النفط ينقذ جهود السعودية لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط

النفط ينقذ جهود السعودية لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط

الرياض – من المفارقة أن تتمكن العقود النفطية من إنقاذ مبادرة مستقبل الاستثمار، التي كانت تستهدف استعراض المستقبل الجديد للسعودية بعيدا عن النفط، حين تركزت معظم العقود المبرمة في قطاع الطاقة وتمكنت من تأمين نجاح نسبي للمؤتمر الذي خيمت عليه تداعيات اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.

وأكدت الرياض أنها وقعت 25 اتفاقية بقيمة 56 مليار دولار في المنتدى الذي اختتم الخميس الماضي، معظمها في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات، وتمكنت من تخفيف أثر مقاطعة عشرات السياسيين والمصرفيين والمسؤولين التنفيذيين الغربيين.

وقال أحد المشاركين في المؤتمر “إنها عودة إلى الاقتصاد القديم بينما كان من المفترض أن تكون مبادرة مستقبل الاستثمار… الاقتصاد القديم يأتي لإنقاذ الاقتصاد الجديد”.

واستأثرت شركة أرامكو الحكومية العملاقة لوحدها بصفقات تصل قيمتها إلى 34 مليار دولار مع بعض شركائها القدامى مثل توتال الفرنسية وشركات الخدمات العالمية شلومبرغر وهاليبرتون وبيكر هيوز الأميركية.

وقال مشارك آخر في المؤتمر إن غياب استثمارات في التكنولوجيا العالية التقنية كان “ملموسا. الأمر كان أشبه بأن على أرامكو إنقاذ الموقف” بتوقيع صفقات يعرفها بالفعل أولئك الذين لديهم معرفة بالطاقة.

ووقعت توتال اتفاقات لإجراء دراسات هندسية لبناء مجمع للبتروكيماويات في الجبيل، حيث لديها بالفعل مشروع تكرير مشترك مع أرامكو على الساحل الشرقي للسعودية. كما وقعت أيضا اتفاقا بشأن استثمار محتمل في شبكة محطات لبيع الوقود مع أرامكو.

وفي مقابل انخفاض المشاركة الأوروبية كانت هناك وفود كبيرة من الصين واليابان وروسيا والولايات المتحدة. وتكاتف أيضا قادة عرب وأفارقة، بمن فيهم قادة من الأردن والبحرين والإمارات ولبنان وباكستان وإثيوبيا والسنغال والغابون.

وفي قطاعات مثل البنوك والاستشارات، حيث للشركات الغربية وجود كبير في السعودية، ألغى مسؤولون تنفيذيون كبار مشاركتهم في المؤتمر، لكنهم أرسلوا ممثلين إقليميين لحضور الاجتماعات لتفادي خسارة حظوظهم في المستقبل.

وحافظت كل من شركات كريدي سويس وأتش.أس.بي.سي وماستر كارد وسيمنس على دورهم كشركاء استراتيجيين للمؤتمر الاستثماري السعودي.

كما احتفظت أيضا شركات الاستشارات ديلويت وإرنست أند يونغ وماكنزي وأوليفر وايمان وبي.دبليو.سي واستراتيجي أند ومجموعة بوسطن للاستشارات بدورها كشركاء للمعرفة في المؤتمر.

وشاركت وفود من جميع بنوك الاستثمار العالمية، التي ربحت وفق بيانات رفينيتيف نحو 2.7 مليار دولار في صورة رسوم في السعودية منذ عام 2000، رغم غياب كبار رؤسائها عن المشاركة.

وأرسلت مجموعة أتش.أس.بي.سي المصرفية، التي تملك حصة نسبتها 40 بالمئة في بنك سعودي واضطلعت بدور نشط في البلاد في السنوات الأخيرة، أحد أكبر الوفود، وضم نحو 10 أشخاص، بينهم سمير عساف رئيس وحدتها للأنشطة المصرفية الاستثمارية.

وقال مسؤول تنفيذي من شركة مالية صينية إن بعض المسؤولين التنفيذيين الغربيين ينأون بأنفسهم بسبب قضية خاشقجي لكن “الكثير من الشخصيات المهمة موجودة، أنت فقط لا تراهم”.

وكسر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حاجز الصمت بشأن مقتل خاشقجي يوم الأربعاء وخفف حالة القلق حين تعهد بتقديم أولئك المسؤولين عن مقتله إلى العدالة. ورفع سقف مساعي الإصلاح السعودية مسلطا الضوء على اقتصادات الشرق الأوسط الواعدة.

وقال الأمير في تعقيب لقي استحسانا في القاعة الرئيسية للمؤتمر “أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط” في وقت أكد فيه ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة أن أي نجاح للسعودية سينتشر في المنطقة.

ويرى محللون أن ارتفاع عوائد السعودية والفائض الكبير في ميزانها التجاري نتيجة ارتفاع أسعار النفط وزيادة الصادرات النفطية لتعويض تراجع الإمدادات الإيرانية، سيسمح للرياض بزيادة الإنفاق وتخفيف إجراءات خفض العجز في الموازنة.

وأكد وزير المالية محمد الجدعان أن السعودية تخطط لموازنة ميزانية الدولة في الأجل المتوسط، لكنها تبقى مستعدة لقبول عجز إذا كانت هناك حاجة إليه لتحفيز النمو الاقتصادي.

وأعلنت الحكومة أنها ستنهي عجز الميزانية، الذي تتوقع موازنة العام الحالي أن يبلغ نحو 39.5 مليار دولار، بحلول عام 2023 من خلال إصلاحات مثل الضرائب والرسوم وتخفيضات الدعم وإجراءات لترشيد الإنفاق.

لكن الجدعان قال إن الحكومة لن تستهدف بالضرورة تحقيق ميزانية متوازنة في كل عام حتى بعد 2023 إذا كانت أسعار النفط متقلبة. وبدلا من ذلك فإنها ستنهي العجز محسوبا على أساس فترة من عدة أعوام.

وكشف أن الرياض ستبدأ فقط بدراسة جدية للحفاظ على ميزانية متوازنة بشكل متواصل بحلول عام 2030، وهو الموعد الذي من المنتظر أن تؤدي فيه الإصلاحات لتنويع الاقتصاد إلى تقليل اعتماد الحكومة على إيرادات صادرات النفط.

وقال الجدعان إن التقلبات لن تغير استراتيجية الرياض لإصدارات السندات “لا أري أي تغيير مهم لخططنا… المستثمرون في نهاية المطاف سيعودون إلى العوامل الأساسية، والتي هي قوية جدا”.

العرب