الأنبار.. المعركة الفاصلة

الأنبار.. المعركة الفاصلة

580

المعارك القاسية المستمرة منذ عدة أشهر في محافظة الأنبار العراقية الغربية بين مقاتلي الجيش الحكومي المدعوم بمليشيات الحشد الشعبي وبين مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، نتج عنها سيطرة تنظيم الدولة على غالبية أراضي المحافظة، وتعزيز تواجده في عموم المناطق الغربية العراقية، على الرغم من الضربات الجوية والتحشيدات الحكومية.

وقبل الخوض في حيثيات الصعوبات والتعقيدات على أرض المعركة في محافظة الأنبار، المحافظة التي تعد أكبر محافظات العراق مساحة، وهي سنية تماما، تتجه هذه الأيام نحو معركة حاسمة، يمكن التوقف مع النقاط التالية:

بعد هزيمة، أو انسحاب عناصر تنظيم الدولة من غالبية مدن محافظة صلاح الدين، بدأنا نسمع -عبر تسريبات رسمية وغير رسمية- أن هناك خلافا حول المعركة القادمة، والخلاف نشب بين واشنطن -التي تعطي الأولوية لمعركة الموصل- وحكومة بغداد المدعومة إيرانيا، والتي تريد المعركة القادمة في الأنبار.

“تعتقد قيادة تنظيم الدولة أن معركة الأنبار اختبار حقيقي لقدرات التنظيم في الوقوف بوجه القوات الحكومية المدعومة بمليشيات الحشد الشعبي، التي أكد زعيمها هادي العامري أنه سيسحق التنظيم في معركة الأنبار، وأن الرمادي لن تسقط بيد التنظيم”

وهنا يمكن بيان الأسباب، التي ربما تجعل حكومة السيد حيدر العبادي تميل لأولوية معركة الأنبار على حساب معركة الموصل، ومنها:

– قرب الأنبار من العاصمة بغداد، حيث تبعد أقرب نقطة لها من بغداد أقل من (50) كم، وهذا يعني أن السيطرة التامة على هذه المحافظة سيجعل بغداد، في خطر حقيقي.

– هنالك رغبة إيرانية واضحة في ضرورة تقديم معركة الأنبار على الموصل، لأن إيران يهمها تأمين الأوضاع في بغداد لصالحها باستمرار العملية السياسية، وبالتالي استمرار تلويحها بورقة الضغط العراقية في المفاوضات مع العالم بخصوص ملفها النووي، واستمرار التغول الإيراني في المنطقة عبر البوابة العراقية.

– موقع الأنبار الإستراتيجي وحدودها مع ثلاث دول عربية (السعودية، والأردن، وسوريا)، له أهمية سياسية واقتصادية كبيرة، وكذلك سيطرة التنظيم -بحسب مصادر حكومية محلية في الأنبار- على 90% تقريبا من أراضي المحافظة، وإحكام سيطرته على الطريق الدولي مع الأردن وسوريا، كل هذه الأسباب تفسر الإلحاح الحكومي بضرورة تأمين هذا الطريق، لغايات سياسية وعسكرية ولوجستية ومعنوية، لأن بقاء هذا الطريق تحت سيطرة التنظيم يعد بحد ذاته صفعة كبيرة لمكانة ومقبولية الدولة لدى عموم الشارع العراقي.

– محاذاة الأنبار لمحافظات شيعية مقفلة تقريبا (النجف وكربلاء وبابل)، وعليه فإن الحكومة تعمل جاهدة من أجل تأمين هذه المحافظات خوفا من ردود الفعل الشيعية ضدها، وكذلك تخوفها من فتك تنظيم الدولة بأبناء هذه المحافظات.

– وجود عناصر الصحوات الموالية للحكومة والمستعدة للمشاركة العملية والاستخبارية في المعركة، وهذا يعد ورقة ضغط ضد التنظيم في الميدان، لأن عناصر الصحوات يعرفون أماكن تواجد عناصر التنظيم، ولهم خبرة بجغرافية المناطق.

أهمية الأنبار للتنظيم
مقابل هذه الأوضاع الميدانية، نجد أن تنظيم الدولة، ورغم خسارته للعديد من المناطق التي سيطر عليها العام الماضي في محافظات ديالى (شرق)، وصلاح الدين (شمال)، فإنه ما زال يبسط سيطرته على أغلب مدن ومناطق الأنبار (غرب)، التي سيطر عليها مطلع عام 2014، وهو جاد في سعيه لاستكمال سيطرته على باقي المناطق التي ما تزال تحت سيطرة القوات الحكومية وأبرزها الرمادي (مركز الأنبار)، وعليه فإن معركة الأنبار الكبرى تعد ذات أهمية بالنسبة له، ولن تكون سهلة، وذلك للأسباب الآتية:

– اعتقاد قيادة التنظيم أن معركة الأنبار اختبار حقيقي لقدرات التنظيم في الوقوف بوجه القوات الحكومية المدعومة بمليشيات الحشد الشعبي، التي أكد زعيمها هادي العامري أنه سيسحق التنظيم في معركة الأنبار، وأن الرمادي لن تسقط بيد التنظيم.

– اعتماد التنظيم على المناطق الوعرة الرابطة للعراق مع سوريا، وبالتالي فان هزيمة التنظيم من الأنبار في المناطق الوعرة لن تكون بالسهولة المتوهمة، لأنه في مرحلة ما قبل الاعتصامات كان مقاتلو التنظيم متواجدين في منطقة الصحراء وبعلم الحكومة في الأنبار وبغداد، ورغم ذلك لم تتمكن القوات الأمنية من إيقاف عملياتهم، التي كانت تعتمد على الهجمات المباغتة وتفجير العبوات الناسفة ثم الانسحاب للصحراء.

“هناك عدم جدية من حكومة العبادي في تسليح أبناء الأنبار، لأنها متيقنة أن هذا السلاح في غالبه سينقلب ضدها، لأنها لم تنفذ، أو لم تعط أهالي هذه المحافظة وبقية المحافظات السنية حقوقهم الدستورية والقانونية المسلوبة”

– التكتيك المتبع من قبل التنظيم في معارك الأنبار الحالية يستند على حرب التضليل الميداني والإعلامي، والاعتماد الواضح على المعلومات الاستخبارية فيما يتعلق بحركة القوات الحكومية، وإمكانية سحبهم لميدان المعركة الذي يحدده -في الغالب- مقاتلو التنظيم، وكذلك اعتماده على فتح أكثر من جبهة للقتال في العديد من المناطق التي ربما يقوم بها بضعة عناصر التنظيم، وهذا الأسلوب يربك القوات الحكومية، ويظهر إمكانية كبيرة للتنظيم في توجيه المعارك.

– وجود إمدادات كبيرة من المناطق السورية التابعة للتنظيم، ووجود عمق إستراتيجي يمكن للتنظيم الانسحاب إليه في حالة تقهقر قواته أمام الضربات المحتملة.

– التنظيم يولي أهمية كبيرة لنتيجة المعركة، وذلك لآثارها النفسية والمعنوية على مقاتليه، وعليه فهو يراهن على كسبها، أو على الأقل الصمود فيها، وذلك لرفع المعنويات العسكرية والنفسية لمقاتليه، الذين وجدوا في هزيمتهم، أو انسحابهم من تكريت رجحانا لكفة الحشد الشعبي على التنظيم.

– معركة الأنبار ربما ستشهد تواجدا بريا أميركيا محدودا، وهناك بعض المصادر غير الرسمية العراقية بينت وجود توافق سياسي سري بين أروقة الحكومة على هذه الرؤية، وعلى عدم التردد بدعوة البرلمان للموافقة على قدوم قوات برية أميركية للتصدي للتنظيم، خاصة وأن واشنطن عززت معداتها الحربية في الكويت والأردن، وهذا يدفع التنظيم لمزيد من الاستعدادت التي تضمن عدم هزيمته بسهولة.

صعوبات المعركة
– وجود آلاف المدنيين في داخل الأنبار، وهم الآن بين مطرقة التنظيم وسندان الحشد الشعبي، وحاولوا قبل أيام النزوح نحو بغداد وبقية المحافظات، إلا أنهم واجهوا تعقيدات حكومية جعلت الكثير منهم يفضلون الموت في ديارهم، رغم القصف الجوي والبري المستمر على محافظتهم.

– التخوف من انتقام الحشد الشعبي من المدنيين على اعتبار أن من بقي في الأنبار هم من التنظيم، وهذا حكم مجحف لا يمكن أن تُفهم به أوضاع أهالي الأنبار الذين أقفلت بوجوههم أبواب المدن في داخل وطنهم، وبعلم ومباركة حكومة بغداد.

– حيرة الكثير من أهالي الأنبار والموصل في قضية مع من يكونون، هل يكونون مع تنظيم الدولة وسيكونون ضمن “الإرهابيين”، أم يجلسون في بيوتهم ينتظرون الموت بالمعارك بين الطرفين، أو على يد مقاتلي الحشد الشعبي بعد جلاء التنظيم؟

هذه حيرة قاتلة، لأنهم لا يريدون أن يكونوا حطبا للمعركة في كل الأحوال. وهذا هو سر الإصرار الشعبي، ومطالبتهم بعدم مشاركة مليشيات الحشد في المعركة، لأنهم يتخوفون من الانتقام المتوقع، تماما كما حصل في تكريت، التي كانت بحق مجزرة تضاف لسجل المليشيات الإجرامي.

مقابل هذا التخوف من انتقام الحشد الشعبي، نجد تخوف بعض العشائر السنية وتبرير مشاركتها الفعلية في المعركة ضد التنظيم، ومنها عشائر (البونمر والبوفهد والجغايفة) والتي تتخوف من عمليات الانتقام القاسية التي سينفذها مقاتلو التنظيم بحقهم في حال تمكنوا من كسب المعركة، وهذا ما تشهد به الإعدامات السابقة التي طالت عشائر البونمر وغيرها من العشائر التي قاتلت التنظيم.

“معركة الأنبار ستكون قاسية وطويلة الأمد، ولن تتمكن حكومة بغداد من فرض سيطرتها إلا بالجهد الجوي الدولي المتوقف الآن بسبب شرط عدم مشاركة الحشد الشعبي في المعركة، مما سيجعل هذه المعركة مطحنة جديدة تضاف لسجل المطاحن والمجازر البشرية في بلاد الرافدين”

– عدم جدية حكومة العبادي في تسليح أبناء الأنبار، لأنها متيقنة أن هذا السلاح في غالبه سينقلب ضدها، لأنها لم تنفذ، أو لم تعط أهالي هذه المحافظة وبقية المحافظات السنية حقوقهم الدستورية والقانونية المسلوبة.

هذا الموقف الحكومي نتج عنه عدم وجود توافق أنباري شعبي حول قضية مقاتلة التنظيم، وكذلك الاختلاف حول قضية المشاركة وعدمها في العملية السياسية، وذلك بسبب نكوص الحكومة المتكرر عن تنفيذ وعودها.

– لا شك أن قدرات التنظيم في العراق أكبر وأكثر من إمكانياته في سوريا، وذلك لأن الساحة السورية لا يمكن اعتبارها ساحة نقية لمقاتلي التنظيم، إذ تتواجد هناك العديد من التنظيمات العسكرية المدعومة عربيا ودوليا، على خلاف الحال في أرض الرافدين، فالتنظيم اليوم وحده في الميدان، بينما رأت بقية فصائل المقاومة العراقية الوقوف على التل لحين انجلاء المعركة، التي يعتقدون أنها طويلة بين مقاتلي التنظيم والتحشيدات الشعبية والرسمية الحكومية.

هذا الحال جعل من معركة الأنبار -وكذلك الحال لمعركة الموصل- معركة مصيرية، لأنها امتداد إستراتيجي للتنظيم داخل الأراضي السورية، وهذا يعني أن خسارته لمعركة الأنبار يعني موت العمق الإستراتيجي للتنظيم في معاركه المستمرة في سوريا، وهذا في التقديرات العسكرية بداية الهزيمة الكبرى، ولهذا سنجد أن التنظيم سيخوض حربا ضارية للانتصار في الأنبار.

وهذا ما يفسر لجوء التنظيم لأسلوب حفر الخنادق والسواتر الكبيرة في الأنبار والموصل، وهو ما يدلل على أن قيادة التنظيم تنبهت إلى أن معاركها القادمة ستكون صعبة، وبالتالي يجب تنظيم الخطوط الدفاعية من أجل ديمومة المعركة، وهذا ما نجده اليوم حول محيط ناحية العامرية جنوب مدينة الفلوجة.

هذه هي خريطة الأوضاع العامة في الأنبار، وأظن أن المعركة ستكون قاسية وطويلة الأمد، ولن تتمكن حكومة بغداد من فرض سيطرتها على الأنبار إلا بالجهد الجوي الدولي المتوقف الآن بسبب شرط عدم مشاركة الحشد الشعبي في المعركة، مما سيجعل هذه المعركة مطحنة جديدة تضاف لسجل المطاحن والمجازر البشرية في بلاد الرافدين.

جاسم الشمري

المصدر: الجزيرة نت