كشف الاجتماع الأخير الذي جمع أربع كتل رئيسية في العملية السياسية العراقية، عن «الحجوم الحقيقية» لكتل «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و«النصر» بزعامة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، إضافة إلى تيار «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«الوطنية» برئاسة إياد علاوي.
زعماء القوى السياسية الأربعة، أخفقوا في عقد مؤتمر صحافي كان مقرر له عقب انتهاء الاجتماع الذي بات يعرف بـ«اجتماع بابل»، نسبة لمقرّ انعقاده في فندق بابل وسط العاصمة بغداد.
«القدس العربي» علمت من مصادرٍ مطلّعة، أن المجتمعين كانوا يخططون لإعلان «الكتلة البرلمانية الأكبر»، لكنهم فشلوا في ذلك حتى الآن.
وطبقاً للمصادر، فإن المجتمعين لم يتمكنوا من تحقيق نحو 100 مقعد في البرلمان الجديد، وهذا يعني إنهم ما زالوا بحاجة إلى 66 مقعداً إضافياً لتحقيق الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب.
ورجّحت التحاق حزب «الحل» بزعامة جمال الكربولي (نحو 15 مقعداً)، إضافة إلى الأحزاب الكردستانية المعارضة (التغيير، والجيل الجديد، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية، وتحالف الديمقراطية والعدالة) التي تضم (15 مقعداً)، إلى «التحالف الرباعي» الجديد، وبذلك يرتفع رصيد ائتلاف الصدر إلى نحو 136 مقعداً برلمانياً.
انسحاب حركة «عطاء» بزعامة فالح الفياض، وحزب «الفضيلة»، و«الحزب الإسلامي»، من ائتلاف العبادي، أفقده نحو 30 مقعداً برلمانياً، وبقي لديه نحو 12 مقعداً أضافها بتحالفه مع الصدر.
وأكدت المصادر، أن انسحاب الفياض من ائتلاف العبادي، جاء على خلفية طرح الائتلاف العبادي كمرشح وحيد لمنصب رئيس الوزراء المقبل، فيما يتطلع الفياض إلى الترشح للمنصب أيضاً.
وعلى إثر ذلك، أعفى العبادي الفياض من منصبه كمستشار للأمن الوطني، وكلّف مدير عام جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي بإدارة الجهاز بالوكالة، وفقاً لمصدر أمني مطلع.
وبعد أن أيقن المجتمعون عدم تحقيقهم العدد الكافي من المقاعد التي تضمن لهم تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، قرروا أن يكون الإعلان عن تشكيل «نواة» الكتلة، وخوض حراك سياسي مع بقية الكتل السياسية على أمل ضمّها، حسب المصادر.
وجلس الصدر في الاجتماع وعلى يمينه أحمد الصدر نجل شقيقه، وعلى يساره القيادي في الحزب الشيوعي العراقي حمزة الحلفي، فيما جلس على يمكن العبادي وزير النقل جبار اللعيبي، وعلى شماله محافظ النجف السابق عدنان الزرفي.
ومثّل الجانب السنّي كل من كاظم الشمري، القيادي في كتلة « الوطنية» بزعامة أياد علاوي، الذي يخضع لعلاج في لندن، إضافة إلى صالح المطلك، في حين حضر عمار الحكيم ممثلا عن تيار الحكمة الوطني الذي يتزعمه.
ووفقاً للمصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، فإن «المجتمعين قرروا تشكيل أربعة لجان تتولى مهام إعداد البرنامج السياسي المقبل، والبرنامج الحكومي، إضافة إلى وضع معايير ومواصفات رئيس الوزراء المقبل، ولجنة أخيرة لكتابة النظام الداخلي لنواة التحالف الجديد».
وأضاف: «ما جرى في فندق بابل هو اتفاق على تشكيل تحالف، وليس الإعلان عن تحالف»، مؤكداً أن «المجتمعين شددوا على أهمية أن يكون قرار الحكومة الجديدة عراقياً وغير خاضع للولاءات الخارجية».
وطبقاً للمصدر، فإن «الكتل الأربع أكدت انفتاحها على بقية الكيانات السياسية بهدف تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، يقابلها معارضة برلمانية بناءة».
الانفتاح على الشركاء
وقال التحالف في بيان مشترك : «بقرار عراقي وطني نابع من مصلحة بلدنا واستجابة لمطالب المواطنين، اتفقنا اليوم (أمس الأول) على تشكيل نواة لتحالف يسعى إلى تشكيل الكتلة البرلمانية التي تتمكن من تشكيل الحكومة».
وأضاف: «تقرر في هذا الاجتماع الانفتاح على شركائنا الآخرين للمساهمة معا في تشكيل هذه الكتلة»، مشيرا إلى أن «هذا التحالف عابر للطائفية ويرفض المحاصصة بكل أشكالها».
وتابع أن «التحالف عازم على العمل الجاد لبناء دولة المواطنة والعدل والمساواة وتوفير الحياة الكريمة لجميع أبناء شعبنا»، لافتا إلى السعي لـ«المساهمة الجادة والفاعلة لتشكيل حكومة تعمل بجد على تقديم الخدمات والإعمار وإعادة النازحين ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين».
وأكد «نسعى مخلصين إلى تقديم دماء جديدة من أبناء بلدنا ليساهموا بإدارة الدولة خلال المرحلة المقبلة».
في الشأن ذاته، أكد تحالف «سائرون» مضيه في تشكيل «حكومة عابرة تلبي طموحات الجميع دون تدخلات من أي طرف إقليمي أو دولي».
وقال الناطق الرسمي بإسم التحالف، قحطان الجبوري في بيان بمناسبة عيد الأضحى المبارك، والإعلان عن نواة الكتلة الأكبر، إن «تحالف سائرون وبعد الاتفاق مع عدد من القوى الوطنية الفائزة بالانتخابات على تشكيل نواة الكتلة الأكبر فإنه يؤكد مضيه ومع باقي الشركاء في الوطن في تشكيل حكومة عابرة تلبي طموحات الجميع في بناء بلد مستقل وآمن وحر دون تدخلات من أي طرف إقليمي أو دولي».
وبين أن «المرحلة المقبلة تتطلب تضافر كل الجهود من أجل تسريع وتيرة العمل والبناء من خلال استثمارات خيارات العراق وطاقات أبنائه في كل الصعد والميادين».
لقاء وطني
أما زعيم ائتلاف «الوطنية» إياد علاوي، أحد أعضاء «التحالف الرباعي»، فدعا القوى السياسية الفائزة بالانتخابات لعقد لقاء وطني عاجل يضع الخطوط العريضة لبرنامج وطني موحد، فيما أعرب عن أمله بأن لا يرى صراعاً جديداً عنوانه الكتلة الأكبر قد تكون تداعياته سلبية على الوضع السياسي.
وقال في بيان، «ندعو القوى السياسية الفائزة بالانتخابات لعقد لقاء وطني عاجل يضع الخطوط العريضة لبرنامج وطني موحد وفق اسس الشراكة الحقيقية ـ لا المشاركة ـ وصولاً لتشكيل حكومة وطنية تأخذ على عاتقها تنفيذ ذلك البرنامج وتنقذ العراق من أزماته المتوالية»، مجددا دعوته لـ«أن يكون الفضاء الوطني الرحب هو البيت الذي يضم الجميع بعيداً عن اي تخندقات حزبية او طائفية».
وأضاف أن «الجميع يعلم أن نتائج الانتخابات الأخيرة لم تلب طموحات الشعب العراقي نتيجة الخلل الكبير الذي صاحبها، ونحن هنا نعيد إلى الاذهان ما صدر عن مجلسي الوزراء والنواب بخصوص شفافيتها ومدى نزاهتها»، لافتاً إلى ضرورة أن «تعالج المرحلة المقبلة تلك الاخطاء وما سبقها بهدوء وتروٍ بعيداً عن ردود الافعال والتدخلات الخارجية».
وبين أن «الظروف الحالية التي تحيط بالعراق والمنطقة وربما العالم، تستوجب منح الحوارات المدى المطلوب لأجل الوصول إلى تفاهمات حقيقية تفضي للاتفاق حول برنامج حكومي شامل يضع حدا للمشاكل والازمات القائمة، وتأخذ بالحسبان الانتفاضة الجماهيرية المطلبية السلمية التي تعم عدداً واسعاً من المحافظات»، ماضياً إلى القول «نتمنى أن لا نشهد صراعاً جديداً عنوانه الكتلة الاكبر قد تكون تداعياته سلبيةً على الوضع السياسي».
انقسامات
الساحة السياسية في العراق ما تزال منقسمة، ولم تتمكن القوى السياسية الشيعية أو السنية أو الكردية من تشكيل تحالف موحد لتمثيل مكونهم سياسياً.
القوى السياسية الشيعية منقسمة على نفسها، وشكّلت فريقين الأول بقيادة الصدر، فيما يتولى المالكي قيادة الفريق الثاني.
وينطبق الأمر كذلك على القوى السياسية السنية، التي تشهد انقسامين، الأول بزعامة إياد علاوي وصالح المطلك (المتحالف مع سائرون)، فيما ذهب القسم الآخر (أسامة النجيفي، وخميس الخنجر، وأحمد عبد الله الجبوري، وسليم الجبوري، وجمال الكربولي، وفلاح زيدان).
ويضم المحور الوطني «مجتمعاً» 51 مقعداً برلمانياً، لكن حمّى الانشقاق والخلاف العميق على منصب رئيس البرلمان الجديد، دفع حزب الحل ـ بزعامة جمال الكربولي، إلى التوجه صوب الصدر، فيما يقترب الآخرون من ائتلاف المالكي، الذي يخوض هو الآخر جولة مفاوضات لتشكيل الكتلة الأكبر وفقاً لـ«الأغلبية السياسية». ومن بين أبرز حلفاء المالكي، هو هادي العامري، زعيم ائتلاف الفتح، إضافة إلى وجود «تفاهمات متقدمة» مع الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني بزعامة رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني).
ورغم حدّة الخلافات السابقة بين المالكي وبارزاني، غير إن الأكراد يفضلون المالكي على العبادي، على خلفية إجبار الأخير قوات البيشمركه الكردية على الانسحاب من كركوك أواسط تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وبلغة الأرقام، فإن تحالف المالكي والعامري والنجيفي والحزبين الكرديين و«المحور الوطني» من دون الكربولي، يحقق لهم 153 مقعداً برلمانياً، الأمر الذي يجعله أقرب إلى إعلان تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، حسب مراقبين.
ويمتلك المالكي فرصة أكبر لتولي مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، بكونه استفاد أيضاً من انشقاق حركة عطاء بزعامة فالح الفياض، وحزب الفضيلة، من ائتلاف النصر والتحاقهم بدولة القانون.
ووفقاً لهذه التحليلات، فلا تزال عملية تشكيل الكتلة الأكبر، مرهونة بمدى «التنازلات» التي يقدمها كل من الصدر والمالكي، لاستقطاب السنة والأكراد.
القدس العربي