لم يمض سوى يومين على إعلان الحكومة العراقية تأمينها الاكتفاء الذاتي للبلاد من الأسماك المحلية لتنتشر ظاهرة نفوق الأسماك بسرعة البرق، وكأن الأمر جاء ردا على ما صرحت به الجهات الرسمية التي لم تستوعب حجم وخطورة الحدث في بادئ الأمر.
البداية
من قضاء المسيب شمالي محافظة بابل (جنوب بغداد) انطلقت الشرارة الأولى لحادثة نفوق الأسماك، حيث تفاجأ ساكنو ضفتي نهر الفرات بنفوق أعداد كبيرة من الأسماك على حافتي النهر الذي سرعان ما تحولت بعض مناطقه إلى اللون الأبيض، خاصة داخل الأقفاص الحديدية التي يعتمد عليها المزارعون في تربية أسماكهم.
ولم يتوقع أحد أن هذه الحادثة بداية لكارثة اقتصادية وصحية فاجأت الجميع، حيث أنها لم تمنح الوقت الكافي لاتخاذ أي إجراء وقائي لمكافحة الإصابات أو نقل الأسماك إلى مكان آخر.
شاهد على الحدث
الشيخ جبار المعموري واحد من أبرز مربي الأسماك في قضاء المسيب يروي للجزيرة نت تفاصيل الأزمة بقوله “منذ عام 1983 نعمل بتربية الأسماك الحوضية ولم يمر علينا إطلاقا حالة مشابهة لما يحدث حاليا، فهي كارثة حقيقية بمعنى الكلمة”. موضحا أنه تعرض لخسارة مالية فاقت المليار دينار عراقي (840 ألف دولار”.
واعتبر المعموري أن ظاهرة نفوق الأسماك هذه “بفعل فاعل وليس جراء الإصابة بفايروس تعفن الغلاصم كما تدعي بعض الجهات الرسمية كوزارة الزراعة”.
واتهم وزارة الزراعة بالتقصير والإهمال، واكتفت بالنأي بنفسها عن المسؤولية، متناسية الخراب الكبير الذي حل باقتصاد البلد والخسائر التي لحقت بالمواطن، خاصة بعد إعلان الاكتفاء الذاتي من الأسماك بجهود المربين.
وأشار المعموري إلى وجود عامل ثالث كمسبب لنفوق الأسماك بهذه الطريقة السريعة بعيدا عن المرض “البكتيري” و”الفطري”، هذا المسبب هو تسميم ماء النهر، موضحا أن ما يؤكد ذلك أن الأحياء المائية المختلفة تعرضت للإبادة مثل السلاحف والطيور المائية بالإضافة إلى الأسماك على مسافة 15 كيلومترا.
حيرة ودهشة
تزايدت أعداد الأسماك النافقة مع انتشار الظاهرة من شمال بابل إلى وسط وجنوب المحافظة والمحافظات القريبة، حيث خلفت خسائر قدرت بملايين الدولارات، وسط عجز تام من قبل مربي الأسماك والأجهزة الحكومية عن فهم أو تفسير ما يحصل بالتحديد.
وجرى تشكيل خلية لإدارة الأزمة من وزارات الزراعة والبيئة والصحة مع الجهات المساندة في المحافظة، حيث جرى البحث عن أسباب هذه الظاهرة الغريبة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الثروة السمكية في بابل التي تعد المحافظة الأكثر إنتاجا للسمك في العراق.
وتعليقا على الأمر، أوضح مدير المستشفى البيطري في بابل الدكتور يحيى مرعي للجزيرة نت أن مرضا يدعى “تعفّن الغلاصم” كان وراء نفوق الأسماك، مشيرا إلى ظهور المرض قبل أسبوع في العاصمة بغداد في منطقة الزعفرانية ولكنه انتقل جنوبا بفعل ميكانيكي أو بفعل فاعل إلى قضاء المسيب وشط الحلة، ومن المحتمل أيضا انتقاله عن طريق نقل مجموعة من الأسماك من بغداد إلى بابل.
وأضاف مرعي أن المستشفى البيطري أرسل عينات من الأسماك المصابة إلى المختبرات المتخصصة في داخل وخارج العراق لتحليلها وإظهار النتائج.
تشكيل لجنة
من جهته شكل رئيس مجلس محافظة بابل رعد حمزة الجبوري لجنة من الحكومة المحلية والمستشفى البيطري والزراعة لمتابعة الموضوع. ورجح في حديث للجزيرة نت “أن تكون الكارثة قد حصلت بفعل فاعل”، مشيرا إلى تنافس غير شريف بين تجار الأسماك”.
وأضاف الجبوري أن المحافظة نشرت حواجز مائية لمنع وصول الأسماك الميتة إلى المحافظات الجنوبية.
أما مدير زراعة بابل المهندس صلاح مهدي عبيد فقد نفى حدوث كارثة بيئية، وقال للجزيرة نت إن “نفوق مئات الأطنان من الأسماك هو عدد بسيط وأنه أمر طبيعي” في ظل وجود أعداد كبيرة من أحواض السمك غير المرخصة رافقه نقص كمية الأكسجين في الماء.
وفي السياق، عبر مواطنون عن تخوفهم من تلوث مياه النهر بسبب انتشار الأسماك النافقة فيه، مؤكدين أن نهر الفرات هو المصدر الوحيد للمياه الصالحة للشرب في المدينة.
وفي غضون ذلك تصاعدت أصوات عدد من أعضاء مجلس النواب العراقي مطالبة بالكشف عن المسبب الفعلي لنفوق الأسماك، حيث أشار بعضهم إلى وجود عمل تخريبي يستهدف اقتصاد البلاد بشكل مباشر، مطالبين بتعويض مربي الأسماك.
المصدر : الجزيرة