نتائج مؤتمر باليرمو بشأن ليبيا استنساخ لاتفاق باريس

نتائج مؤتمر باليرمو بشأن ليبيا استنساخ لاتفاق باريس

جاءت نتائج مؤتمر باليرمو مخالفة لتوقعات بعض المراقبين الذين ذهبوا إلى اعتبار أن المؤتمر سيحاول إجهاض إجراء الانتخابات، كما عكست توجها إيطاليا جديدا بشأن ليبيا يتمثل أساسا في الاستغناء عن تيار الإسلام السياسي الذي يبدو أنه فقد آخر أوراقه في الترتيبات الأمنية الأخيرة التي تجري في العاصمة طرابلس وتهدف إلى قصقصة أجنحة الميليشيات المحسوبة عليه.

باليرمو (إيطاليا)- بدا البيان الختامي لمؤتمر باليرمو بشأن ليبيا، استنساخا لما تم التوصل إليه في مايو الماضي في باريس. ودعا البيان إلى ضرورة إجراء الانتخابات وفقا للخطة الجديدة للأمم المتحدة التي نادت بإجرائها في ربيع العام المقبل، بعدما تعذر إجراؤها هذا العام وفقا للخطة السابقة.

كما دعا إلى ضرورة سن إطار دستوري للانتخابات، وهو نفس ما نادى به اتفاق باريس الذي لم ينص على إجرائها وجوبا وفقا للدستور كما ينادي تيار الإسلام السياسي وحلفاؤه الإقليميون.

ويقول التيار المؤيد لإجراء الانتخابات إن المصرين على إجرائها وفقا للدستور يسعون في الحقيقة إلى تأجيلها إلى موعد غير مسمى، بهدف البقاء في مناصبهم، إذ أن إصداره سيستغرق وقتا كبيرا لا سيما في خضم الجدل القائم بشأن المسودة الحالية وقانون الاستفتاء عليها.

وكان مجلس النواب أعلن سبتمبر الماضي، المصادقة على القانون قبل أن يخرج رئيس المجلس عقيلة صالح لينفي الأمر. وأكد صالح أن التوقيعات الأخيرة التي جرت بهذا الخصوص “ما هي إلا طلب لعقد جلسة حول مناقشة تعديل الدستور وقانون الاستفتاء بعدما وقّع نحو 130 عضوا بالموافقة من أصل 210″.

وفي معرض شرحه تفاصيل أزمة قانون الاستفتاء، أشار صالح إلى أنّ “مجلس النواب عقد جلسة بخصوص القانون، لكنّ الخلاف بين الأعضاء حال دون اعتماد القانون، وهو ما دفع بهيئة المجلس إلى مطالبة اللجنة القانونية بإبداء رأيها”.

ويقول مراقبون إن الاستفتاء حتى وإن جرى في القريب، فإن التوقعات تتجه نحو إسقاط المسودة الحالية، لا سيما في صورة إذا ما تم إجراء الاستفتاء وفقا للأقاليم، ما يعني الانكباب على صياغة مسودة جديدة. ويرفض إقليم برقة المسودة التي لم تراع مطالبه في إرساء نظام فيدرالي يقطع مع المركزية.

ويعد تيار الإسلام السياسي أحد أبرز المطالبين بضرورة إصدار الدستور قبل الانتخابات خشية من حدوث فراغ، في حين يرى خصومه أنه بالإمكان إجراء تعديل على الإعلان الدستوري الحالي وإجراء الاستحقاقات وفقه.

وانسحبت تركيا الثلاثاء من محادثات الأزمة الليبية التي تجري بوساطة إيطاليا في باليرمو بعد أن قالت إنه “تم استبعادها” من اجتماع عقد الثلاثاء. وجاء انسحاب تركيا بعد أن انضم المشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا، إلى اجتماع على هامش المؤتمر مع رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا فايز السراج وغيره من القادة، دون حضور تركيا.

ويتهم معسكر حفتر تركيا وقطر بتقديم الدعم العسكري والمالي لخصومه ومن بينهم الإسلاميون. وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي الذي كان يمثل بلاده في صقلية “كل اجتماع يستثني تركيا لا يمكن إلا أن تكون نتائجه عكسية لحل المشكلة”.

وأضاف “الاجتماع غير الرسمي الذي عقد صباح الثلاثاء مع عدد من الأطراف وتقديمهم على أنهم اللاعبون البارزون في منطقة البحر المتوسط هو أمر مضلل تماما وهو نهج ضار نعارضه بشدة”.

لكن مراقبين استبعدوا أن يكون انسحاب تركيا لمجرد عدم استدعائها لاجتماع أمني دعيت إليه دول جوار ليبيا وروسيا، واعتبروا أن السبب الحقيقي يكمن في تهميش المؤتمر لتيار الإسلام السياسي وكيلها في البلاد.

ويرى هؤلاء المراقبون أن الحكومة الإيطالية الجديدة غيرت رهانها على الإسلاميين وميليشياتهم، أمام إصرار المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات لتجديد الشرعية وإنهاء الانقسام العاصف بالبلاد، وهو ما قد يكون السبب في تراجعها عن رفض الانتخابات.

وكان خليفة حفتر، انتقد في 2016 دعم إيطاليا لخصومه في المنطقة الغربية على حساب السلطات في الشرق. ودعمت إيطاليا حكومة الوفاق وأبقت على سفارتها في طرابلس مفتوحة على مدى سنوات، على عكس السفارات الغربية الأخرى، للتأكيد على أن علاقاتها جيدة مع الجماعات المسلحة المتحكمة بالعاصمة والتي يحسب أغلبها على الإسلاميين وتحمي الحكومة الليبية نفسها.

ومن المتوقع أن توجه الانتخابات ضربة قاصمة لتيار الإسلام السياسي، الذي ارتبطت صورته على مدى السنوات الماضية، بدعم الإرهاب والميليشيات التي تعرقل قيام الدولة.

وكان حفتر وصل إلى باليرمو، عاصمة صقلية، مساء الاثنين آتيا من معقله بنغازي بعد أيام من الشكوك حول حضوره، إلا أنه رفض المشاركة في المؤتمر والعشاء الرسمي.

وحضر اللقاء بين حفتر والسراج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف، والمبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.

واستضاف رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي اللقاء الذي جرى قبل محادثات حول طاولة مستديرة كان من المقرر أن تشارك فيها تركيا. وسبقت المحاولة الإيطالية لحل الأزمة الليبية قمة عقدت في باريس في مايو الماضي وشهدت اتفاق حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وحفتر على إجراء انتخابات عامة في العاشر من ديسمبر.

وفي إقرار للفوضى السياسية في ليبيا منذ الإطاحة بالزعيم معمر القذافي في 2011، قالت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي إنه لن يكون بالإمكان إجراء الانتخابات قبل ربيع 2019. وصرح مسؤول إيطالي بأنه خلال محادثات الاثنين على هامش المؤتمر، أبلغ حفتر السراج بأنه لا يتعين عليه الاستقالة قبل إجراء الانتخابات.

ونقل المسؤول عن حفتر قوله “ليس من الضروري تغيير الحصان في منتصف عبور النهر”. ويرفض حفتر الذي تسيطر قواته على جميع أجزاء شمال شرق ليبيا، الجلوس إلى الطاولة نفسها مع القادة الإسلاميين الذين يعارضهم بشدة عسكريا وأيدولوجيا.

لكن المبعوث الأممي غسان سلامة أكد أنه طرف رئيسي في أي تسوية في البلاد، والتزم بخطة عمل للأمم المتحدة وبعقد مؤتمر وطني في مطلع 2019 قبيل إجراء الانتخابات. وقال سلامة للصحافيين في نهاية المؤتمر “حفتر ملتزم بالعملية السياسية”، وأضاف “قال ممثلوه ذلك”.

العرب