موسكو – قالت مصادر روسية مراقبة إن إعلان موسكو عن تسليم النظام السوري منظومة أس-300، هدفه بعث رسالة إلى إسرائيل ودول حلف الأطلسي عن عزم القيادة العسكرية الروسية على السيطرة الكلية على الأجواء السورية وفرض قواعد اشتباك جديدة في هذا البلد.
وأبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، حليفه الرئيس السوري بشار الأسد بأن موسكو ستسلّم دمشق أنظمة صواريخ دفاع جوي من نوع أس-300، وذلك خلال محادثة هاتفية هي الأولى بينهما منذ إسقاط الطائرة الروسية عن طريق الخطأ.
وأعلن الكرملين، الاثنين، في بيان أن بوتين أبلغ الأسد بقرار فرض إجراءات سلامة إضافية يهدف إلى “ضمان سلامة الجنود الروس في سوريا وتعزيز الدفاعات الجوية السورية، بما في ذلك تسليم أنظمة صواريخ أس-300 الحديثة”، وذلك بعيد إصدار وزارة الدفاع الروسية إعلانا في هذا الشأن.
وكان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو قد أعلن، الاثنين، أن روسيا ستسلم خلال أسبوعين منظومات حديثة للدفاع الجوي أس-300 إلى الجيش السوري بعد إسقاطه طائرة روسية خطأ خلال غارة إسرائيلية.
ورأى مراقبون روس أن هذا الإعلان يمثل تطورا سياسيا قد يطرأ على العلاقات العسكرية الروسية الإسرائيلية، كما على حالة التنسيق التي حرص عليها بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي بدأت قبل بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر 2015.
وأشار شويغو إلى أن هذه المنظومات “قادرة على اعتراض أي طائرة على بعد أكثر من 250 كيلومترا ويمكن أن تضرب عدة أهداف في الجو في وقت واحد”. وأوضح أن تسليم هذه الأنظمة الحديثة لم يتم من قبل بسبب تحفظات إسرائيلية.
وأوضح خلال كلمة متلفزة أنّ موسكو “ستطلق قبالة سواحل سوريا التشويش الكهرومغناطيسي لمنع اتصالات الأقمار الصناعية والطائرات”.
واعتبر مراقبون في إسرائيل أن الأمر يعتبر تصعيدا سياسيا روسيا خصوصا أن الإعلان بشأن إرسال منظومة أس-300، جاء بعد أيام من زيارة وفد عسكري إسرائيلي للدفاع عن موقف تل أبيب بشأن موضوع إسقاط الطائرة الروسية فوق مياه اللاذقية على الشاطئ السوري.
وجدد شويغو تحميل إسرائيل المسؤولية عن سقوط الطائرة إيل ـ 20.
وقال “إسرائيل هي المسؤولة عن إسقاط الطائرة بالخطأ بنيران الدفاعات الجوية السورية مساء الاثنين الماضي؛ ما أودى بحياة 15 عسكريا كانوا على متنها”. وأضاف “الجيش الإسرائيلي لم يبلغ الطرف الروسي عبر الخط الساخن بنيته شن غارات جوية على سوريا إلا قبل دقيقة واحدة من بدء الهجوم”.
وتشير موسكو إلى أن مقاتلات إسرائيلية تسترت بالطائرة الروسية، ما جعل الأخيرة عرضة لنيران النظام السوري. ومع ذلك استبعدت مصادر قريبة من حلف الأطلسي أن يكون لهذا الإعلان أي تأثير على توازن القوى العسكرية في سوريا.
وقالت المصادر إن التحرك العسكري الروسي في سوريا يخضع لعمليات تنسيق ميدانية تنظم تحرك سلاح الجو التابع للائتلاف الدولي، وإن إرسال منظومات دفاع روسية إلى سوريا لطالما كان قرارا روسيا، وإن عملية عرقلة أو إقفال المجال الجوي السوري أمام خطط الائتلاف غير واردة وتخضع لخطط وحسابات دولية ولتفاهمات سابقة مبرمة مع روسيا.
وأضافت أن أي إخلال بقواعد الاشتباك من قبل موسكو سيقابله تموضع أطلسي إسرائيلي جديد قد يربك الخطط الروسية في المنطقة. وأعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، رفضه الاتهام الروسي، محملا نظام الأسد المسؤولية كاملة عن سقوط الطائرة.
وقال في بيان إنّ “التفاصيل الكاملة والدقيقة والحقيقية معروفة للمهنيين، الذين يتعاملون مع الأمر في الجيش الروسي، ومنها أن نظام منع الاحتكاك (بين إسرائيل وروسيا) كان شغالا، في الوقت المناسب (كما عمل في السنتين ونصف السنة الأخيرتين).
وقالت مصادر دبلوماسية غربية إن التحركات العسكرية الغربية الإسرائيلية لم تخضع يوما لشروط موسكو بل بالتنسيق الدائم مع القيادة العسكرية الروسية في المنطقة.
وأضافت المصادر أن موسكو لطالما امتلكت منظومات دفاع جوي في سوريا بإمكانها التصدي لأي اختراق، وبالتالي إرسال منظومة جديدة محدثة لن يغير من واقع الأمر شيئا.
ويتساءل خبراء عسكريون حول ما إذا كانت المنظومة الجوية ستغطي كافة الأراضي السورية، وحول ما إذا كانت ستعمل دفاعا عن المواقع الروسية، أو للدفاع عن مواقع نظام دمشق كما مواقع إيران وميليشياتها.
ويضيف هؤلاء أن المنظومة هي تفصيل تقني، وأنه يجب انتظار ما إذا كانت القيادة الروسية قد انقلبت على تفاهمات سياسية سابقة مع إسرائيل كما مع الدول الغربية، على نحو يتيح تشغيلا جديدا لـ”أس – 300″.
ورأى مراقبون أن بوتين يودّ التعبير عن غضبه أمام الرأي العام الداخلي الروسي على منوال ما فعل حين أسقطت تركيا طائرة روسية في نوفمبر 2015. ويرجح هؤلاء أن هذا الإعلان هدفه أيضا رصّ الصفوف مع حليفيه في دمشق وطهران.
ويضيف المراقبون أن الإعلان عن إرسال المنظومة الجديدة هدفه التلويح بعصا غليظة ترمي إلى تنفيس الغضب الداخلي، وأن ذلك لن يغير من التفاهمات العسكرية السابقة مع إسرائيل والغرب.
وتعتقد مصادر غربية مراقبة أنه سيكون على بوتين تأكيد تلك التفاهمات الأكيدة، وإلا سيكون محرجا إذا ما قامت الطائرات الغربية أو الإسرائيلية بعمليات جديدة داخل سوريا دون أن تقوم منظومة الدفاع الروسية بصدّ هذه الهجمات وفق ما يلمح له الإعلان عن إرسال منظومة أس-300.
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، الاثنين، إن قرار روسيا تزويد سوريا بمنظومة أس-300 المضادة للطائرات يهدف إلى تعزيز سلامة الجيش الروسي. واعتبر المراقبون أن هذا الإعلان يعني أن المنظومة ستديرها أياد روسية لحماية الجيش الروسي وليس أي مواقع أخرى.
وأجاب بيسكوف ردا على سؤال عن العلاقات مع إسرائيل بالقول إن القرار ليس موجّها ضد أي دولة ثالثة.
وتؤكد مصادر غربية مطلعة أن تفاهمات بوتين- نتنياهو كانت شرطا مسبقا على تفاهمات بوتين-أوباما في سبتمبر 2015 قبل ساعات من بدء الهجوم الروسي على سوريا. وتضيف المصادر أن موسكو تدرك أن إسرائيل ستضرب أي أهداف في سوريا ترى أنها تشكل خطرا على أمنها حتى لو أرسلت موسكو منظومة دفاع متطورة. وأقرت المصادر بأن التوتر مع موسكو قد يجمد الضربات الإسرائيلية مؤقتا، إلا أن تفاهمات جديدة يجري العمل على إخراجها بين روسيا وإسرائيل على نحو يعيد تفعيل التفاهمات الثنائية السابقة.
العرب