شذى خليل*
تمتلك روسيا الاتحادية ميزات مهمة تجعلها من الاقتصادات الكبرى ، وتؤهلها لتبوء مكانة بارزة بين أكثر الدول تقدما على الخريطة العالمية ، مع توفر المتطلبات الرئيسية الثلاثة للتنمية الشاملة: رأس المال ، الموارد ، والكفاءات البشرية ، على هذا فإن الاقتصاد الروسي هو سادس أكبر اقتصاد في العالم حسب القدرة الشرائية المتعادلة ، ومنذ عام ألفين وثمانية سميت موسكو “بعاصمة مليونيرات العالم” .
التجارة الخارجية الروسية:
أظهرت بيانات موقع “ITC Trade” أن صادرات روسيا بلغت العام الماضي (359) مليار دولار ، مقابل واردات بقيمة (228) مليار دولار ، أما سعر صرف الروبل فقد شهد تذبذبات وتراجع منذ عام ألفين وأربعة عشر ، بشكل كبيرا أمام الدولار من نحو (33) روبلاً للدولار الواحد إلى أكثر من (80) روبلاً مطلع عام ألفين وستة عشر ، قبل أن يبدأ بالتعافي ويستقر عند مستوى (56-57) روبلاً للدولار في عام ألفين وسبعة عشر .
إلا أن العملة الروسية عادت إلى التراجع بعد تشديد العقوبات الأميركية على روسيا في إبريل/ نيسان ألفين وسبعة عشر ، قبل أن تأتي الموجة الثانية بعد إعلان واشنطن عن تطبيق عقوبات جديدة في الثاني والعشرين من أغسطس/ آب المنصرم ، ليستقر الدولار عند مستوى (66.63) روبل .
وفي خطط الإصلاح والتنمية الاقتصادية ومواجهة العقوبات الاقتصادية ، قال نائب رئيس الوزراء الروسي “فيتالي موتكو” لقد تم اعتماد الموازنة ، لـ(2019-2021) وفق قانون الموازنة الفيدرالية للأعوام الثلاثة القادمة.
ويستهدف مشروع الموازنة العجز خلال العام القادم عند مستوى (1.8%) من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ، وفي عام ألفين وعشرين عند مستوى (1.1%) وفي عام ألفين وواحد وعشرين عند مستوى (0.9%) .
وبين رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف ، إن السنوات الست القادمة لن تكون سهلة على الاقتصاد الروسي ، داعيا الحكومة للأخذ بعين الاعتبار الوضع في الأسواق المالية والخام ، لاسيما مخاطر انتشار الحروب التجارية والعقوبات .
واكد مدفيديف ، أن روسيا ستقوم بوضع سياسة اقتصادية لضمان تحقيق نمو اقتصادي وضمان تحقيق زيادة ثابتة في مستوى معيشة المواطنين .
شرعت روسيا في الانتقال إلى العملات الوطنية في تعاملاتها التجارية مع الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا ، وأكد وزير التجارة والصناعة الروسي ، دينيس مانتوروف ، بأن اعتماد العملات الوطنية في التبادلات التجارية ، لم تكن رداً على العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا ، بل من ضمن إجراءات التخطيط للاقتصاد الروسي ليسير في هذا الاتجاه منذ سنوات ، ما سمح بتكديس الخبرات على هذا الصعيد ، وخاصة فيما يتعلق بالتعاملات بين المصارف التجارية والبنوك المركزية ، مشيراً إلى أن “قطاع السيارات الروسي بدأ بتنفيذ صفقاته بالعملتين الوطنيتين مع تركيا” أما التعاملات التجارية بين روسيا والاتحاد الأوروبي تتم باليورو .
وفي وقت سابق ، أعلنت شركة “روس أوبورون إكسبورت” التي تدير نحو (85%) من صادرات الأسلحة الروسية ، أنها تخلت عن الدولار الأميركي في صفقات الأسلحة والمعدات العسكرية ، وأكدت إنها نفذت أولى الصفقات العسكرية بعملات مغايرة للدولار .
اما النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي وزير المالية أنطون سيلوانوف ، فأكد أن بلاده ستقلص من تعاملاتها بالدولار الأميركي ، وستزيد اعتمادها على عملات دول أخرى في التبادلات التجارية .
وأكد الكرملين ، على ان روسيا تفضل إجراء معاملات التجارة الثنائية مع جميع الدول بعملاتها الوطنية بدلا من الدولار ، وتقوم منذ فترة طويلة بدراسة الأمر على أعلى المستويات .
جاءت التصريحات بعد تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، أن تركيا تستعد لإجراء المعاملات التجارية بالعملات الوطنية مع الصين وروسيا وأوكرانيا .
إذ هبطت الليرة التركية أكثر من (40%) أمام الدولار منذ بداية العام ، على خلفية الخلاف السياسي مع الولايات المتحدة الأميركية ، لكنها عادت لترتفع من جديد بأكثر من (5%) عقب إجراءات أطلقها البنك المركزي التركي بهدف توفير السيولة للبنوك وتحقيق الاستقرار المالي. وتشهد عملات عدد من الأسواق إلى جانب العملة الأوروبية ، تراجعات على خلفية انخفاض الليرة التركية وذلك لفائدة العملات التي تعد ملاذات آمنة مثل الدولار والين الياباني .
ولدى سؤاله عن اقتراح أردوغان ، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ، إن روسيا تطالب بمثل هذا الترتيب مع جميع الدول ، وان المسألة أثيرت في أكثر من مناسبة خلال المحادثات الثنائية بين تركيا وروسيا .
وان بوتين سبق له أن طرح استخدام العملات الوطنية في التبادلات التجارية الدولية ، منتقدا استخدام الولايات المتحدة الدولار كأداة سياسية .
اما الصين فقد أعلنت شروعها في مارس آذار الماضي ، بتداول عقود النفط الخام المقومة بالعملة الصينية اليوان في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة ، ويعتقد مراقبون أن هذه الخطوة الصينية ستزيد الضغوط على الدولار الأميركي بأسواق النفط .
الاقتصاد الروسي:
يعتمد الاقتصاد الروسي على عائدات الطاقة في النمو الاقتصادي ، إذ تمتلك روسيا كميات وفيرة من الموارد الطبيعية ، وتشمل النفط ، الغاز الطبيعي والمعادن النفيسة ، والتي تشارك بنسبة كبيرة في الصادرات الروسية ، وهو اقتصاد مختلط عالي الدخل حيث تملك الدولة القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد، اصلاحات السوق في التسعينيات قامت بخصخصة معظم الصناعة والزراعة الروسية، عدا استثناءات في القطاعات المتعلقة بالطاقة والدفاع .
تتمتع روسيا بموارد معدنية وطاقية هامة ، والتي لم تستغل إلا جزئياً ، ويمثل تصدير النفط والغاز الطبيعي والمعادن مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة .
اقتصاد الأسلحة الروسية:
تمتلك روسيا صناعة سلاح ضخمة ومتطورة قادرة على تصميم وتصنيع معدات عسكرية عالية التقنية ، فمثلاً مقاتلة “سو-57” الروسية تختبر أسلحة الجيل السادس ، حيث اختبرت مقاتلة “سو-57” الروسية من الجيل الخامس ، بعض الأنظمة والأسلحة التي ستستخدم في مقاتلات الجيل السادس .
وتختبر الآن بعض التقنيات ، وبالدرجة الأولى أنظمة الملاحة والأسلحة التي ستستخدم في الطائرة غير المأهولة من الجيل السادس .
ومن مميزات تلك الطائرة حسب روغوزين ، قدرتها على تنفيذ المهام القتالية دون مشاركة الإنسان ، واعتمادها على الذكاء الاصطناعي ، كما ستتميز طائرة الجيل السادس بوجود رادار فوتوني لاسلكي ، وقدرتها على بلوغ سرعة فرط صوتية ، واستخدام الأسلحة العاملة بالمبادئ الفيزيائية الجديدة “مثل أسلحة الليزر والأسلحة الصوتية” والتحليق في الفضاء القريب .
وتعتمد روسيا على عائدات الطاقة في النمو الاقتصادي ، ويمكن تصنيف اقتصادها على انه “مختلط عالي الدخل” إذ تملك الدولة القطاعات الاستراتيجية ، ومع أن اصلاحات السوق في التسعينيات أفضت الى خصخصة معظم الصناعة والزراعة الروسية ، الا أن الدولة حافظت على ملكيتها للقطاعات المتعلقة بالطاقة والدفاع ، بينما تعد السياحة قطاعاً لا يستهان به من حيث عائداتها المالية .
تغطي الصناعة الروسية أنواعاً عديدة من المنتجات: الحديد والمعادن والآلات الفلاحية والأسلحة والآلات الدقيقة والأنسجة ، ولكي تبقى الصناعة الروسية منافسة للصناعات الأجنبية ، لابد من إعادة هيكلتها – وتمثل الفلاحة (الحبوب، البطاطس …) وتربية الماشية والصيد البحري والتأجيم (زراعة الغابات) أهم القطاعات بالاقتصاد الروسي – وتعد السياحة قطاعاً لا يستهان به من حيث عائداتها المالية.
وختاما تحاول الحكومة الروسية ، العمل على خفض اعتماد الاقتصاد على الدولار الأميركي ، وذلك عن طريق تحفيز التجارة بالعملات الوطنية ، وإنهاء اعتماد الاقتصاد الروسي تمامًا على الدولار الأميركي بناءً على مقترحات من أندرى كوستين رئيس بنك “في.تي.بي” وهو ثاني أكبر بنك في روسيا ، وأن تحظى الوثيقة بموافقة رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف .
كما وأكد وزير المالية الروسي ، أنطون سيلوانوف ، أن روسيا ستواصل خفض حيازتها للأوراق المالية الأميركية ، وذلك ردا على العقوبات الأخيرة ، التي فرضتها الولايات المتحدة على موسكو ، وإن الدولار الأميركي ، أصبح أداة غير موثوقة بها في تعاملات التجارة الدولية.
وأوضح سيلوانوف ، لقد خفضنا استثماراتنا بشكل كبير في الأصول الأميركية ، في الواقع ، أصبح الدولار ، الذي يعتبر العملة الدولية ، أداة محفوفة بالمخاطر في مسألة المدفوعات الدولية” وان استخدام العملات الوطنية في معاملاتها الخارجية بدلاً من الدولار افضل لاقتصادنا . واستبعد سيلاوانوف ، أن يكون لدى حكومة موسكو ، أية خطط لإغلاق الشركات الأميركية في روسيا في الوقت الحالي ، ردا على العقوبات الأميركية ، قائلا: نحن لا نخطط في الوقت الحالي لأي قيود وإغلاقات على هذه الشركات .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية