أحدث مفارقات الوهم لدى النظام السوري، أن حكومته واثقة ومطمئنة إلى قدرة الجيش السوري على فرض الأمن في أنحاء البلاد بعد نحو أربع سنوات ونصف سنة من الصراع.
وآخر مفارقات البروباغندا الروسية أن موسكو تتمنى تشغيل الأميركيين لحسابها، فيُرسلون طائرات لتكثيف القصف على «داعش»، لئلا يقترب أكثر من آسيا الوسطى. أليس في الأمر تكرار للتضليل الإيراني الذي يتّهم واشنطن بالتواطؤ مع تنظيم «داعش»، ثم يوعز إلى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بطلب تفعيل دور التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة؟
لواشنطن حصة أيضاً في حفلة التراشق بالاتهامات، فهي تكرّر أنها واثقة من أن نظام الرئيس بشار الأسد يساعد «داعش»، لكنها لا ترمي قوات النظام بحجر! طهران تتّهم أميركا بترك العراق لقمة سائغة لـ «داعش»، وبغداد تتهم التحالف الدولي بالتقصير، وواشنطن وباريس تتهمان حكومة العبادي بالامتناع عن وعدها إطلاق قطار المصالحة بين العراقيين، سنّة وشيعة، ومعالجة أزمة تهميش السنّة التي تسلّل منها «الجهاديون» والتنظيم الذي ما زال لغزاً غامضاً، فيما السؤال هو: مَنْ يشغّل «داعش»، ولماذا تعجز عشرون دولة في التحالف عن تحطيمه في سورية والعراق؟
كان واضحاً في مؤتمر باريس، قلق التحالف من قدرة التنظيم على ابتلاع مزيد من المساحات السورية والعراقية، وقلقه خصوصاً من تشغيل بغداد «حشداً شعبياً»، ما إن يحرر بلدة أو مدينة في المناطق السنّية العراقية حتى تنطلق آلة التنكيل بسكّانها وهدم بيوتهم، وتشريدهم.
والحال أن تأييد التحالف مشاركة «الحشد» في القتال لاستعادة مناطق يحتلها «داعش»، كما يوحي بيان مؤتمر باريس، جاء ملتبساً من دون اشتراط واضح، بمنع استهداف المدنيين، أو اضطهادهم ومعاقبتهم كأنهم عملاء لـ «داعش». وهل يثق التحالف فعلاً بحكومة يُمنع مواطنوها المهجّرون والمشرّدون من دخول بغداد، فقط لكونهم من السنّة؟
عودة إلى مسلسل الاتهامات حول الانتكاسة في الحرب على «داعش»، يقول العبادي إن المشكلة دولية، ويردّ التحالف بأن المشكلة عراقية أولاً، فلا مصالحة حقّقها العبادي، ولا دفاعه عن «الحشد الشعبي» يهدّئ مخاوف عشائر الأنبار من تكرار مآسي الانتقام.
بين العراقيين اليوم، كثيرون- ربما بالملايين- محاصرون بين رعب «داعش» وبطشه، وبين جور ميليشيات شيعية، بها وحدها يثق قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، ولها فقط ترسل طهران الصواريخ.
نكبة ونكبات في سورية، وأخرى في العراق. تدعم إيران ميليشيات ذات لون مذهبي، فيما يعد رئيسها «المعتدل» حسن روحاني بالدفاع عن الأسد حتى النهاية. يفاوض «الشيطان الأكبر» في الملف النووي ويتمنى التطبيع معه، لكنه يحارب حتى النهاية مَنْ يقاتل نظام الأسد… ولو سقط مليون سوري في الحرب الوحشية.
يريد الكرملين من البيت الأبيض أن ينسّق مع جهود نظام الأسد ورُعاته الإيرانيين، ليس فقط لضمان بقائه، بل لحماية أمن روسيا من تمدُّد طموحات «أبو بكر البغدادي»… وفيما يشيع الأميركي تفاؤلاً بالحوار مع موسكو، يكرّر أن الأسد لن يكون جزءاً من الحل. بالتالي أي تقارب بين روسيا والولايات المتحدة يلغي الأضداد؟ وحين تروّج طهران لمفاجآت ميدانية في سورية قريباً، هل تتحقق بمجرد قيادة سليماني معركة كبرى لاستعادة إدلب؟
خيار العراقيين بين المرّ والأمرّ، خيار السوريين بين المجازر المتنقلة والقتل الأعمى الذي ما زال الرئيس باراك أوباما عاجزاً عن رؤيته، بعدما نصح العرب باقتلاع شوكهم بأيديهم. وبين البراميل المتفجّرة والصواريخ الإيرانية وغبار «داعش» وبطشه، تتفرّج طهران وتصفّق ويثير دهشتها عدم تورُّط الأميركي بعد، على الأرض.
«الشيطان الأكبر» مطلوب للأسواق الإيرانية بعد التطبيع، «الشيطان الأكبر» مطلوب بإلحاح، لتدمير مزيد من العواصم العربية، ولو سقط أبرياء كثيرون. الأميركي يقصف من الجو، إيران تتحرك على الأرض لتشغيل أنظمة عربية لحسابها، ولو أفنت مئات الآلاف، في سورية والعراق… «داعش» فرصة ذهبية، ووحده يوحّد مصالح طهران وموسكو وواشنطن ونظام الأسد، على رقاب الجميع.
الحرب الكونيّة في العالم العربي مديدة، والتحالف لم يبدّل تشاؤمه. هو يبرِّر بذلك فصولاً أكثر سواداً، وأشدّ مرارة
زهير قصيباتي
صحيفة الحياة