كشف تحقيق خاص لوكالة رويترز عن أن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول بداية الشهر الماضي زاد تعقيد خطة تشكيل تحالف عربي ضد إيران، كانت السعودية اقترحته العام الماضي.
وبحسب مصادر أميركية خاصة اعتمد عليها التحقيق، فإن خطة تشكيل التحالف تواجه الآن تعقيدات جديدة ترتبط تحديدا بالتحقيقات الجارية في مقتل خاشقجي، وتأثير ذلك على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
فقد قال المنسق الأميركي لتحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي أنتوني زيني إن مبادرة تشكيل التحالف المذكور ماضية قدما، لكن تأثير مقتل الصحفي السعودي غير واضح عليها، مشددا على أن تحقيق تقدم في هذا الشأن مرهون بنتائج التحقيقات في القضية.
وأضاف زيني لرويترز “لا أعرف حتى الآن كيف سيؤثر ذلك على العملية؛ نحن في انتظار التحقيق النهائي والقرارات، وأعتقد أنه ربما يكون هناك انتظار لحين اكتمال التحقيق قبل بحث التحرك للأمام”.
ويسعى “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” إلى تشكيل تجمع أمني وسياسي واقتصادي تنخرط فيه الدول السنية وتقوده الولايات المتحدة بهدف مواجهة إيران.
وشكل الحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات والبحرين على قطر عقبة في تأسيس هذا التحالف الذي اقترحته السعودية، في حين لا تدعمه دول عربية أخرى تربطها علاقات جيدة مع إيران.
اتفاق أولي
ومن المقرر أن تجمع قمة في يناير/كانون الثاني القادم بالولايات المتحدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعماء عرب لتوقيع اتفاق أولي بشأن التحالف، لكن مصادر أميركية ودبلوماسيا خليجيا صرحوا لرويترز بأن الاجتماع يكتنفه الغموض الآن، مشيرين إلى أنه تأجل بالفعل عدة مرات.
وأفاد أحد المصادر بأن مقتل خاشقجي أثار “مجموعة كاملة من المشكلات” يتعين حلها قبل أن يتسنى المضي قدما في خطة تشكيل التحالف الذي يشار إليه على نحو غير رسمي باسم “الناتو العربي”. ومن هذه المشكلات كيف سيحضر ولي العهد السعودي القمة دون أن يحدث ذلك غضبا واسع النطاق، مضيفا أن “الأمر ليس مستساغا”.
وعلاقة بالموضوع، قال روبرت مالي -أحد كبار مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما بشأن الشرق الأوسط- إنه من الصعب حضور ولي العهد السعودي قمة يناير/كانون الثاني المقبل “بالنظر إلى ما حدث وكيف ستكون ردود الفعل”.
وأضاف مالي -الذي يرأس حاليا مجموعة الأزمات الدولية المعنية بمنع الصراعات- “لست متأكدا إذا كان يريد القدوم للولايات المتحدة حاليا”.
الخلافات الإقليمية
في السياق ذاته، أظهرت وثيقتان سريتان للبيت الأبيض -اطلعت عليهما رويترز- أن الإدارة تبحث جاهدة عن سبل للتغلب على الخلافات الإقليمية، ودفع مبادرة التحالف للأمام، من أجل احتواء إيران والحد من النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.
وكتب مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون لوزيري الخارجية الأميركي مايك بومبيو والدفاع جيمس ماتيس رسالة أواخر الصيف قبل مقتل خاشقجي، وقال فيها “التنافس يزداد بين شركائنا الإقليميين، والدخول في منافسة صريحة (مثلما هي الحال) في حالة قطر يضر المصالح الأميركية ويصب في مصلحة إيران وروسيا والصين”.
وذكر ثلاثة مسؤولين أميركيين -طلبوا عدم نشر أسمائهم- أن هناك نقاشا داخل الإدارة بشأن ما إذا كان بمقدور واشنطن إقناع الحلفاء العرب بتنحية خلافاتهم جانبا، وأن بولتون ظهر كأحد المدافعين البارزين عن الخطة.
أميركا أولا
في الجهة المقابلة، نفى مسؤول كبير بإدارة ترامب أن يكون مقتل خاشقجي أعاق التقدم بشأن التحالف، قائلا إن التحالف قيد التأسيس “أكبر من دولة واحدة وقضية منفردة”.
وتشير إحدى وثيقتي البيت الأبيض إلى أن خطة الإدارة تستهدف تعزيز إستراتيجية “أميركا أولا” التي يتبناها ترامب للحد من التدخل العسكري الخارجي، وحمل الحلفاء العرب على تحمل مزيد من أعباء أمنهم، مع دعم المصالح الأميركية بالشرق الأوسط في الوقت نفسه.
وجاء في إحدى الوثيقتين، اللتين صيغتا قبل مقتل خاشقجي، أن ترامب حذر قادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الآخرين، وكذلك مصر، من أن “الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، وأن الولايات المتحدة لن تواصل الاستثمار في أمن الشرق الأوسط”. ولم تورد تفاصيل عن تهديد ترامب أو متى أصدره.
وتضمن تحقيق رويترز نشر جانب من مضمون وثيقة إستراتيجية للتحالف تحمل عنوان “نظرة عامة على مفهوم تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي”، جاء فيها أن من بين الأهداف طويلة الأمد تشكيل تحالف رسمي واتفاق تجارة حرة متعددة الأطراف خلال خمس إلى سبع سنوات.
كما تضمنت الوثيقة احتمال أن يشمل الاتفاق في نهاية المطاف العراق ولبنان ودولا أخرى، مع إمكان تكوين علاقات رسمية مع إسرائيل و”حلفاء أوروبيين وآسيويين مختارين”.
المصدر : رويترز