“من تعددية الأخلاق إلى أخلاق التعددية: هيلاري بوتنام – يورغن هبرماس – طه عبد الرحمن”، عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في الدوحة، للباحث المغربي عبد القادر ملوك الذي يتناول ثلاثة نماذج فلسفية لسؤال الأخلاق تتباين في منطلقاتها ومقارباتها.
النماذج المختارة تعترف كلها بحاجة المجتمع المعاصر الملحة إلى تهذيب أخلاقي جديد؛ أولها موقف الفيلسوف الأميركي هيلاري بوتنام (1926 – 2016) من التفرقة بين الواقعة والقيمة، والموضوعية المرنة التي جعلها موضوعية على مقاس القيم الأخلاقية، وثانيها، نظرية أخلاقيات المناقشة للفيلسوف الألماني يورغن هبرماس (1929) عارضاً مقوّماتها وبعض شرائط تحققها، وثالثها، الرؤية الأخلاقية التي وضعها المفكر المغربي طه عبد الرحمن (1944).
يعرض الفصل الأول “هيلاري بوتنام: نحو تأسيس موضوعية خاصة بالقيم الأخلاقية” مقاربة صاحب كتاب “الدلالة والعلوم الأخلاقية” (1978) في مبحثين؛ وقف في الأول على موقفه من التفرقة بين الواقعة والقيمة، ويسهب في بسط حجتَي القيم الإبيستمية والتعددية التصورية اللتين توسلهما لإبراز تهافت هذه التفرقة من جهة، ودَعْم موقفه القاضي بانطواء العلم والأخلاق معاً على قيم وأحكام معيارية من جهة ثانية، ويخصص المبحث الثاني للحديث عن الموضوعية المرنة التي جعلها بوتنام موضوعية على مقاس القيم الأخلاقية، فيعرض حجة المفاهيم الأخلاقية السميكة التي رآها كفيلة بتعضيد موقفه بخصوصها.
في الفصل الثاني “يورغن هبرماس: أخلاقيات المناقشة بوصفها رؤية لتأسيس معايير أخلاقية كونية”، يبحث ملوك في نظرية “أخلاقيات المناقشة” لـ هبرماس بوصفها امتداداً للفعل التواصلي، متناولاً بعض مقوّماتها، وراصداً بعض شرائط تحققها، مدفوعاً بهاجس الكشف عن نوعية الكونية التي تزعمها لنفسها وطبيعتها، كما يتناول في مبحث خاص هبرماس ورهان تحقيق أخلاق كونية في زمن التعددية، ويفرد مبحثاً أخيراً لـ هبرماس والفليسوف الألماني كارل أوتو آبل ومشكلة التأسيس.
يخصّص الفصل الثالث والأخير “طه عبد الرحمن: أخلاق الإسلام… أخلاق الكون” ليعرض أهم مرتكزات الرؤية الأخلاقية التي وضعها صاحب كتاب “بُؤس الدهرانية.. في النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين” (2014)، محاولاً أن يستقيها من مؤلفاته التي تصدى فيها، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، لسؤال الأخلاق، وأخلاقيات العمق من حيث هي أخلاق إسلامية بأفق كوني في أول مبحثَي الفصل، متسائلاً في المبحث الثاني: هل تقبل العقول الجديدة أخلاقاً مستندة إلى الدين الإسلامي؟
في الخاتمة “من تعددية الأخلاق إلى أخلاق التعددية”، يقدم المؤلّف حصيلة ما خرج به من مقارنته النظريات الثلاث، موضحاً أن الأوان قد حان لأن يدرك الجميع أن الواقع المعاصر أصبح يقتضي، أكثر من أي وقت مضى، تجاوز التعايش المتوتر، أو التآلف التلفيقي، وتبني التكامل الخلاق الكفيل بجعل البشر ينتقلون من مرحلة التنافسية الضيقة بين الدول أو بين الأعراق أو بين الديانات لاحتكار الهيمنة، إلى مرحلة التضامن والتعاون لبلورة تاريخ مشترك لجميع سكان العالم تتحول بموجبه التعددية الأخلاقية إلى أخلاق مشتركة تستوعب التعددية الملحوظة في واقعنا المعاصر، وتنفتح فيها الذات على الآخر وتزيد في تحقيق إنسانية الإنسان.
العربي الجديد