مشاكل إيران، المعزولة والمحاصرة، تتصاعد في الداخل والخارج

مشاكل إيران، المعزولة والمحاصرة، تتصاعد في الداخل والخارج

من المرجح أن يتصاعد شعور إيران بالحصار فحسب. ففي 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، سوف تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة تستهدف صناعة النفط الإيرانية. ونتيجة لذلك، تخطط اليابان وكوريا الجنوبية وسريلانكا والدول الأوروبية لخفض وارداتها من النفط الإيراني. وقد توفر أميركا النفط الرخيص من احتياطياتها الخاصة لتحفيز الهند على الانضمام. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تواصل دعمها للاتفاق النووي، إلا أن البعض منها تركت إيران تتلوّى في الريح.
*   *   *
من الواضح تماماً من هو الذي يلومه الرئيس دونالد ترامب على المشاكل التي يعاني منها الشرق الأوسط. وقال ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 أيلول (سبتمبر)، أن “ديكتاتورية الفساد الفاسدة” في إيران “تزرع الفوضى والموت والخراب” في المنطقة. وقال أن هذا البلد استخدم المنافع الاقتصادية التي جناها من الصفقة النووية مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، التي حدَّت من برنامج إيران النووي في مقابل تخفيف العقوبات عنها، في زيادة الإنفاق العسكري ودعم الإرهاب. ولذلك قامت إدارته بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار (مايو)، وأطلقت “حملة ضغط اقتصادي لحرمان النظام من الأموال التي يحتاجها للدفع بأجندته الدموية”.
في المقابل، ردت إيران، كالمعتاد، بالتحدي. وأصر رئيسها، حسن روحاني، على أنه لن يجتمع مع ترامب، وندد بما وصفه بأنه “نزعاته الكارهة للأجانب التي تشبه التصرف النازي”، وتوقَّع الرئيس الأميركي الانتصار على أميركا. وقال روحاني: “ستكون نهاية هذه الحرب أكثر حلاوة من نهاية حرب الثماني سنوات”، في إشارة إلى حرب إيران مع العراق في الثمانينيات، والتي خلفت 600 ألف قتيل إيراني. وعلى الرغم من أنه يُعتبر براغماتياً، بدا روحاني أشبه بمتشددي إيران، الذين كانوا قد عارضوا صفقته النووية في المقام الأول، والذين لا يرون أي مجال للتسوية مع أميركا.
مع ذلك، ليس السيد ترامب هو الشخص الوحيد الذي يتحدى النظام في إيران. ففي 22 أيلول (سبتمبر)، قتل عدد من المسلحين 25 شخصاً على الأقل، من بينهم 12 من أعضاء الحرس الثوري الإسلامي، الحرس الإمبراطوري للنظام، خلال عرض عسكري في الأهواز، وهي مدينة في إقليم خوزستان الجنوبي الغربي. وقد أعلنت مجموعتان مختلفتان المسؤولية عن الهجوم. الأولى منشقة عن جماعة انفصالية عربية محلية، هي حركة النضال العربي لتحرير الأهواز. لكن مجموعة “داعش”، التي كانت قد اقتحمت البرلمان الإيراني في طهران قبل عام من الآن، سارعت إلى ادعاء المسؤولية عن الهجوم بعد ذلك، وربما كانت تكذب بهذا الخصوص في محاولة لتعزيز موقفها. وفي المقابل، ألقى النظام الإيراني باللوم بسرعة، ومن دون تقديم أي أدلة قاطعة، على أميركا و”دمُاها” الإقليمية -المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.
لطالما كان المسؤولون الإيرانيون مغرمين بنظريات المؤامرة الصارخة، ولكن ليس من الصعب معرفة السبب في شكِّهم المتأصل في الغرباء. وتشكل خوزستان موطناً لقرابة 2 مليون عربي (في حين أن معظم الإيرانيين فارسيون). وفي السنوات الأخيرة، كثفت المحطات الإعلامية العربية تغطياتها للأقليات الإيرانية، ودعمت بقوة العرب الذين يقبعون “تحت احتلال القوات الفارسية”. وقد ذهبت البحرين إلى حد تسمية أحد شوارعها “شارع الأهواز العربية”. وقامت إحدى الجماعات التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم المذكور بإيصال إعلانها من خلال “إيران الدولية”، وهي محطة تلفزيونية مقرها في بريطانيا، وممولة من مستثمرين سعوديين. وفي العام الماضي، وعد محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية وحاكمها الفعلي، بأخذ معركة بلده إلى “داخل إيران” نفسها.
في نظر إيران، يشكل هذا الهجوم العربي جزءاً من جبهة أوسع نطاقاً تنذر بالسوء. وقد وضعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلافاتهما مع إسرائيل جانباً من أجل مواجهة إيران، العدو المشترك. وفي هذه الأثناء، يمتلئ البيت الأبيض في هذه الآونة بالمسؤولين الذين قضوا الكثير من حياتهم المهنية وهم يطالبون بتغيير النظام في إيران. وقد دعم بعض من كبار أعضاء فريق ترامب جماعة مجاهدي خلق، وهي جماعة معارضة شبيهة بطائفة دينية، والتي كانت حتى وقت قريب تُعتبر منظمة إرهابية في أوروبا وأميركا، بل إنها تثير الاستنكار والنفور حتى بين الإيرانيين ذوي العقلية الإصلاحية. وقد حصل رودي جولياني، محامي دونالد ترامب، على أموال من المجموعة. فيما أشاد بها جون بولتون، مستشار ترامب للأمن القومي، باعتبارها “المعارضة الوحيدة القابلة للحياة” في إيران. وفي 23 أيلول (سبتمبر)، حذرت مجموعة من المسؤولين الأميركيين السابقين اللامعين من أن التصرفات الأميركية تقوم بدفع إيران، بشكل غير حكيم، إلى الاختيار بين “الاستسلام أو الحرب”.
من المرجح أن يتصاعد شعور إيران بالحصار فحسب. ففي 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، سوف تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة تستهدف صناعة النفط الإيرانية. ونتيجة لذلك، تخطط اليابان وكوريا الجنوبية وسريلانكا والدول الأوروبية لخفض وارداتها من النفط الإيراني. وقد توفر أميركا النفط الرخيص من احتياطياتها الخاصة لتحفيز الهند على الانضمام. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تواصل دعمها للاتفاق النووي، إلا أن البعض منها تركت إيران تتلوّى في الريح. وقد أسقط بنك فرنسي مملوك للدولة خططاً لتمويل صادرات إلى إيران، بينما قيدت الحكومة الفرنسية السفر الدبلوماسي إلى إيران وعلقت تعيين سفير جديد إليها. وتسعى إيران إلى الحصول على المساعدة من روسيا والصين. لكن روسيا ملأت بسرور الفجوة التي تركتها إيران في سوق النفط، بينما تركز الصين على حربها التجارية مع الولايات المتحدة.
يؤدي تركيز الحكومة الإيرانية على المؤامرات الأجنبية إلى صرف الانتباه عن المشاكل التي يواجهها البلد في الداخل. ومع أن منطقة خوزستان تضم الغالبية العظمى من احتياطيات النفط في البلاد، فإنها تظل فقيرة ومهملة. ويقول العرب أنه يتم الإبقاء عليهم خارج الحكومة المحلية، وأن الحرس الثوري الإيراني يسرق مياه المنطقة بالإضافة إلى نفطها. وقد حولت مجموعة كبيرة من السدود مياه الأنهار التي كانت تتدفق إلى الخليج من وسط إيران، مما حول خوزستان إلى وعاء من الغبار. كما تم قمع الاحتجاجات بوحشية. وتدّعي جماعات تتعهد “بتحرير” الأهواز المسؤولية عن تخريب خطوط أنابيب النفط وإطلاق النار على مسؤولين.
تتفاقم مشاعر الضيق وتنتشر في جميع أنحاء البلاد. وقد انخفضت العملة الإيرانية، الريال، في العام الماضي. ويضطر الفقراء، الذين طالما شكلوا قاعدة الدعم الذي يقدمه النظام، إلى تخزين الطعام المعلب. ويصبح المسؤولون أكثر فساداً باطراد للتعويض عن تقلص قيمة رواتبهم. وقد غادر رجال الأعمال الأجانب الذين كانوا قد تدفقوا على إيران بعد الاتفاق النووي. وانخفض الاستيعاب هذا العام في المدرسة الفرنسية في طهران من 350 إلى 150. ويريد العديد من الإيرانيين الخروج من البلد أيضاً. ويتجسد ذلك، على سبيل المثال، في ارتفاع الطلب على تأشيرات العمل في القنصلية الألمانية، حتى أنه يتعين على المتقدمين الانتظار سنتين ليأتي دورهم في المقابلة.
جعلت سنوات من العقوبات إيران تطور “اقتصاد مقاومة”، وهو اقتصاد متنوع ومكتفٍ ذاتياً في العديد من المجالات. وقد ارتفعت أسعار الأساسيات، وإنما بقدر أقل بكثير مما كانت لتصبح عليه لو أن إيران اعتمدت على الواردات. ويشير المتشائمون إلى أنه على الرغم من أن انخفاض قيمة الريال يجعل الناس أكثر فقراً، إلا أنه يجعل الحكومة أقوى، بما أن إيران تحصل على إيراداتها من النفط بالعملة الأجنبية. ويمكن أن تصمد احتياطياتها وتبقى على قيد الحياة بعد عامين آخرين من فترة السيد ترامب، كما يقول روحاني. لكن معاناة الإيرانيين قد تثبت كونها التهديد الأكبر للنظام.

الغد