بيروت – قالت مصادر سياسية لبنانية مطلعة إن الموقف الذي أعلنه الرئيس المكلف سعد الحريري، الثلاثاء، قد أعاد تصويب السياق العام بالاتجاه الدستوري، واضعا حدا لاجتهادات صدرت عن قصر بعبدا، وعن مقربين من رئيس الجمهورية ميشال عون، حول الأول من سبتمبر كموعد لتوجّه جديد للرئيس ميشال عون في مقاربة مسألة تشكيل الحكومة.
وكشفت معلومات أن موقف الحريري، الذي يستند على دعم كامل من قبل رؤساء الحكومات السابقين ومنابر الإفتاء السني دفاعا عن موقع رئاسة الحكومة في البلاد، يرتكز على معطيات خارجية تنامت إلى الرئيس المكلف حول تقاطع دعم عربي ودولي، بما في ذلك روسي، لمهمته لتشكيل الحكومة المقبلة.
وأضافت المعلومات أن عواصم كبرى أكدت للحريري وقوفها إلى جانبه ومراقبتها ورعايتها لجهوده، وأن حركة السفراء الغربيين في بيروت ذهبت في الآونة الأخيرة بهذا الاتجاه.
ونُقل عن برلمانيين لبنانيين أن الشخصيات السياسية اللبنانية التي زارت موسكو مؤخرا استمعت إلى وجهة نظر روسية داعمة للحريري في سعيه لتشكيل “حكومة وطنية جامعة تضم كافة الأطراف”، فيما لم تستطع شخصيات محسوبة على الرئيس عون ومقربة من حزب الله، مثل الوزير الأسبق طلال أرسلان ووزير الخارجية جبران باسيل، انتزاع أي موقف روسي قد يفهم منه تبدل في مزاج موسكو ضد شخص الحريري ودوره.
وقالت أوساط مراقبة إن موقف الحريري كان صلبا وحاسما وحازما لجهة التأكيد على أنه الوحيد الذي يشكل الحكومة بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، وأن لا مهل دستورية تحدد مهمته.
واعتبرت هذه الأوساط أن هذا الموقف جاء ليرد سلسلة من الضغوط التي تدحرجت في الأسابيع الأخيرة. وقد ظهرت هذه الضغوط في ربط تشكيل الحكومة بمسألة تطبيع العلاقات السياسية بين بيروت والنظام السوري، فيما لوّحت دراسة قدمها وزير العدل سليم جريصاتي، المقرب من عون، باللجوء إلى البرلمان لإسقاط التكليف عن الحريري، وذهب حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، في خطابه الأخير إلى التحذير من “اللعب بالنار” في مسألة المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
أعرف تماماً ما هي صلاحياتي كرئيس مكلف، وما ينص عليه الدستور، وأتصرف بناء على ذلك، وإن كانت لدى أي فريق سياسي أي ملاحظات فليعلنها. لا أحد يحدد لي مهلاً إلا الدستور اللبناني، أنا الرئيس المكلف وسأبقى مكلفاً وأنا من يشكل الحكومة بالتعاون مع فخامة الرئيس ونقطة على السطر #أحداث_اليوم
ونقل عن مصادر دبلوماسية غربية في بيروت أن المواقف الأميركية المتعلقة بالشأنين السوري والإيراني شهدت تصلبا وتصعيدا في الساعات الأخيرة على نحو صلّب من موقف الحريري في تشكيل حكومة لا تستفز المزاج الدولي العام.
وأضافت هذه المصادر أن الحريري قد تبلّغ في الساعات الأخيرة عن مساع تجري داخل الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات على لبنان بسبب سلوك حزب الله بصفته جزءا من الحكومة اللبنانية الشرعية.
وقالت مصادر مقربة من الحريري إن الأجواء التي أشاعتها زيارة أمير حاتمي وزير الدفاع الإيراني لدمشق وتوقيعه اتفاقا مع النظام السوري يضمن استمرار التواجد العسكري الإيراني في سوريا، تنعطف على الحملة التي شنها حسن نصرالله على السعودية، كما استقباله لوفد من جماعة الحوثي، بما أوحى بأن طهران تريد تأكيد هيمنتها على سوريا كما على لبنان على الرغم من الضغوط الدولية.
وخلصت هذه المصادر إلى أن الحريري لن يسمح بتشكيل حكومة تجاري الخطط الإيرانية، وهو يدرك أن توازن القوى في الداخل كما في الخارج سيتيح له تشكيل حكومة تراعي مصالح لبنان وحده بغض النظر عن أجندات طهران ودمشق وحزب الله.
وتداولت الأوساط المراقبة معلومات حول إمكانية حدوث تحولات تخفف من مواقف حزب الله والتيار الوطني الحر.
وذكرت أن الرئيس عون تبلّغ من مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي روبرت ستوري كارِم الذي زار بيروت الأسبوع الماضي رسالة حازمة حول المسؤوليات المطلوبة من بيروت حيال العقوبات على طهران والموقف من حزب الله.
كما أن تراجع نصرالله عن وضع مسألة تطبيع العلاقة بين بيروت ودمشق كشرط مسبق لتشكيل الحكومة، وُضع في خانة توق الحزب لقيام حكومة يحتمي بها من الضغوط المقبلة سواء المرتبطة بالعقوبات ضد طهران، أو المتعلقة بالتسويات المحتملة في سوريا، أو المتصلة بما سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
العرب