أبوظبي – تتجه السعودية إلى خفض إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يوميا في شهر ديسمبر في خطوة تحاول من خلالها إنقاذ الأسعار من الانهيار، وتختبر فيها نوايا العراق بعد دخول العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، وما إذا كان العراق سيستفيد من تراجع حصة إيران في السوق، أم سيتحول إلى نافذة لبيع النفط الإيراني عبر التهريب.
ويعتقد المنتجون الكبار للنفط أن الإعفاءات من العقوبات، التي منحتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لثماني دول، لم تغير الواقع السائد في سوق يعاني من تخمة في المعروض تهدد بالعودة مرة أخرى إلى مرحلة انهيار الأسعار التي كانت سائدة منذ عام 2014.
وتحسبا للعقوبات الأميركية، قامت موسكو والرياض، وهما اثنتان من أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم، بتعديل الاتفاق حول الحدّ من الإنتاج لتتمكنا من استخراج كميات أكبر والتعويض عن خفض الصادرات النفطية الإيرانية.
وأوضح وزير النفط السعودي خالد الفالح أن “المملكة ستخفّض صادراتها في ديسمبر مقارنة بنوفمبر”، مشيرا إلى أن المملكة تنتج منذ أكتوبر الماضي 10.7 مليون برميل نفط في اليوم.
وجاء ذلك بعدما قال الفالح إنه لم يتم التوصل بعد إلى توافق بين الدول الكبرى المنتجة للنفط على “خفض إنتاج” الخام.
وذكر الفالح ردا على سؤال حول إمكانية الحدّ من الإنتاج النفطي لوقف تراجع الأسعار “من المبكر الحديث عن تحرك محدد””، متحدثا قبل اجتماع عقد في أبوظبي ويضم الدول الكبرى المنتجة للنفط من أوبك وخارجها، ومن بينها روسيا.
ومنذ أن قرر أعضاء منظمة الدول المصدرة للخام (أوبك) إنهاء سياسة خفض الإنتاج في مايو الماضي، وضع المسؤولون عن النفط في الدول الكبرى المصدرة السوق تحت الاختبار.
ويقول خبراء إن السوق أثبتت أنها ما زالت تعاني من هشاشة جعلتها غير قادرة على تحمل الزيادة في المعروض. وأدت التخمة إلى تراجع الأسعار لأول مرة منذ ستة أشهر وبصورة مفاجئة لما تحت حاجز 70 دولارا للبرميل.
وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح عبر في بغداد، التي قام بزيارتها، السبت، حيث التقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، عن تخوفه من أن يلعب العراق دورا في مساعدة إيران الساعية للالتفاف على العقوبات الأميركية، عبر توفير تسهيلات تمكنها من تهريب أكبر كمية ممكنة من النفط في السوق السوداء، أو كجزء من الصادرات العراقية.
كما تحاول السعودية إقناع العراق بالإبطاء في سياسته الساعية لزيادة الإنتاج بشكل سريع. وتسعى بغداد للوصول إلى إنتاج يقدر بـ5 ملايين برميل يوميا العام المقبل، كما تريد رفع طاقة تصديرها إلى 3.8 مليون برميل. ويتطلع العراق لبدء التصدير من حقول كركوك نحو تركيا، في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة على العراق لتعليق جميع شحنات النفط من إيران.
وإذا مضت أوبك وشركاؤها قدما وقامت بتمديد التخفيضات في عام 2019، فسيتعين على السعودية أن تقنع زملاءها من أعضاء المجموعة، مثل العراق، الذين يحاولون تعزيز الإنتاج، وكذلك روسيا المهمة وحليفتها منذ عام 2016، والتي لم تظهر حتى الآن الكثير من الحماس لخفض الإنتاج.
وينظر منتجون كبار آخرون إلى قرار السعودية بخفض إنتاجها بمقدار نصف مليون برميل يوميا بريبة. وروسيا، التي تنتج 11.4 مليون برميل يوميا، من بين الدول التي لا تحتاج إلى استقرار الأسعار عند مستويات مرتفعة.
وأبلغ وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك الصحافيين، الأحد، بأن السوق ربما تواجه تخمة معروض محددة ترجع إلى عوامل موسمية في الأشهر القليلة المقبلة، لكنها ستكون متوازنة بحلول 2019 بل وقد يتجاوز الطلب العرض.
وقال نوفاك على هامش اجتماع أبوظبي “علينا أن نحلّل السوق بعمق، ونحلّل إلى أي مدى تم تطبيق الاتفاق (خفض الإنتاج) وأن نقرّر بحذر ما الذي يتوجب علينا أن نفعله بهدف مواصلة التعاون لتحقيق استقرار السوق”.
وتابع ردّا على سؤال حول خفض الإنتاج “إذا صدرت قرارات في هذا الشأن، وهذا يصب في صالح روسيا، فإننا سنكون قادرين على الوفاء بالتزاماتنا”.
وقالت حليمة كروفت، كبيرة خبراء الاستراتيجيين لدى مؤسسة “آر.بي.سي كابيتال ماركت”، لبرومبرغ “أعتقد أن الأمر كله يعود إلى روسيا… يبدو أن الروس مترددون بشكل واضح بشأن خفض الإنتاج”.
كما تضغط إدارة ترامب على المنتجين من أجل زيادة الإنتاج للحفاظ على أسعار الخام عند مستويات منخفضة، وفي الوقت نفسه تعويض حصة إيران في السوق.
ويقول محللون إن قرار السعودية بخفض الإنتاج بمثابة مناورة تهدف من خلالها إلى الحفاظ على استقرار السوق وتجنيبها التعرض لتراجع حاد في الأسعار مرة أخرى.
وحذر وزير النفط العماني محمد الرمحي من أن “هناك تخمة في السوق، وإن لم نكن حذرين فسنعود مرة أخرى لما كنا عليه”، في إشارة إلى الانهيار في الأسعار.
ولا تجد السعودية صعوبة في التخلي عن نصف مليون برميل يوميا. وتمثل هذه الكمية نسبة مناورة ضئيلة بالنسبة للمملكة، كما لا تدخل ضمن الإنتاج الأساسي للنفط السعودي، وإنما تظل جزءا من هامش الزيادة في الإنتاج، الذي زاد مع تخلي الرياض عن سياسة خفض الإنتاج، ضمن توافق أوسع ضم أعضاء أوبك والمنتجين الآخرين في وقت سابق من هذا العام.
ورأى فؤاد رزاق زادة المحلل في “فوريكس.كوم” أن المسؤولين ناقشوا على الأرجح “ضرورة العودة إلى احترام الاتفاق بنسبة مئة في المئة”، بعد قرار واشنطن إعفاء ثماني دول من الالتزام بالعقوبات.
وأوضح أن “الأسعار في تراجع بينما إنتاج كبار المنتجين مثل السعودية وروسيا والولايات المتحدة يواصل ارتفاعه، متجاوزا كميات البراميل الإيرانية” التي خسرتها السوق.
العرب