أنقرة – يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توظيف قضية الصحافي السعودي المقتول جمال خاشقجي بشكل متناقض يفضي إلى إعادة التقارب مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، متبعا نفس الاستراتيجية التي قادته إلى إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية السورية عام 2015.
ويحاول أردوغان تحويل أزمة خاشقجي إلى فرصة يمكنه من خلالها القفز على مرحلة صعبة في علاقات أنقرة وواشنطن، تمثلت في فرض الإدارة الأميركية عقوبات على وزراء أتراك ومضاعفة التعريفات الجمركية على صادرات الصلب والألومنيوم التركية، وزيادة الدعم للمقاتلين الأكراد على الحدود السورية مع تركيا.
ويشعر أردوغان أنه كلما استطاع إبقاء قضية خاشقجي تحت الأضواء لأطول فترة ممكنة، كلما مكنه ذلك من حصد أكبر قدر من المكاسب السياسية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة، ودول أوروبية لعبت دورا محوريا في السابق في عزل تركيا تحت حكمه القمعي.
وأكد الرئيس التركي مجددا وجود تسجيلات تتعلق بقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر، مشيرا إلى أنه أطلع الرياض وواشنطن وباريس عليها.
وصرّح أردوغان في مؤتمر صحافي متلفز “لقد أعطينا التسجيلات إلى السعودية وأعطيناها إلى واشنطن وإلى الألمان والفرنسيين والبريطانيين”. وأوضحت الرئاسة التركية لاحقا أنه تمّ الاستماع إلى التسجيلات، لكن لم يتم تقاسم أي وثيقة مكتوبة. وتابع أردوغان “لقد استمعوا إلى المحادثات التي جرت هنا، إنهم يعلمون”، من دون إعطاء تفاصيل حول مضمون هذه التسجيلات.
وبعد إسقاط مقاتلات تركية قاذفة روسية من طراز سو24، كانت تناور في الأجواء السورية بعدما اخترقت المجال الجوي التركي لبضع ثوان، قدم أردوغان تنازلات استراتيجية لبوتين في سبيل استغلال الأزمة، التي دفعت موسكو إلى فرض عقوبات على أنقرة، وتحويلها إلى “حلف ضرورة” خصوصا حول خطط مشتركة لخفض التصعيد تبلورت لاحقا في سوريا. وكان آخر هذه الخطط اتفاق إدلب الذي توصل إليه الجانبان هذا العام.
وكرر أردوغان لاحقا هذا الخيار ضمن مساعيه لكسر الجمود مع الولايات المتحدة، عبر اتباع سياسة “حافة الهاوية” في القضية المتعلقة باعتقال القس الأميركي أندرو برانسون، الذي اتهمته تركيا بالتجسس وأبقته في المعتقل طوال عامين. والشهر الماضي أفرجت هيئة قضائية تركية عن برانسون، وهو ما بدا كأنه تنازل كبير من قبل أردوغان، أفضى إلى انفراجة سريعة في العلاقات مع إدارة ترامب.
وكان أردوغان يتحدث، السبت، قبل أن يغادر إلى باريس، التي يزورها بدعوة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون للمشاركة في احتفالات الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى.
وخلال هذه الزيارة، قال الرئيس التركي إنه سيلتقي بعض القادة الأجانب. وأوضح أنه سيلتقي، “إذا سنحت لنا الفرصة”، بترامب الذي أجرى معه مكالمة هاتفية “قبيل” مؤتمره الصحافي.
ويريد أردوغان إقناع ترامب بأنه لن يأخذ خطوات تصعيدية في هذه القضية، بما يتضمن الكشف عن المزيد من الأدلة التي تمتلكها تركيا من دون التنسيق معه أولا. كما يريد الإيحاء بأن تركيا تتجه نحو تسليم الغرب ملف خاشقجي بالكامل، بعد أسابيع من إطلاع رئيسة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي.آي.أي” بتسجيلات صوتية، تقول تركيا إنها تتعلق باللحظات الأخيرة لخاشقجي.
وستكون زيارته إلى باريس فرصة أردوغان الأخيرة لحشد الدعم الغربي خلف جهوده الهادفة إلى تصعيد الحملة ضد السعودية، بعدما انتهت مرحلة تسريب الأدلة تدريجيا. وردا على سؤال حول هذا الموضوع، اكتفى أردوغان بالقول إن تركيا “ليست لديها أي وثيقة أو أي مادة أخرى بخصوص الراحل خاشقجي”.
العرب