قد يكون من المفيد ملاحظة أنه على الرغم من اختلافهم الشديد عن الإرهابيين الذين أسقطوا مركز التجارة العالمي، والذين ضربوا وزارة الدفاع الأميركية، فإن الإرهابيين الداعمين لترامب من البيض اليمينيين لا يتقاسمون معهم هدف تدمير الولايات المتحدة (من أجل فرض نظامهم القاتل والأصولي) فحسب، وإنما يتقاسمون الكثير من التكتيكات والاستراتيجيات مع تنظيم القاعدة أيضاً.
* * *
في صباح 11 أيلول (سبتمبر) 2001، تم اختطاف أربع طائرات في شرق الولايات المتحدة. وبنية إذلال الولايات المتحدة، وزرع البلبلة والإرهاب، وبذلك جعل جيشها الغازي ينسحب من قواعده العديدة في الخارج، من بين أهداف أخرى، ضربت ثلاث طائرات أهدافها. أما الطائرة الرابعة، التي استهدفت البيت الأبيض، فقد استغرقت وقتاً أطول قليلاً للوصول إلى وجهتها. ومع ذلك، في أوائل العام 2017، حطت هذه الطائرة في واشنطن العاصمة، في هيئة دونالد ترامب.
مع انتقال رئاسته من فورة هياج إلى أخرى، قد يقول المرء أن هذه المقارنة تبدو أقل من ملائِمة. من المؤكد أنه بينما كان هدف التسعة عشر إرهابياً -ومعظمهم سعوديون- هو إذلال الولايات المتحدة ونزع الشرعية عنها، فإنه ليس من الواضح تماماً أن هذا هو هدف ترامب (حتى لو أنه يفعل ذلك في الواقع). وبغض النظر عما إذا كان ترامب مدركاً لذلك أم لا، فإنه يسعى إلى اتباع مسار عمل يحقق أهداف تنظيم القاعدة (وهي مجموعة مولتها وغذتها، في مفارقة كبيرة، وكالة المخابرات المركزية –الوكالة التي تقف في الوقت الحالي على طرف نقيض مع ترامب).
بطبيعة الحال، تبدو تحالفات ترامب مع الإرهابيين محسوسة وواقعية أكثر من ذلك بكثير. فبالإضافة إلى ديفيد ديوك، وأعضاء آخرين في عصابة كو كلوكس كلان، يندس في صميم قاعدته الانتخابية القوميون والانفصاليون البيض–وهم إرهابيون ومتعاطفون مع الإرهابيين الذين يقولون علناً أن أهدافهم هي القضاء على كل اليهود، والملونين، وغيرهم من غير البيض وغير المسيحيين، وإخراجهم من الولايات المتحدة. ومن خلال سلطات الهجرة والجمارك الأميركية، ووزارة الأمن الداخلي، التي عين ترامب لرئاستها نازياً مكرساً، وبالتعاون مع إدارات الشرطة المحلية في جميع أنحاء البلاد، يتم السعي إلى تحقيق هذه الأهداف الإجرامية والإرهابية بشكل يومي.
قد يكون من المفيد، بالمناسبة، أن نلاحظ أنه على الرغم من اختلافهم الشديد عن الإرهابيين الذين أسقطوا مركز التجارة العالمي، والذين ضربوا وزارة الدفاع الأميركية، فإن الإرهابيين الداعمين لترامب من البيض اليمينيين لا يتقاسمون معهم هدف تدمير الولايات المتحدة (من أجل فرض نظامهم القاتل والأصولي) فحسب، وإنما يتقاسمون الكثير من التكتيكات والاستراتيجيات مع تنظيم القاعدة كذلك. وفي الرواية الأميركية النازية المؤثرة “يوميات تيرنر”، على سبيل المثال، والتي نشرت أول مرة في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، استخدم العنصريون البيض طائرة لصدمها بالبنتاغون (بهدف تفجير قنبلة نووية). لكن أوجه الشبه لا تنتهي هناك. ففي الرواية يتم شن هجوم إرهابي كبير في مدينة هيوستن، تكساس، في 11 أيلول (سبتمبر) -وهو الهجوم الذي يشترك، على الرغم من كونه خيالياً، في كثير من أوجه التشابه مع الأضرار التي ألحقها الإعصار هارفي بهيوستن في العام الماضي فحسب. ولكن، ما هي صلة الإعصار هارفي بهذا الشأن؟
ناجماً في جزئه الأكبر عن الاحترار العالمي، يجسد الدمار الذي أحدثه إعصار هارفي ذو الجين الرأسمالي في نواح كثيرة ملاحظة فريتز لانغ، التي قالها في فيلم غودار “الازدراء”: “ما فعله النازيون بمسدساتهم يفعله الأميركيون الآن ببطاقاتهم الائتمانية”. ومع ذلك، مع وجود ترامب والمتعاونين معه الذين يعتبرون النازيين الملوحين بالشعلة “أناساً طيبين”، والذين يتراجعون عن كل حماية للبيئة، أو حماية للعمال، وغير ذلك من القيود الموضوعة على العنف الرأسمالي، فإنك تحصل على كليهما –المسدسات والبطاقات. وكما كان حاله كل الوقت، يفقد العنف الاقتصادي والسياسي كل قدرة على التمييز والعقلانية.
بإذلال الولايات المتحدة وتقويض نفوذها (اللذين استطاع أوباما، على الرغم من جرائم حربه الخاصة وضرباته بالطائرات المسيرة، تخفيفهما بعد حطام سنوات بوش)، سوف يوافق مرتكبو هجمات 11/9 بالتأكيد على حماقات ترامب. وأكثر من ذلك، وفي العديد من النواحي، فإنهم ربما يعتبرون ترامب منتجهم الخاص. لأن هجمات 11/9 أفضت، عن طريق زرع الارتباك والهستيريا، إلى فرض واقع دولة بوش وتشيني الأمنية العسكرية (والتي قام أوباما والديمقراطيون بتطبيعها منذ ذلك الحين).
هذا التعزيز الهائل للسلطة، مصحوباً بالسياسات الاقتصادية التي أغرقت الكثير من البلد في أعقاب الانهيار الاقتصادي للعام 2008، والذي أفقر الجميع باستثناء فائقي الثراء، إدى إلى خلق مستوى من البؤس والاشمئزاز وانعدام الثقة والسخط من الوضع الراهن، والذي عبد الطريق أمام صعود ترامب. وتماماً مثلما كان ليحب مرتكبو هجمات 11/9، فبواسطة هجمات ترامب على تحالفات الولايات المتحدة، والمهاجرين، والبيئة، والمستهلك، وحمايات العمال (ناهيك عن الرياضيين، والصحافة، وآخرين)، وثنائه على المستبدين، فإن الأمر لم يعد يقتصر على أن الولايات المتحدة أصبح لها نفوذ أقل من السابق (ربما من أي وقت على الإطلاق) في الساحة الدولية، وإنما ما يزال الناس على المستوى المحلي خائفين مثلما كان حالهم أي وقت مضى –بعبارات أخرى، الناس مروَّعون وعرضة للإرهاب.
مع أنهم مسلحون بالأسلحة الآلية، ما يزال الجمهوريون مرعوبين بعمق –من المهاجرين، واللاجئين، والسود، والنساء، والأطفال، والفقراء، والكثير من الآخرين. كما أن الديمقراطيين خائفون أيضاً –من ترامب، وحلفائه، وسياساته (غالباً لسبب وجيه)، وكذلك من بوتين، والروس المختلفين، وآخرين. وبطريقة مبررة أكثر، يبدو مجتمع المهاجرين، والملونون، والضحايا الآخرون للعنف العنصري مروَّعين أيضاً بنفس المقدار، من دائرة الهجرة والوكالات الأخرى التي تطاردهم.
بالإضافة إلى ذلك، وفي حين لا يبدو أن الجمهوريين أو الديمقراطيين مهتمون كثيراً بشأن الحرائق، وموجات الحرارة، والفيضانات والأحداث الكارثية الأخرى الناجمة عن أزمة المناخ المتعمقة (على الأقل ليس بما يكفي لفعل أي شيء يعتد به حيالها)، فإن الطرفين يبدوان خائفَين كثيراً من الاشتراكيين أيضاً، ومن الآخرين الذين يهددون الأرباح التي تدرها آلة الحرب.
في الحقيقة، يواصل ترامب حملة إرهابه ضد الفقراء، والملونين، والبيئيين، وهلم جراً، وتريد هذه المقاومة التي تسمي نفسها كذلك أن تعيد إنتاج السياسات الاقتصادية والخارجية التي أنجبت الفقر، وفقدان الأمل والكراهية، التي شكلت حافزاً لهجمات 11/9 (ولصعود ترامب) في المقام الأول. وكما أظهر مشهد جنازة جون مكين أخيراً، فإن لهذه “المقاومة” القليل من الاهتمام بخلق مجتمع مساواة عادل. وفي النضال ضد العنف الترامبي، تشير إلى ضرورة ضم القوى مع بوش، ومكين، وكيسنغر وغيرهم من باعة الحرب –وهي وحدة سوف تواصل متابتعها للشؤون السياسية والاقتصادية، محلياً ودولياً، بهذه الطريقة في إنتاج الفقر والحرب، ناهيك عن العواصف الكارثية، والحرائق والفيضانات وموجات الحرارة والمصادر والأشكال الأخرى للإرهاب.
ربما يتحدث هؤلاء الخدم لاقتصاد الحرب، من آن لآخر، عند إنهاء حروب معينة. أما إنهاء الحرب بشكل عام؟ فهو أمر صبياني، طوباوي وغرائبي، كما يعتقدون. ومع ذلك، يجب إنهاء الحرب بشكل عام، وليس أقلها حرب الطبقات (أي، الرأسمالية، والعلاقات الاجتماعية القائمة على السيطرة والاستغلال)، إذا كان لنا أن نتحرر في أي وقت من الإرهاب السياسي والاقتصادي والإيكولوجي. وسواء كان البيت الأبيض يهتم أم لا، فعلينا نحن أن لا ننسى هذا.
الغد