مصر: سياسة غازية للاكتفاء الذاتي والتصدير

مصر: سياسة غازية للاكتفاء الذاتي والتصدير

تهدف مصر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز عام 2019 مع الارتفاع الكبير والسريع للإنتاج من حقل «ظهر». وعانى قطاع الغاز المصري فترة عصيبة مع ازدياد الاستهلاك المحلي للغاز بمعدلات عالية نسبياً تبلغ نحو 5 في المئة سنوياً، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تصديرية، منها أنبوب الغاز العربي لتصدير الغاز إلى الأردن وسورية.

وكان يُفترض أن يمتد الخط عبر تركيا ويصل إلى شبكة الغاز الأوروبية في النمسا، ولكن توقف العمل بالمشروع في سورية بسبب الحرب. وتم تشييد خط أنابيب «العريش-عسقلان» لتصدير الغاز إلى اسرائيل، ولكن مصر أوقفت التصدير عام 2012، كما تم تشييد مصنعين للغاز المسال على الساحل الشمالي، وتوقف العمل بهما عام 2012 أيضاً.

وواجهت مصر تحديات عديدة، منها قيمة دعم الغاز المستهلك محلياً، وتأخر الحكومة في دفع مستحقات شركات النفط، ما أدى إلى تأخّر عملياتها وتأخّر زيادة الإنتاج، ما خلق عجزاً في الإمدادات. وتفاقمت الأمور بعد الاضطرابات السياسية عام 2011، فأوقفت كل الصادرات منذ العام 2012، على رغم أن الصادرات الغازية تشكل نحو 5 في المئة فقط من الإمدادات، واضطرت مصر، الدولة المصدرة للغاز، إلى استيراده عام 2015، بعدما عانت انقطاعات مستمرة في الكهرباء. ويغذي الغاز نحو 85 في المئة من محطات الكهرباء، ويعتبر الوقود المفضل في مصانع الصناعات الثقيلة، ويُستخدم في الاستهلاك المنزلي وبعض وسائل النقل. وأدى العجز المفاجئ إلى تبني السلطات سياسات لتعويض النقص في الإمدادات من خلال الشراء من السوق الفورية، وتوقيع عقود قصيرة الأجل، إضافة إلى التأجير الموقت لبواخر المحطات الكهربائية للاستفادة منها في التغذية أثناء فترات ذروة الاستهلاك.

وتغير ميزان سوق الغاز المصري مع اكتشاف حقل «ظهر» من قبل شركة «ايني» الإيطالية في آب (أغسطس) 2015، ما أنقذ مصر، مرحلياً، من عجز الطاقة، خصوصاً بعدما زادت اكتشافات الغاز وتوسع الاعتماد عليه كوقود محلي ونظيف بدلاً من النفط الذي بقيت احتياطاته المحلية محدودة. وأعطت السلطات البترولية و»ايني» الأولية لتطوير الحقل بسرعة قصوى، وبدأ الإنتاج في كانون الأول (ديسمبر) 2017، وبلغت كلفة تطويره حتى الآن 7.7 بليون دولار. وتم تحديد هدفين رئيسين، الأول ضمانة إنتاج إمدادات كافية سريعاً لتلبية الاستهلاك المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي ووقف الاستيراد، والثاني تحويل مصر إلى دولة محورية للغاز في شرق المتوسط.

وارتفع معدل إنتاج «ظهر» حالياً إلى نحو بليوني قدم مكعبة، وتعتبر هذه الإمدادات كافية للبدء بتنفيذ الهدفين المذكورين. ولكن المشكلة تتمثل في الارتفاع السنوي العالي لعدد السكان، ما يعني زيادة استهلاك الغاز نحو 5 في المئة سنوياً، خصوصاً مع ارتفاع مستوى المعيشة. وبسبب هذه الزيادات والنمو الصناعي، ستحتاج مصر إلى اكتشافات ضخمة باستمرار كل 3 سنوات تقريباً للتأكد من استمرار الاكتفاء الذاتي، وهذا ليس سهلاً. وتعمل السلطات البترولية على طرح بلوكات جديدة سنوياً لاستثمارها من قبل الشركات الدولية، ويتوقع أن يساهم «ظهر» والحقول المكتشفة والمطورة حتى الآن بإمدادات غازية كافية لتحقيق التوازن المطلوب حتى منتصف العقد المقبل.

ويبقى الهدف الثاني الذي تحاول مصر تحقيقه، وهو البعد الإستراتيجي لصناعة الغاز في شرق المتوسط، من خلال الاستيراد من دول مجاورة لإعادة تصدير الغاز من منشآت التسييل المصرية لكي تحقق الأرباح التجارية المتوقعة والالتزام بعقود التصدير. وبذلك، خلقت مصر جداراً منفصلاً بين الغاز للاكتفاء الذاتي المحلي وبين التزاماتها للتصدير.

واتفقت شركة «دولفينوس» المصرية الخاصة مع شركة «نوبل إينرجي» الأميركية و «ديليك» الإسرائيلية العاملتين في حقلي «لفيثان» و «تامار» الإسرائيليين لاستيراد نحو 64 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً من هذين الحقلين لمدة 10 سنوات بقيمة 15 بليون دولار. وسيتم نقل جزء من هذا الغاز عبر أنبوب «العريش-عسقلان» الذي كان يصدر الغاز المصري إلى اسرائيل عبر عكس انسياب الغاز. وعلى رغم توقيع العقود بين شركات خاصة، نظراً إلى اهميتها الإستراتيجية والصناعية، حصلت على دعم وموافقات الحكومتين المصرية والإسرائيلية، كما اتفقت الحكومتان المصرية والقبرصية على تصدير الغاز من حقل «أوفردابت» القبرصي إلى مصر عبر خط انابيب مستقل لتغذية مصنعي تسييل الغاز.

ويعتبر استيراد الغاز من دول مجاورة وتحويله إلى غاز مسال للتصدير، عملية فريدة من نوعها، وقلما يتم اتباعها في صناعة الغاز العالمية، اذ تحبذ الدول المصدرة الاستحواذ الكامل على عملية التصدير وعدم الاعتماد على دول مجاورة لتفادي خلافات مستقبلية محتملة قد تؤدي إلى عرقلة الصادرات. واعتماد هذه السياسة في شرق المتوسط يعود إلى أسباب عديدة، منها المحاولات الأميركية الدؤوبة منذ سنوات لتبني سياسة الاعتماد المتبادل بين الدول المصدرة للغاز في شرق المتوسط، هدفها تعميق وتوطيد التطبيع بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، خصوصاً تلك التي وقعت معاهدات سلام، ولربما غيرها مستقبلاً.

ومما يساعد على تنفيذ سياسة الاعتماد المتبادل هو توافر الحاجة الاقتصادية لها، فمصر بحاجة إلى الغاز للتصدير وتحقيق الأرباح من مصانع التسييل الباهظة الكلفة والمتوقفة عن العمل، كما يحتاج الأردن إلى الغاز لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع. ولم تستطع إسرائيل وقبرص حتى الآن الحصول على اتفاقات للتصدير، كما أن احتياطات كل منهما محدودة وكافية للاستهلاك المحلي، ولكن ليس لتحمل نفقات ضخمة لتشييد محطات تسييل أو بناء خطوط أنابيب طويلة الأمد عبر البحار إلى أوروبا. فهذه المشاريع تتطلب امدادات ضخمة لتغطي نفقات التشييد، وهي غير متوافرة حتى الآن، كما أن قبرص لم تنفذ مشروعها لتشييد مصنع لتسييل الغاز، ولم تنفذ إسرائيل مشروع مد خط أنابيب بحرية إلى أوروبا.

وتطورت فكرة الاعتماد المتبادل على ضوء هذه المعطيات، فبدلاً من التركيز على التصدير إلى أوروبا، تغيرت السياسة وتحول الاهتمام إلى التصدير إقليمياً. وساهم هذا التحول في الحصول على عقود بيع وشراء التي شكلت الضمانات اللازمة للمصارف العالمية للاقتراض لتطوير الحقول الإسرائيلية، ومن ثم تصدير الغاز عبر منشآت تسييل مصرية.

وليد خدوري

الحياة