكالة المخابرات المركزية “سي.آي.إيه” في السابق، إذ يحلو له أن يكون دائما “المبعوث السري للرئيس”.

وإلى جانب ذلك، مازال بومبيو رأس الحربة في إدارة أكثر الملفات حساسية في السياسة الخارجية الأميركية. وعلى رأس هذه الملفات، نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، حيث يتصرف وكأنه الطريق الوحيد الذي يملك الحلول السحرية إزاء تعقيداته.

وما يميز بومبيو عن تيلرسون هو أن الدبلوماسيين الأجانب والموظفين الكبار في الوزارات والوكالات الأميركية الأخرى كانوا يعرفون منذ الوهلة الأولى للقائهم تيلرسون أنه لا يحظى بنفوذ على الرئيس دونالد ترامب.

وعلى العكس من ذلك، توحي اللغة التي عادة ما يستخدمها بومبيو بعمق العلاقة الشخصية ومدى اتساع نطاق السلطة التي يمنحها الرئيس لوزير الخارجية الجديد. وتقول مصادر في الولايات المتحدة إن بومبيو كثيرا ما يتكلم نيابة عن الرئيس ترامب مع السفراء والمسؤولين الأجانب في الغرف المغلقة.

وأضافت المصادر أن بومبيو كان قادرا على كسب الموظفين المسؤولين البيروقراطيين، في وزارة الخارجية كما في السي.آي.إيه، في صفه، وهي كتلة كبيرة كانت تمثل قوة الشك في بومبيو منذ ما قبل الانضمام إلى إدارة ترامب. ولم يتمكن تيلرسون من حل هذه العقدة طوال عام كامل من توليه وزارة الخارجية.

استراتيجية غامضة
لا يمكن تمييز ملامح استراتيجية بومبيو في وزارة الخارجية بسبب تحفظه الشخصي المعروف به، لكن بتتبع تصريحاته خلال المؤتمرات الصحافية التي يعقدها على هامش زياراته إلى خارج الولايات المتحدة من الممكن أن نصل إلى انطباع مبدئي حول هذه الاستراتيجية ومفاعيلها.

ويتحرك بومبيو بحيوية هادئة ومتحفظة كثيرا. وتقول مصادر إن وزير الخارجية، منذ توليه أعلى منصب دبلوماسي في الولايات المتحدة حافظ على عادة الاستماع إلى نصيحة مسؤولين سابقين، من بينهم أحد أكثر المنتقدين لترامب.

وبينما فشل تيلرسون في ملء فراغ الكثير من الوظائف الحيوية في الوزارة، استخدم بومبيو نفوذه لدى الكونغرس والبيت الأبيض لتمرير تعيين مسؤولين في مناصب شاغرة. والأسبوع المقبل من المقرر أن يتم تثبيت 12 مسؤولا في الخارجية، من بينهم 4 مسؤولين كبار.

وعين بومبيو ديفيد هيل، السفير الأميركي السابق في بيروت وإسلام أباد، في منصب مساعد الوزير للشؤون السياسية. وينتمي هيل إلى المدرسة القديمة في الدبلوماسية الأميركية، ومن المرجح أن يتسبب تعيينه في أرفع المناصب في وزارة الخارجية في ارتياح كبير داخل الوزارة وبين الدبلوماسيين الأجانب أيضا.

ويقول اغناتيوس إن ملف كوريا الشمالية يبقى “الاختبار الحقيقي لبومبيو”، إذ سيكون عليه في الأيام المقبلة ترجمة القمة الحماسية التي عقدها ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى خطة تفصيلية لنزع السلاح النووي.

وخلال مقابلة تلفزيونية عقدها الأسبوع الماضي في سنغافورة أشار بومبيو إلى نهج تدريجي في تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية، ضمن خطة أوسع نطاقا لوضع حد للعنف المتبادل مع كوريا الجنوبية.

وقال خلال اللقاء إن المسؤولين “منخرطون في إجراءات من شأنها أن تحسن الثقة بين بلدينا، وإن الجدول الزمني للانتهاء من نزع سلاح كوريا الشمالية النووي في يد الزعيم كيم جونغ أون.”

ورغم تأييد بومبيو لممارسة عملية نزع السلاح النووي “خطوة خطوة”، فإنه مازال مصرا على أن “العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة على نظام كوريا الشمالية ستبقى كما هي، إلى حين التأكد من انتهاء عملية نزع السلاح النووي تماما”. وتكمن أكبر مخاوف بومبيو في أن يحاول النظام الكوري الشمالي الالتفاف على تعهداته وانتهاء العملية برمتها إلى ما دون “نزع كامل للسلاح النووي”، كما حصل في السابق.

ويقول محللون إن بومبيو يواجه مشكلة تتمثل في أن زعماء كوريا الجنوبية وعدوا بيونغ يانغ بالتوصل إلى إعلان انتهاء الحرب بحلول نهاية العام الجاري. ويعني هذا فقدان مبدأ استمرار عقوبات الأمم المتحدة لأي مضمون. وأضافوا “من الممكن أن يسعى بومبيو لتعطيل التوصل إلى حالة السلام بين الكوريتين، قبل التأكد من أن كيم ملتزم تماما بعملية نزع السلاح النووي.”

ورقة إيران المحيرة
يكمن الصداع الآخر بالنسبة لوزير الخارجية الأميركي في إيران. وظاهريا يبدو أن ترامب وبومبيو ليسا على نفس المسار في ما يتعلق بعرض ترامب الحديث إلى الإيرانيين. وظهر ذلك في تصريحات أدلى بها بومبيو وتبنى خلالها سياسة أكثر تشددا في ما يتعلق بالعقوبات التي أعاد ترامب فرضها على طهران إثر قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي في مايو الماضي.

وقال بومبيو للصحافيين في 5 أغسطس الجاري إن “أي تقدم من المنتظر أن يحصل في العلاقات الأميركية مع إيران سيكون مرتبطا بحدوث تغير كبير في قلب النظام الإيراني”، مؤكدا أنه “لا يوجد دليل حتى الآن على رغبة الإيرانيين في التغير”. ويعني ذلك إنذارا للإيرانيين بضرورة التجهيز لعملية خنق طويلة وبطيئة ستمارسها الولايات المتحدة على النظام الإيراني، الذي رفض عرض ترامب للحوار.

ويقول ايغناتيوس “أن تكون المسؤول عن الدبلوماسية في إدارة أقل الرؤساء دبلوماسية على الإطلاق ليس أمرا سهلا”.

وهذه المعادلة كسرت تيلرسون، لكن إلى الآن أثبت بومبيو أنه قادر على أن يكون ضمانة لوزارة الخارجية، من دون أن يتسبب في إغضاب ساكن البيت الأبيض.

ويتشارك بومبيو مع ترامب في شخصية “الرجل الكبير”، وأهله هذا لكي يتحول إلى الموظف النادر في الإدارة الذي استطاع أن يبقى قريبا من ترامب، لكن ليس قريبا بالدرجة التي من الممكن أن تتسبب في احتراقه.

العرب