بعد الزيارة المكوكية اتي أجراها الرئيس العراقي برهم صالح لبلدان الخليج العربي والملكة الأردنية الهاشمية، زار أيضًا إيران ضمن أول جولة خارجية له منذ توليه المنصب مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي. التقى الرئيس العراقي برهم صالح نظيره الإيراني حسن روحاني في طهران، وبحث الطرفان العلاقات الثنائية وآخر المستجدات على الساحة المحلية والإقليمية، وركزا على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. كما التقى أيضَا بعلي خامئني مرشد الثورة الإيرانية.
وحسب متابعين للشأن العراقي تتوقّع أن يكون ملف العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بندا رئيسيا في مباحثات الرئيسين الايراني والعراقي.وتبدي بغداد قلقا من تلك العقوبات التي ستكون لها تبعات اقتصادية في حال الالتزام بها، كما لن تخلو من إشكالات سياسية نظرا للارتباطات القوية بين العراق وإيران، وحرص الطبقة العراقية الحاكمة على الحفاظ عليها. ودعا صالح -في مؤتمر صحفي مشترك مع روحاني- إلى إيجاد منظومة إقليمية للتعاون بين شعوب المنطقة، معبرا عن أمله بأن يتحول العراق إلى ساحة للتلاقي بين دول المنطقة، بدل أن يكون ساحة للصراع. وشدّد برهم صالح “عازمون على تحويل العراق إلى بلد قوي ونأمل الاستفادة من إمكانات إيران من أجل إعمار بلدنا”. وقال ” لعبت إيران دوراً كبيراً في محاربة الإرهاب في العراق”، وأضاف “بعد هزيمة داعش في العراق نقف عند استحقاقين، إعادة الإعمار والاستقرار السياسي، ولا نريد أن تكون بلادنا ساحة للصراع بين القوى المتنافسة”.
وسبق لرئيس جمهورية العراق برهم صالح أن عبر عن ذلك القلق رافضا أن تتحمّل بلاده وزر العقوبات. فقد دعا الرئيس العراقي برهم صالح، الولايات المتحدة إلى مراعاة وضع بلاده السياسي والاقتصادي في وقت يتفاوض فيه البلدان على إعفاء بغداد من العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على إيران. وقال صالح للصحفيين خلال زيارة للكويت: “نحن في حوار مستمر مع واشنطن، وتجب مراعاة خصوصية العراق بشأن العقوبات الإيرانية.. لا نريد أن يكون العراق محملا بوزر العقوبات الأمريكية على طهران”. وأضاف: “نريد الحفاظ على علاقات متوازنة مع جيراننا ومع المجتمع الدولي”. وشدد الرئيس العراقي على أن إيران دولة جارة، وأن مصلحة بلاده تكمن في علاقات جيدة ومستقرة معها، مشيرا إلى أن الشعب العراقي يريد أيضا تعميق العلاقات العربية والخليجية.
ويبدو الرئيس العراقي برهم صالح شديد الاهتمام بالترويج لفكرة تحقيق التوازن في علاقات العراق ببلدان الجوار الإقليمي، فعلى الرغم من أن منصب رئيس الجمهورية العراقية لا يملك أي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الجديد، الذي أقر عقب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، حيث منح رئيس الحكومة مطلق الصلاحية في رسم السياسة الخارجية والداخلية للبلاد، إلا أن الزيارات التي يجريها الرئيس العراقي برهم صالح لدول الجوار، اعتبرها مراقبون محاولة منه لـ”كسر الصورة النمطية السابقة التي سار عليها كل من تولى هذا المنصب منذ عام 2003 وإلى غاية الآن، وهم غازي الياور، ثم جلال الطالباني لولايتين وفؤاد معصوم، في كونهم رؤساء شرفيين غير فاعلين على المستوى الخارجي، وبحضور محدود داخليا، يقتصر على بعض الاحتفالات والمؤتمرات ومراسم التكريم”. ويرى مراقبون للشأن العراقي إن زيارة برهم صالح لدول الجوار مهمة في مثل هذه الظروف، حتى وإن لم تفض إلى شيء، فإنها سترسخ حالة إيجابية في العلاقات العراقية مع تلك الدول.
وتأتي زيارة الرئيس العراقي إلى جواره العربي والإقليمي لتؤكد على قناعاته السياسية الي يؤمن بها وهي: أن العراق يسعى الى بناء أفضل العلاقات مع عمقه العربي والخليجي، والتعاون مع اشقائه في إرساء قواعد حسن الجوار والتكامل الاقتصادي والنهوض الثقافي المشترك، كما تجمع بين العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية روابط علاقات متينة، نطمح الى تنميتها وتقوية أسسها لتكون بدورها مثالاً للتعاون من أجل نماء واستقرار المنطقة، وان علاقات متميزة تربط العراق بتركيا تحمل بدورها آفاقاً مفتوحة للتطور، وهذا ما يعزّز فرص سلام ناجز تستحقه المنطقة وشعوبها. إنه سلام لن يظلّ مجردَ وعدٍ لعموم المنطقة، إذا ما تحقق الاستقرار الأمني التام في العراق الديموقراطي الاتحادي، وفي سورية، بتفاهم وطني مخلص بين الأشقاء السوريين، وبما يصون سلام سورية وأمن شعبها، وفي اليمن، بما ينهي معاناة شعبها ويرسي عوامل سلامها وحقوق مواطنيها.
لن يبقى السلام مجرد حلم إذا ما نجحنا معاً، وعبر التعاون الاقليمي والدولي، في خلق أجواء حوار إيجابي بنّاء يطفئ النار الكامنة تحت رماد الاختلافات، ونعمل في العراق، على أن يكون الدور العراقي الناهض عاملاً مساعداً في كل هذا وحيثما طُلب منه دورٌ إيجابي، مستندين الى حقيقة ان منطقتنا يمكن ان تحقق بالسلام والتعاون انجازات لشعوبنا أكثر بكثير مما قد تحققه الاختلافات.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية