شذى خليل*
في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني القادم ، سيبدأ موعد سريان الجولة الثانية من العقوبات الاميركية على الدول والجهات التي تستورد نفط إيران ، إذ أن مزيدا من العقوبات الاقتصادية على إيران ، ستعمل على خفض صادراتها النفطية الى الصفر .
إذ يصر الرئيس الأميركي دونالد ترمب على فرض مزيد من العقوبات ، يقابلها المحافظة على أسعار النفط منخفضة ، ويضغط على أوبك لخفض الأسعار ، وخفض عدد من الدول تعاملاتها مع إيران ، وفعلاً أوقفت كوريا الجنوبية استيرادها من النفط الإيراني منذ اكثر من ثلاثة أشهر ، في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا للتملص من العقوبات ، مع استمرارها في استيراد النفط الإيراني ، بينما تجاهلته الصين ، ورفضت أوبك وشركائها زيادة الإنتاج .
وهذه العقوبات هي الأقوى والأشد على الاقتصاد الإيراني فهي تشمل التالي:
إعادة العقوبات المتعلقة بمؤسسات الموانئ والأساطيل البحرية ، وإدارات بناء السفن ، بما يشمل أسطول جمهورية إيران الإسلامية ، وخط أسطول جنوب إيران ، والشركات التابعة لها.
إعادة العقوبات المتعلقة بالنفط ، خاصة التعاملات المالية مع شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) وشركة النفط الدولية الإيرانية (NICO) وشركة النقل النفطي الإيرانية (NITC) وحظر شراء النفط والمنتجات النفطية ، أو المنتجات البتروكيماوية من إيران.
عودة العقوبات المتعلقة بالمعاملات الاقتصادية للمؤسسات المالية الأجنبية مع البنك المركزي الإيراني ، وبعض المؤسسات المالية الإيرانية ، بموجب المادة (1245) من قانون تخويل الدفاع الوطني الأميركي للعام المالي ألفين واثني عشر (NDAA).
العقوبات المتعلقة بخدمات الرسائل المالية الخاصة بالبنك المركزي الإيراني ، والمؤسسات المالية الإيرانية المدرجة في قانون معاقبة إيران الشامل لعام ألفين وعشرة (CISADA) .
العقوبات المتعلقة بتوفير خدمات التأمين .
العقوبات المتعلقة بقطاع الطاقة الإيراني .
بالإضافة إلى ذلك ، سوف تلغي الولايات المتحدة في الخامس من تشرين الثاني نوفمبر المقبل ألفين وثمانية عشر ، التراخيص التي منحت لكيانات أميركية للتعامل مع إيران ، عقب الاتفاق النووي ، وسوف تقوم وزارة الخارجية الاميركية بإلغاء بعض القوانين التي صدرت حول رفع العقوبات عن إيران ، وستطبق قوانين العقوبات المناسبة في السادس من أغسطس أو الرابع من نوفمبر ألفين وثمانية عشر ، حيث يجب على غير الإيرانيين استخدام هذه الفترات الزمنية لتقييد أنشطتهم مع إيران ، والتي ستكون محظورة في نهاية الفترة المحددة .وأيضا عقوبات غير نووية إضافية ، سوف تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ عدد من القوانين التي تستهدف سلسلة من الأنشطة التخريبية لإيران ، تتجاوز البرنامج النووي ، بما في ذلك دعم إيران للإرهاب ، وبرامج الصواريخ الباليستية ، وانتهاكات حقوق الإنسان ، وزعزعة الأمن في المنطقة.
الاقتصاد الإيراني المتهالك:
يعاني الاقتصاد الإيراني من بطالة وتضخم وارتفاع نسبة الفقر ، إذ حذر وزير العمل الإيراني ، علي ربيعي ، مطلع الشهر الجاري ، من أنه مع بدء سريان العقوبات ، ستشهد إيران مليون عاطل عن العمل خلال أشهر ، بينما تسود البلاد حالة من الهلع وعدم الاستقرار ، مع دخول الجولة الأولى من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.
وأضاف ربيعي ، ان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني ، الموقع في العام ألفين وخمسة عشر ، وسعيها إلى إعادة فرض أول دفعة من العقوبات الأميركية ، والتي أقرها ترمب ، جعلت إيران في وضع محرج ، وتعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية ، مثل البطالة ، وبطء الاستثمارات ، بدون أن يتمكن الفريق الاقتصادي الحالي كما يبدو من تقديم حلول لها.
ويؤكد اقتصاديون مختصون ، أن مفهوم مصطلح “اقتصاد الفقاعة” ينطبق تماما على الاقتصاد الإيراني ، الذي دخل في نفق الانهيار ، في ظل وجود مؤشرات تكشف هشاشة البنية التحتية للبلد ، وارتفاع نسبة التضخم ، وهبوط سعر صرف العملة ، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل مقلق للغاية ، كلها تنذر بحدوث صراع داخلي وانهيار كبير.
وبذات الشأن ، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية في تقرير تحليلي لها ، على حديث رودي جولياني ، محامي الرئيس الأميركي دونالد ترمب ، الذي أكد على أن حكومة بلاده ستواصل فرض عقوبات اقتصادية متزايدة ، حتى ينهار النظام الإيراني كليا ، واصفاً إياه بالنظام المتشدد ، الذي بات “قاب قوسين أو أدنى” من الانهيار النهائي الوشيك.
وأضاف جولياني ، ان لديه معرفة بخطط السياسة الخارجية ، قائلاً: نحن الآن واقعيون قادرون على رؤية نهاية للنظام في إيران ، مضيفاً: يجب أن يذهب الملالي وخامئني ، وينبغي استبدالهما بحكومة ديمقراطية ، مؤكدا أن الحرية هي حق لكل فرد من أفراد الشعب الإيراني .
صادرات النفط الإيراني:
ذكر معهد التمويل الدولي ، إن صادرات إيران النفطية تتراجع قبيل الجولة الثانية من العقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة في الرابع من نوفمبر / تشرين الثاني المقبل ، وإن الاقتصاد الإيراني من المرجح أن ينكمش بنسبة ثلاثٍ بالمائة هذا العام ، وأربعٍ بالمائة العام المقبل .
وأفاد المعهد ، الذي يمثل البنوك والمؤسسات المالية الكبرى حول العالم ، إن صادرات النفط الخام ، والمكثفات انخفضت بمقدار ثمانمئة ألف برميل يوميا من أبريل / نيسان ، إلى سبتمبر / أيلول ألفين وثمانية عشر ، وأشار إلى أن صادرات النفط الخام والمكثفات بلغت مليونين وثمانمئة ألف برميل يوميا في أبريل ، وتقدر بنحو مليوني برميل يوميا في سبتمبر الماضي .
وتقدم شركات الشحن الإيرانية كافة التسهيلات في السداد والدفع الاجل ، والسداد ليس بالدولار ، وإنما باليورو الأوروبي واليوان الصيني ، والعمل بنظام المقايضة والنقد .
وفي بيان بعد اجتماع لبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وإيران ، ذكرت المجموعة ، إنها عازمة على تطوير آليات السداد ، من أجل استمرار التجارة مع إيران ، على الرغم من تشكيك الكثير من الدبلوماسيين في إمكانية تحقيق هذا.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، قال: ان تمكين إيران من بيع النفط أمر جيد للسلام ، ولأسعار النفط العالمية .
أما وزير الخارجية الأميركي ، مايك بومبيو ، فقال: إن خطط الاتحاد الأوروبي لإنشاء آلية خاصة بهدف التحايل على العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية ، غير مجدية .
وأشار بعض الدبلوماسيين الأوروبيين إلى أن فكرة هذه الآلية ، هي تأسيس نظام مقايضة يشبه ذلك الذي استخدمه الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة ، لتبادل النفط الإيراني مقابل سلع أوروبية من دون استخدام أموال .
وفي سياق الأزمة ، قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة ، ان السوق النفطي يعاني نقصاً في امدادات المعروض النفطي ، وان ترمب يعتقد أنه يستطيع خفض أسعار النفط بممارسة التنمر على دول أخرى.
وأشارت بيانات خاصة رسمية بالناقلات النفطية الإيرانية ، أن تركيا وإيطاليا هما آخر مشترين للخام الإيراني خارج الصين والهند والشرق الأوسط ، في علامة جديدة على أن الشحنات تتضرر بشدة مع اقتراب موعد تطبيق العقوبات الأميركية .
أما بيانات ريفينيتيف إيكون ، التي تشير إلى أن إيران تصدر (1.33) مليون برميل يوميا منذ بداية أكتوبر ، إلى الهند والصين وتركيا والشرق الأوسط ، لم تستطع إظهار أي سفن تنقل النفط الإيراني إلى أوروبا.
وهذا جدول يوضح اكبر الدول المستوردة للنفط الايراني
وقدر مصدر في القطاع ، يتتبع الصادرات ، قدر الشحنات عند (1.5) مليون برميل يوميا ، بما يشمل سفنا لم تظهر على نظام التتبع بالأقمار الصناعية “إيه.آي.إس” من بينها ناقلة محملة بمليون برميل في طريقها إلى إيطاليا ، ويقل ذلك عن (2.5) مليون برميل يوميا على الأقل في أبريل ، قبل أن يعلن ترمب في مايو ، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في عام ألفين وخمسة عشر مع إيران ، ويعيد فرض العقوبات ، وتبرز الأرقام أيضا استمرار الانخفاض من مستوى (1.6) مليون برميل يوميا المسجل في سبتمبر ، الخسارة المتوقعة لكميات كبيرة من الإمدادات الإيرانية ، ستسهم في دفع أسعار النفط للصعود ، حيث سجلت في الثالث من أكتوبر أعلى مستوياتها منذ أواخر ألفين وأربعة عشر عند (86.74) دولارا للبرميل ، وهبطت الأسعار منذ ذلك الحين إلى (81) دولارا ، على الرغم من تأكيدات محللين بأن تراجع الصادرات الإيرانية لا يزال يشكل دعما .
وقال إيوجين فينبرج المحلل لدى كومرتس بنك ، انها إحدى الأسباب وراء استمرار الأسعار فوق ثمانين دولارا ، وجميع المؤشرات تدل على أن المشترين القلقين من العقوبات الأميركية ، يتجهون إلى وقف صفقاتهم لشراء النفط الإيراني ، أو تقليصها ، وأن الصادرات تتراجع بشكل أكثر حدة عما كان يتوقعه البعض في السوق .
وبالتأكيد ، فإنه من الصعب الحصول على بيانات دقيقة للصادرات النفطية الإيرانية ، فجداول الناقلات غالبا ما يطرأ عليها تعديلات ، والصادرات تختلف من أسبوع إلى آخر ، كما أن تعقب السفن ، برغم سهولته عن الماضي نظرا لمعلومات الأقمار الصناعية ، لا يزال يجمع بين الفن والعلم .
وبلغت صادرات إيران في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر من الخام (1.1) مليون برميل يوميا في المتوسط ، بحسب ريفينيتيف ، وأقل من مليون برميل يوميا ، بحسب مصدر آخر في القطاع .
وفي حين تهدف العقوبات الى خفض صادرات إيران النفطية إلى الصفر ، فإن وإيران ترد إن ذلك مستبعد الحدوث.
إذ تؤكد إيران ، التي تعهدت بعرقلة أي زيادة في إمدادات منظمة أوبك تراها ضد مصلحتها ، أنها وجدت مشترين جدد لنفطها ، وأن إنتاجها من الخام هبط قليلا فقط .
وبالنسبة لشهر سبتمبر ، أبلغت إيران أوبك أن إنتاجها من الخام هبط بنحو خمسين ألف برميل يوميا إلى (3.76) مليون برميل يوميا ، بينما تشير تقديرات شركات استشارية ووكالات حكومية ، تستعين بها المنظمة لمراقبة الإنتاج ، تشير إلى تراجع أكبر في الإنتاج الإيراني عند (3.45) مليون برميل يوميا .
وفي الحقيقة ، ربما تكون إيران لم تخفض بعد الإنتاج بما يماثل معدل الهبوط في الصادرات ، حيث تبدو أنها تخزن مزيدا من النفط في سفن ، كما فعلت أثناء العقوبات التي طُبقت حتى توقيع الاتفاق النووي في عام ألفين وخمسة عشر .
وبناءا على ما تقدم ، وفي ظل الضغوط الأميركية ضد طهران ، وتناقضات المواقف الإقليمية والدولية والعالمية الموالية والمناهضة لطهران ، وفي ظل الوضع الداخلي الإيراني الذي يدق ناقوس الخطر ، وينذر بثورة جياع وشيكة ، وفي ظل الانهيار المتسارع للاقتصاد الإيراني …. في ظل كل ما سبق .. هل نستطيع أن نجزم بأن نظام الملالي يلفظ أنفاسه الأخيرة .. أو على الأقل في لحظاته الأولى من الاحتضار ؟!
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية