تداخل شديد يطغى على عملية إعادة ترتيب أوضاع السلطة بالعراق على ضوء نتائج الانتخابات العامّة الأخيرة، وذلك في انعكاس واضح لحالة الفوضى العارمة التي تردّت فيها العملية السياسية، بعد أن عرّت أحداث السنوات الأخيرة مساوئها الكثيرة واتّضحت على أرض الواقع نتائجها الكارثية.
بغداد – ما تزال عملية اختيار رئيس للحكومة العراقية تتعثّر على وقع الخلافات الحادّة بين الأفرقاء السياسيين التي حالت دون تحقيق تقارب في وجهات النظر يفتح الطريق للتوافق على مرشّح وازن، فيما طرأ عامل تعقيد جديد على اختيار رئيس للجمهورية تمثّل في تنافس كردي-كردي على المنصب.
وبينما عاد التشكيك بقوّة في شرعية اختيار السياسي السنّي الشّاب محمّد الحلبوسي لرئاسة البرلمان بسبب ما شاب عملية انتخابه تحت قبّة البرلمان من شبهات تلاعب بالمال السياسي، تصاعد الجدل حول منصب رئيس الجمهورية بسبب دخول الحزب الديمقراطي الكردستاني على خطّ الترشيح للمنصب الذي يعدّه الاتحاد الوطني الكردستاني من حصّته.
أمّا بالنسبة لمنصب رئيس الحكومة، موضع التنافس الأكثر شراسة نظرا إلى أهميته القصوى، فقد تواصل الشدّ والجذب بشأن تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر وذات الأحقية باختيار الرئيس، بينما عادت محاولات التوافق على مرشّح جدّي للمنصب إلى المربّع الأوّل بتراجع أسهم وزير النفط السابق عادل عبدالمهدي بعد أن سطع نجمه خلال الأيام الأخيرة كأوفر المرشّحين حظا للفوز وأكثرهم مقبولية لدى غالبية الأفرقاء.
ولم تستبعد مصادر عراقية، أن يكون اسم عبدالمهدي قد طرح لمجرّد التداول، وليتمّ حرقه لاحقا وتقديم شخصية بعيدة عن الأضواء. كما لم تستبعد إمكانية دعم مرجعية النجف لشخصية من فريق رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي لرئاسة الوزراء. وأوردت ذات المصادر اسم مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات كمرشّح يحظى بثقة شخصيات قريبة من المرجع الأعلى علي السيستاني.
وما يدعم حظوظ الكاظمي، وفق نفس المصادر، أنّ حزب الدعوة نفسه غير معترض عليه، فيما يصنّفه أكراد العراق كصديق لهم.
ويعقد مجلس النواب (البرلمان) العراقي اليوم الثلاثاء جلسة للتصويت على مرشح لمنصب رئيس الجمهورية، في ظلّ خلافات حادّة بين أكبر حزبين كرديين على المنصب.
ورفض الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني التسليم بالعرف السائد خلال الدورات السابقة، والذي جرى بأن يتولّى قيادي في الاتحاد الوطني رئاسة الجمهورية العراقية.
ورشّح الحزب الديمقراطي مدير ديوان رئاسة إقليم كردستان فؤاد حسين، للمنصب، فيما رشّح الاتحاد الوطني برهم صالح الذي عاد إليه مؤخّرا بعد فكّ الارتباط بائتلافه المنشقّ سابقا عن الاتحاد نفسه تحت مسمّى “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة”.
من مفارقات العملية السياسية: حزب البارزاني سعى بقوة لفصل كردستان عن العراق وعاد ليطارد منصب رئاسة الجمهورية
وقال مسعود البارزاني، الإثنين، في بيان صحافي “كنت أودّ أن تتفق الأحزاب والقوى الكردستانية على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، ولكن طالما أن تلك القوى لم تتفق وقدمت مرشحين عنها، فإنني وبحكم ثقتي بقدرات فؤاد حسين.. أعلن دعمي الكامل له لتولي منصب رئيس جمهورية العراق”.
وجاء البيان بعد أن كان الحزب الديمقراطي قد أعلن على لسان القيادي البارز فيه فاضل ميراني عدم الموافقة على مرشح الاتحاد الوطني برهم صالح “لعدم تنسيق الاتحاد مع الحزب الديمقراطي بشأن ترشيحه”.
وتساءل مراقبون في بغداد عن مدى جديّة سعي حزب البارزاني للفوز بمنصب رئيس العراق، مع ما يطرحه الأمر من مفارقة تتمثّل في أنّ البارزاني نفسه كان قد سعى بقوّة لفصل إقليم كردستان في دولة مستقلّة عن الدولة العراقية، من خلال الاستفتاء على الاستقلال الذي دعا إليه وقام بإجرائه في سبتمبر من العام الماضي. ويجيب البعض بأن مثل تلك المفارقات غدت أمرا طبيعيا في العملية السياسية العراقية ذات المساوئ والثقوب الكثيرة.
وقامت قوى شيعية حاكمة في العراق بإحباط إقرار نتائج الاستفتاء المذكور، فيما تعاونت معها جهات محسوبة على الاتحاد الوطني.
ومن هذا المنظور فإن برهم صالح أقرب لتلك القوى من مرشّح الحزب الديمقراطي فؤاد حسين.
ولا يُستبعد أن تكون عملية ترشيح ممثّل عن الحزب الديمقراطي، شكلية ولمجرّد تسجيل موقف وكسر العرف الذي جرى خلال الدورات الثلاث السابقة بأن تسند رئاسة العراق لحزب جلال الطالباني وورثته.
وقالت مصادر مطّلعة لـ”العرب” إنّ مرجعية النجف الشيعية بدورها مساندة لتولّي صالح منصب رئيس الجمهورية، مؤكّدة أنّ الطريق مفتوح أمامه لتولّي المنصب.
ولم ينجح فرقاء العملية السياسية في العراق، إلى حدود الإثنين، سوى في حسم منصب رئيس البرلمان ونائبيه، دون حسم الجدل حول الطريقة التي تمّ بها انتخاب السياسي السنّي الشابّ محمّد الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب، حيث تثار شكوك كثيرة في قيام الكتل السياسية الداعمة له بشراء المنصب بالمال ما يعني الطعن في شرعيته.
وبحسب مصادر نيابية فإنّ ما يسبّب قلقا للحلبوسي وداعميه، أن من يثير قضية التزوير ليست سوى القوى المدعومة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصّدر الذي يمتلك تحالف سائرون المدعوم من قبله 54 مقعدا برلمانيا، كما أنّ للصدر نفسه قدرا كبيرا من الجماهيرية في الشارع العراقي.
ووفق المصادر نفسها، فإن الحلبوسي يخشى أن يصبح هدفا لمسعى مبكّر لإسقاطه، أو أن يتحوّل لاحقا إلى هدف لاحتجاجات الشارع وشعاراتها، على غرار شخصيات عراقية أخرى، وهو ما يفسّر انطلاق السياسي الشابّ في حملة مكثّفة لتلميع صورته وترميم الشرخ في شرعيته.
وزار الحلبوسي محافظة البصرة موطن الاحتجاجات الشعبية العارمة، وأبدى تضامنه مع المحتجّين وتأييده لمطالبهم. كما التقى، الإثنين، زعيم التيار الصدري في منزله بمحافظة النجف وبحث معه موضوع تشكيل الحكومة الجديدة.
العرب