تمضي رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي قدما في اتفاقية خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي في ربيع 2019، فيما لا تزال صيحات الاستنكار تتردد عاليا، ملوحة لرئيسة الوزراء بأخطاء من سبقها إلى 10 داونينغ ستريت، محذرة من تحويل بريكست إلى كارثة أخرى على غرار كارثة توني بلير مع حرب العراق.
يقول أندري أدونيس، في تقرير بصحيفة الإندبندنت، “قبل 15 عاما، تجاهلنا تحذيرات تشارلز كينيدي من حرب العراق، واليوم، تنطبق هذه التحذيرات مباشرة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.انعكس هذا الموقف من خلال أراء كتاب وصحافيين وسياسيين ومسؤولين في الحكومة البريطانية، اعتبروا أن ماي تسير في ذات الطريق الذي سار فيه بلير، وتكرر نفس القصة، لكن بشكل أكثر خطورة لأنه يمس بريطانيا في عمقها التاريخي السياسي والاقتصادي وبعدها الأوروبي، والبريطانيون والعالم لا يتحملان 15 سنة أخرى كي يروا فشل خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويضيف أدونيس “كان تشارلز كينيدي، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني السابق (1959 – 2015)، محقا بشأن حرب العراق. وبعد مرور 15 سنة، وفي ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يحتاج البريطانيون إلى استيعاب التجارب الماضية”؛ وهي رؤية يؤيدها ديفيد ديفيس، وزير البريكست السابق، الذي حذّر من احتمال أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى حدوث كارثة على غرار حرب العراق.
يستعيد البريطانيون اليوم تحذيرات كينيدي وهو يتحدث عن حجم القلق العام في بريطانيا والذي كان أكبر بكثير من النظام السياسي.
وقال في إحدى جلسات البرلمان “هناك حالة من القلق العام تنتشر في بريطانيا”، وهو وضع مشابه لحالة اليوم حيث يمكن رصد حالة ذهول وعدم استيعاب لكل حيثيات البريكست منذ إعلان نتائج الاستفتاء في يونيو 2016.
يتفق مع ما سبق، جيريمي غرينستوك، السفير البريطاني السابق لدى الأمم المتحدة، حيث قال في تصريحات صحافية “أعتقد أن مشكلة حرب العراق مرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويمكن تتبع هذا الارتباط منذ الاحتجاجات على حرب العراق في عام 2003 إلى التصويت في استفتاء يونيو 2016 لمغادرة الاتحاد الأوروبي. يبدو أن السياسيين الذين يمسكون بزمام السلطة لا يأخذون وجهات نظرنا بعين الاعتبار”.
وكتب غاري يوجي، في الغارديان، “لا يمكننا أن نهرب، وأينما ذهبنا، سيتبعنا هذا الماضي المظلم. فكرة حرب العراق كانت أكبر خطأ في السياسة الخارجية ارتكبه جيل أو أكثر، حيث كانت أغلبية الطبقة السياسية وطبقة الإعلام متواطئتين بالكامل”.
ويذهب أدونيس إلى استحضار تاريخ أبعد، ليقارن السياسات البريطانية، وهو حرب فيتنام التي سجلت فيها بريطانيا موقفا حين استطاع رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، هارولد ويلسون، أن يبقي بلاده خارج حرب فيتنام، رغم الضغوط الهائلة التي تعرض لها من جانب الرئيس الأميركي، ليندون جونسون، في حين قرر توني بلير جعل العراق مشروعا مشتركا مع الرئيس الأميركي آنذاك، جورج دبليو بوش.
قبل خمسة عشر عاما، اعتقد توني بلير أن احتلال العراق سيعطيه مجدا سياسيا معادلا لما حققته حرب فوكلاند لمارغريت تاتشر، لكن تبين أنه سقط في فخ الرئيس الأميركي جورج بوش الابن.
بحث بلير عن ذلك “المجد”، أبعده عن حقيقة أن الأوضاع مختلفة جذريا بين حالة حرب العراق وحرب جزر فوكلاند. ويعبر أدونيس عن ذلك بقوله “في جزر فوكلاند تم غزونا أما في العراق كنّا نحن الغزاة”، ولم تحقق بريطانيا شيئا يذكر في العراق، سوى الفضيحة وخسارة مالية وبشرية.
اليوم، يتكرر التلاعب بالحقائق وتضليل الجمهور وإنتاج ملفات مليئة بالأكاذيب وتجاهل الأصوات الحكيمة لتحذيرات الاقتصاديين والمتخصصين، مع ذلك لا يبدو أن تيريزا ماي، التي تواجه ضغطا داخليا، بصدد استيعاب هذه الأخطاء. وعلى ضوء ذلك، اعتبر ديفيد ديفيس أنه يمكن إدانة رئيسة الوزراء برفض الإفصاح عن خططها للبريكست.
وقارن ديفيس بين مقترحات تيريزا ماي والملف المضلل لإثارة التحذيرات القانونية ضد حرب العراق. وكتب في صحيفة صنداي تايمز أن سمعة بلير “لم تسترد مصداقيتها أبدا”.
وأضاف “لقد حان الوقت لنشر النصيحة القانونية التي تلقاها مجلس الوزراء. لقد أخطأ بلير لأنه تملص وراوغ، وانظروا كيف ينظر إليه التاريخ الآن. وأشجع رئيسة الوزراء على وأن تعلن عن النصيحة القانونية، وإذا لم تفعل ذلك، فيجب على الحكومة أن تمارس سلطتها لإرغامها على القيام بذلك”.
أثبت التاريخ أن تشارلز كينيدي، ومن حذا حذوه، كانوا على حق في تحذيراتهم. واليوم، رغم أن بريكست لا يعتبر حربا في مضمونه، لكن، مثل المشاركة في غزو العراق، يعدّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خطأ غير مبرر وخطأ استراتيجيا هائلا يهدد مصداقية بريطانيا وسلطتها في العالم.
ومثل العراق، تم الاتفاق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بإجماع من الحكومة، ولا يمكن الرجوع الآن عن هذا القرار الخاطئ. ومثله مثل العراق أيضا، يرى أدونيس أن البريكست أخرج أسوأ ما في الصحافة البريطانية التي عادت إلى لغة “التخوين” المتصدرة الأولى للصحف، من قبل الشعوبيين من أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي.
العرب