لم يبق سوى أيام قليلة على الانتخابات النيابية التركية التي ستجرى في السابع من حزيران/يونيو الجاري، وتعد هذه الانتخابات الأولى من نوعها في ظل رئاسة أحمد داوود أوغلو للحزب الحاكم في البلاد، وذلك في أعقاب تنحى مؤسس حزب العدالة والتنمية ورئيسه السابق رجب طيب أردوغان عن قيادة الحزب لتولي منصب رئيس الجمهورية في آب/أغسطس من العام الماضي.
ولن تتناول هذه الورقة المسائل التقليدية التي تطرح على بساط البحث والتحليل قبل إي انتخابات نيابية في تركيا، سواء ما يتعلق ببرامج الأحزاب السياسية الرئيسة التي ستخوض غمار التنافس الانتخابي، والتي تطمح بحصد أكبر عدد ممكن من أصوات الكتلة الانتخابية. كما لن تبحث هذه الورقة في أحداث منطقة “تقسيم” التي وقعت في أواخر شهر أيار/مايو من العام 2013م، ولا في قضايا الفساد التي اتهمت بها حكومة العدالة والتنمية في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته، او توتر العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وجماعة فتح الله كولن”، والذي يعرف في تركيا “بالكيان الموازي” على خلفية تهم الفساد تلك.
ولن نبحث في مسارات الحكومة الائتلافية، ومن سيشكلها في حال عدم حصول حزب العدالة والتنمية على النسبة القانونية، التي تمنحه الحق في تشكيل الحكومة بمفرده، وهل بإمكان أحزاب المعارضة تشكيل الحكومة بعيداً عن ذلك الحزب؟ ولن نتطرق أيضا إلى تحليل الأوضاع الإقليمية وانعكاساتها الإيجابية أو سلبية على الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات التركية، وعلى الرغم من أهمية هذه المحاور إذ تم تحليلها وما تزال تناقش في الإعلام بأشكاله المختلفة.
وإنما سنبحث في هذه ورقة، مسألة لم يتم التركيز عليها بشكل ينسجم مع أهميتها بالنسبة لمستقبل الدولة التركية، وهو هدف تغيير الدستور الحالي الذي يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الى تحقيقه، كأحد أهم أهداف البرنامج الانتخابي للحزب في مجال التحول الديمقراطي والمجتمع المدني.
ولذا ستبحث هذه الورقة عن أهمية تغيير الدستور من منظور الحزب، ليس من جهة أن تغييره كما تذهب معظم التحليلات السياسية والتغطيات الإعلامية بمختلف أشكالها، من أجل فقط تحويل النظام السياسي التركي من نيابي إلى رئاسي، ووفقاً لتخيلاتها السياسية الضيقة فقد ألصقت تلك التحليلات والتغطيات في حال أستطاع حزب العدالة والتنمية في تغيير الدستور، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدد من الأوصاف نذكر منها “سلطان مطلق الصلاحيات”، و”نظام السلطان الكامل”، و”الرئيس الزعيم”.
ولعل اردوغان يدرك جيدا ان تغيير الدستور انما ينطوي على مصلحة تركية عليا، ولن يصاغ وفق اهواءه -كما يرى البعض-، فالرئيس التركي الذي يبلغ من العمر الان 61 عاما، لن يبقى على سدة الحكم مدى الحياة، خصوصا وان تركيا دولة تحكمها مؤسسات وليست دولة امزجة وافراد.
ومن الناحية التاريخية، فأن أياً من الدساتير الجمهورية التركية المعاصرة الثلاثة الصادرة في20 نيسان/إبريل 1924م، و9حزيران/يونيو 1961م، 7تشرين الثاني/نوفمبر1982م على التوالي. لم يتم وضعهم عن طريق جمعية تأسيسية أو مجلس تشريعي منتخب من الشعب، فمثلا صدر دستور 1924م عن طريق مجلس تشريعي أحادي هيمن عليه حزب الشعب الجمهوري، الذي كان حديث التأسيس آنذاك على يد رئيس تركيا الأسبق مصطفى كمال أتاتورك “1923م/1938م”.
وعلى الرغم أن هذا الدستور كان يحمل روحاً ديموقراطية، ولم ترد فيه أي إشارات على ما تلاه من نظام الحزب الواحد الاستبدادي (1925م-1946م)، إلا أنه كان أداة مناسبة لهذا النظام، حيث أنه لم يضع أي ضوابط أو توازنات رقابية ضد الحكم المطلق للأغلبية النيابية.
وكان كلا من دستوريّ 1961م و1982م نتاج انقلابين عسكريين وقعا في عامي 1960م و1982م على التوالي، فقد لعبت اللجان العسكرية دورا كبيرا في صياغة هذين الدستورين، مثل “لجنة الوحدة الوطنية” في عام 1960م، و”مجلس الأمن القومي” في عام 1980م. وفي كلتا الحالتين، كان المجلس العسكري من شكل واشرف على الجمعية التأسيسية لكتابة الدستورين.
ان النهج الذي اتبع من قبل “كنعان إفرين” قائد الانقلاب العسكري في العام 1980م، والذي أصبح-فيما بعد- رئيس جمهورية تركيا “1982م/1989م” في كتابة الدستور عام 1982م، يؤكد على وصاية المؤسسة العسكرية على الحياة المدنية في تركيا. ومن ثم فهو يعكس بوضوح مرتكزات الحكم الاستبدادي، الذي قلّص وبشكل كبير من مساحة الحقوق السياسية والمدنية.
وبنفس السياق، وبموجب ذلك الدستور، تم حظر جميع منظمات المجتمع المدني، ومُنعت النقابات العمالية والجمعيات التطوعية والمؤسسات والمنظمات المهنية العامة والجمعيات التعاونية من أن تقوم بدعم، أو أن تتلقي دعما من الأحزاب السياسية، أو أن تنخرط في عمل مشترك فيما بينها. وألغيت هذه القيود بالتعديل الدستوري لعام 1995.
كما قيّد الدستور أنشطة الأحزاب السياسية من خلال وضع قائمة طويلة من المحظورات الحزبية الغامضة في الدستور، بل ووضع قيوداً أكثر قسوة في قانون الأحزاب السياسية. وهكذا، حظرت المحكمة الدستورية 25 حزباً سياسيا حتى الآن (منها 6 أحزاب بموجب دستور عام 1961م، و19 حزبا بموجب دستور 1982)، ومُنع الكثير من قادة هذه الأحزاب وأعضائها من ممارسة أي نشاط سياسي لمدة خمس سنوات من تاريخ حكم المحكمة بالحظر.
ورغم بعض التحسينات المحدودة التي نتجت عن التعديلات الدستورية لعامي 1995م و2001م، إلا أن النظام القانوني للأحزاب السياسية، لا يزال يمثل واحداً من أكثر “أوجه العجز الديموقراطي” مقتاً في النظام السياسي التركي. وهو ما حمل لجنة البندقية “اللجنة الأوروبية للديموقراطية من خلال القانون” التابعة لمجلس أوروبا في تقريرها الصادر في آذار/مارس 2009م، على انتقاد القواعد الدستورية والقانونية التركية بشأن حظر الأحزاب السياسية.
ويخلص التقرير إلى أن “المشكلة الأساسية في القوانين التركية لإغلاق الأحزاب هو أن حدودها منخفضة للغاية، سواء من حيث بدء الإجراءات أو حظر الأحزاب أو حلها. ويعد هذا بحد ذاته وبصورة مجردة انحرافا عن المعايير الديموقراطية الأوروبية المشتركة، ويؤدي بسهولة شديدة إلى إجراء يكون خرقا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، كما ثبت في العديد من القضايا التركية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”.
ولتأبين النهج الديمقراطي في البلاد منح واضعي دستور عام 1982م، مؤسسات بعينها صلاحيات دستورية واسعة لمواجهة أي محاولات داخلية رافضة للحكم الاستبدادي وهذه المؤسسات هي: رئاسة الجمهورية، ومجلس الأمن القومي، ومجلس التعليم العالي، ومؤسسة القضاء بتفرعاتها المختلفة، فدستور على هذه النحو، حتماً لن تكن مخرجاته العملية ذات أي فائدة على المجتمع التركي.
فتركيا في أثناء العمل بهذا الدستور وحتى عام 2002م، لم تنتج سوى حكومات ائتلافية ساهمت في تعميق الأزمات السياسة الداخلية، حكومات من جانب كانت مرتبطة ومتحالفة مع مؤسسات الوصاية على النظام السياسي التركي، وحكومات لم تقدر على مواجهة تلك المؤسسات، هذا الأمر انعكس وبمؤشر كبير على الاقتصاد التركي الذي عانى من أزمات اقتصادية بسبب توطّن الفساد به، والذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار في العام 2001م.
وعلى الرغم من جملة التعديلات الدستورية التي قامت بها حكومة العدالة والتنمية منذ مجيئها لحكم تركيا في العام 2002م على دستور عام 1982م، إلا إنها ترى غير كافية، فحزب العدالة والتنمية يسعى من خلال الانتخابات البرلمانية القادمة في حال حصول على 367 مقعد نيابي من أصل 550 مقعد، هذا العدد يؤهله لتغيير الدستور بدون كسب تأييد الأحزاب له في المجلس الوطني الكبير “البرلمان”، أما إذا حصل على 330 مقعد فهذا يمنحه فقط عرض تعديلاته الدستورية للاستفتاء الشعبي. أما حصوله على 276 مقعد فسيتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده. وهنا نتساءل لماذا يسعى حزب العدالة والتنمية إلى تغيير الدستور؟
لم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول رئيس تركي يتطرق إلى مسألة النظام الرئاسي بدلًا من النيابي، فقد سبقه كل من رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس “1950/1960″م ورئيس الجمهورية الأسبق سليمان ديميريل “1993/2000″م إلى نفس التوجه، إلا أنهما لم يتطرقا إلى تنفيذه كما فعل الرئيس التركي الحالي. ويمكن القول إن رجب طيب أردوغان هو الرئيس الوحيد الذي بذل خطوات فعلية في هذا المجال، عندما أمر قبل سنتين بتشكيل لجنة نيابية تتكون من أحزاب المنضوية في المجلس الوطني الكبير “البرلمان”، مهمتها إعداد دستور جديد للدولة التركية. ومع أن اللجنة لم توفق في مسعاها، وتم حلها إلا أن الجدل بشأن تبني النظام الرئاسي عاد بقوة إلى المشهد التركي مع فوز رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية.
وتحتاج تركيا الجديدة إلى دستور ما بعد الكمالية ينسجم مع قيم الحكم الديمقراطي، فهي تحتاج لدستور يقبل بتنوع الهويات، واحترام الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين، وسيادة الحكم المدني على العسكري. أن دستور ما بعد الكمالية سيساهم في الحفاظ على نموذج دولة الأمة، ويعترف بالتعددية القومية والدينية، ويقر بالعلمانية ويعيد صياغتها بما يناسب التوجهات المختلفة في المجتمع التركي، حتى لا يتم إلزام المواطنين بفكرة معينة.
ومما لاشك فيه، هذا لا يُدين الكمالية “كفكرة”، ولكنه يفسح المجال للمواطنين الأتراك لاختيار ما يناسبهم من أفكار في مجتمع ينعم بحرية الفكر. وعليه من المتحمل أن يتبنى المواطنين بعض الأفكار إذا رغبوا بذلك، وفي هذا الإطار ينبغي على الدولة أن تقف موقف الحياد وأن تكون الأساس لمجتمع متوافق الآراء. ومن المهم أن ندرك أن عهد الدول الفكرية قد انتهى، وأصبحت الحاجة الآن إلى دول تتبنى “سياسات خدمات” لشعوبها وليس “سياسات الهوية” أو الأفكار أو أساليب الحياة.
وتعود حاجة تركيا إلى دستور جديد لأزمة النظام الكمالي للأسباب الاتية:
أولاً أزمة الكمالية كنموذج حكم استبدادي، فهي لا تتيح المجال لحكم يرتكز على الفكر الليبرالي. فالكمالية بروحها الثورية، لم تعط أبداً الحرية للمواطنين لاختيار أشكال حياتهم الخاصة أو قادتهم أو أفكارهم، بل إنها من اختارت لهم كل هذه التفاصيل.
ففي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، باستثناء مدة الخمسينيات من القرن المنقضي، استمرت الكمالية في ترتيب الأحزاب السياسية. وفي عام 1960م، أطاحت المؤسسة العسكرية بقيادة “جمال جورسيل” في العام 1960م، بحكومة “عدنان مندريس” المنتخبة، وأعلن نظام الوصاية على المجتمع التركي، وفقا ًلمنطلقات ومؤسسات دستور عام 1961م، ودستور انقلاب عام 1982م. ومنذ ذلك الوقت، فإن النظام السياسي التركي سار وفق الدستور الذي صاغته المؤسسة العسكرية لإحكام قبضتها على الحكم في تركيا وتحقيقًا لمصالحها الخاصة.
ومع هذا النظام، تمتعت المؤسسة العسكرية بصلاحيات واسعة جعلتها في مواجهة مع الحكومات المنتخبة، كما نصّبت نفسها الجيش الوصية على الحياة الاجتماعية والسياسية. وبما أن الكمالية تتلقي الدعم منها، فإنها أدت إلى إنتاج قوة ممانعة للحكم الديمقراطي. وبالتأكيد فان هذا الإجبار المبرر بأفكار الكمالية لم يسمح للوصول إلى ديمقراطية حقيقية.
وبالرغم من أن نظام الوصاية الكمالية يدعمه دستور عام 1982م، فانه من المتعذر استمراره في مجتمع منفتح ومزدهر، وفي ظل آليات الاقتصاد العالمي. وهكذا، فإن هناك حاجة ماسة إلى دستور ما بعد الكمالية ينبني عليه أساس الحكم الديمقراطي الفعال، حيث تصبح المؤسسة العسكرية فيه تابعة للحكومة المنتخبة وليس متحكماً فيها، وهذا سينهي على دورها السلبي في الحياة السياسية التركية، لينحصر مهامها في حماية الدولة من الاعتداءات الخارجية، كل ذلك من شأنه أن يخلق مجتمعا مدنيا قويا، منسجما مع دولته.
ثانيا، أصبحت هناك حاجة ملحة إلى دستور جديد، لرفض العلمانية “الأصولية” التي لا مثيل لها في العالم، كفكرة جامدة متصلبة أصبحت في مقام العقيدة السياسية، فهي تتبنى سياسة شرسة ضد القيم الدينية والتقليدية ولا تتسامح معها، تخيل دولة كانت مقر الخلافة الاسلامية يحرم على مواطنيها النطق بالبسملة في المؤسسات الرسمية، وكتابتها في الخطابات الحكومية، وتأسيس علمانية منفتحة وأكثر إنسانية، تقبل بالتعددية والتسامح مع قيم الاخرين وخاصة قيم التيار الاسلامي.
هذه العلاقة المتناقضة لا معنى لها، حيث تُترجم العلمانية على أنها “جهاز” للسيطرة على الدين وإقصاء القوى الاجتماعية المحافظة عن الساحة السياسية. لقد عمل الإقصاء على أساس العلمانية، على نزع الشرعية عن الجهات الفاعلة الاجتماعية والسياسية المحافظة، وفي الوقت ذاته جعل من النخبة الكمالية طليعة لحماية النظام. هكذا كانت العلمانية درعا، عزز من خلالها الكماليون قوتهم ونفوذهم على حساب القوى المحافظة. ووضعت مهمة العلمنة الكماليين في موضع القوة.
هذا ومن الصعب الآن أن تفرض العلمانية كأسلوب حياة، وان يتم التفرقة بين أولئك غير العلمانيين في أسلوب حياتهم، أو أن يتم إقصائهم من مراكز القوة والنفوذ. ولا يمكن لهذا المفهوم للعلمانية أن يستمر باستبعاد المحافظين والجماعات الدينية، نظرا لتغيرات موازين القوى على أرض الواقع، وعلى حساب الكماليين. لقد استفاد المحافظون من الديمقراطية والعولمة وحققوا مكاسب سياسية واقتصادية، واجتماعية أكثر من أي وقت مضى. وهكذا، فان هناك حاجة إلى دستور ما بعد الكمالية لإعادة تعريف العلمانية بطريقة أكثر ديموقراطية وليبرالية، على نحو يتم فيه استيعاب الدين في الحياة العامة، وذلك لضمان حيادية الدولة تجاه جميع الأديان والمعتقدات المختلفة، ووقف الدولة عن التدخل في الشؤون الدينية.
ثالثا، هناك حاجة إلى دستور ما بعد الكمالية لأن الكمالية التي ترى الأمة متجانسة، كما ورد في تعريف المواطنة في الدستور 1981م الحالي، لا تترجم الواقع الاجتماعي بشقيه القومي والديني، فالمادة 66 تنص على أن “كل من ينتمي إلى الدولة التركية من خلال المواطنة فهو تركي”. وليس هناك أي مجال للإفصاح عن وجود عنصر غير الأتراك في تركيا.
وعلى الرغم من التاريخ الطويل من الصراع والحرمان والقمع، لا تزال الهوية الكردية تنبض بالحياة، إذ تقدر نسبة الأكراد بنحو 15 % من مواطني تركيا، وتحصل الحركة السياسية الكردية على أكثر من 2.5 مليون صوت، لذا هناك حاجة إلى الاعتراف بتعدد الأعراق. وبالطبع فان وجود الأكراد، كمجموعة اثنية وهوية مختلفة لا يتناغم مع التخيل الكمالي بأمة متجانسة تحكمها طليعة النخبة الكمالية، لذلك تم قمع كل من رفض هذه الأفكار وأُجبر على الرضوخ.
ونتيجة لذلك، تم استخدام المسألة الكردية كذريعة لتبرير التشكيلات السياسية الاستبدادية، والتي كانت عقبة أمام التحول الديمقراطي. وأول مثال تاريخي على القمع حدث اثناء التمرد الكردي في عام 1925م، بقيادة الشيخ سعيد؛ فعند قمع هذا التمرد، لم يقتصر الأمر على المناطق الكردية، بل امتد ليشمل أي من أشكال المعارضة في أنقرة واسطنبول، كما تم اغلاق الحزب المعارض الجديد، الحزب الجمهوري التقدمي، وتم قمع الصحافة المعارضة في اسطنبول، كجزء من حملة القمع التي تلت تمرد الشيخ سعيد.
ومنذ ذلك الحين، فان المطالب الكردية، استخدمتها عناصر سلطوية في الدولة لتأجيل الديمقراطية، كما استخدمت كذريعة لقمع حقوق الإنسان، وتجاهل سيادة القانون، ونشر الثقافة السياسية العسكرية. لذلك، لابد من حل المسألة الكردية على الأقل لسببين: أولا؛ تلبية مطالب الشعب الكردي، وثانيا؛ حرمان الدولة من ذريعة تأجيل تلبية متطلبات الديمقراطية الكاملة؛ فمن المستحيل حل المسألة الكردية في إطار النموذج الكمالي الذي يصور الأمة على أنها أمة متجانسة وينكر وجود الشعب الكردي. وللتغلب على وجهة النظر غير الواقعية هذه، والتي ترى المجتمع التركي على أنه أمة متجانسة، نجد أنه لابد أن نقيم نظام ما بعد الكمالية على أساس دستور ما بعد الكمالية.
ولهذه الأسباب مجتمعة اشتمل البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية على هدف تغيير الدستور، لأن الدولة الفكرية التي سادت في مرحلة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية قد أصبحت شيء من الماضي. وإذا ما أرادت تركيا أن تنهض وتحقق المكانة التي تطمح للوصول إليها إقليمياً ودولياً، وهو الطموح الذي كان يرتجيه كمال أتاتورك نفسه، لذلك يجب عليها أن تتخلى عن فكرة الكمالية كنص قانوني فوق الدستور. فالدستور غير الكمالي من شانه ان يمهد الطريق للديمقراطية بشكل كامل، وسيعمل على تعزيز سيادة القانون في تركيا. ومن الصعوبة بمكان تعزيز الديمقراطية دون النظر إلى الدور السلبي الذي مارسته الكمالية في معاداة الديمقراطية في السياسة التركية، إذ لم يتم التخلي عن الكمالية كأيديولوجية يحميها الدستور والقانون، فلن تكون هناك ديمقراطية ليبرالية كاملة في تركيا.
إن تركيا في ظل حكومة العدالة والتنمية شهدت وتشهد عصراً جديداً من التأثير الإقليمي والدولي، لدولة تتجدد شكلاً ومضموناً، وتلك سمة الحكومة أو الحكومات التي تستجيب للنهوض وتسعى للحركة. وما نتيجة الانتخابات يوم الأحد الـقادم الا اختبار حقيقي لها، إما أن تكون على خطى الديمقراطية الحقيقية والحكم الرشيد وتعزيز حقوق الانسان أو تأجيل ذلك.
د.معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية