قمة العشرين تنعقد وسط أجواء متوترة تثيرها سياسة ترامب

قمة العشرين تنعقد وسط أجواء متوترة تثيرها سياسة ترامب

بوينوس ايرس- يفتتح قادة دول مجموعة العشرين الجمعة قمة تستمر يومين في الأرجنتين التي تشهد أزمة اقتصادية، تخيم عليها توترات جديدة بشأن أوكرانيا وتزايد الانقسامات بسبب سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن التجارة والتغير المناخي.

وأعلن ترامب الخميس إلغاء لقاء كان مقرّرا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة على خلفية التوتر المتجدد بين روسيا وأوكرانيا.

وقبيل انطلاق أعمال القمة، سيبدأ شعار ترامب “أميركا أولا” في جني ثماره مع التوقيع على النسخة المعدلة من اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية (نافتا).

وتبدو الاتفاقية المعدلة التي أطلق عليها اسم اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا (اوسمكا) إلى حد كبير شبيهة بالاتفاقية السابقة. لكن تم إدخال تعديلات عليها تسمح لترامب بإعلان النصر باسم العمال الأميركيين الذين يقول إن “نافتا” خدعتهم.

ولكن قد لا تكون الاتفاقية الجديدة الحدث الكبير، فالتوقيع عليها سيكون من جانب المفاوضين التجاريين الكبار من الدول الثلاث وليس من جانب الرؤساء المشاركين في قمة العشرين.

وبعد فرض رسوم عقابية على سلع صينية والتهديد بفرض المزيد في يناير، يصوب ترامب أيضا على الصين فيما يستعد للاجتماع برئيسها شي جينبينغ على هامش قمة مجموعة العشرين.

وبعد التوقيع على اتفاقية “اوسمكا” وافتتاح الرئيس الأرجنتيني ماوريتسيو ماكري اليوم الأول من القمة، يتوقع أن تخرج تظاهرة حاشدة في وسط بوينوس آيرس بعد ظهر الجمعة.

وترزح الأرجنتين تحت وطأة تضخم وبطالة بسبب أزمة اقتصادية حصلت في أعقابها من صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذ لا تحظى بتأييد شعبي.

وقال الحلاق آريل فييغاس خلال تظاهرة أمام مبنى الكونغرس الأرجنتيني “هناك الكثيرون الذين ليس لديهم بيوت أو عمل. إنهم (قادة مجموعة العشرين) لا يركّزون على الناس الذين لديهم احتياجات”.

وتوعدت الحكومة بعدم التساهل مع أعمال العنف خلال استضافتها أكبر تجمع دولي، وتقول إنها حصلت على وعود من منظمي التظاهرات بالحفاظ على الهدوء في الشارع.

الصين تحض على تنازلات
وسيتخلل قمة مجموعة العشرين عدد من المبادرات الدبلوماسية واللقاءات الثنائية بين القادة. وتجري الولايات المتحدة محادثات مع شي جنيببنغ السبت لمزيد من الضغط على الصين. وفرض ترامب رسوما على ما قيمته 250 مليار دولار من السلع الصينية المستوردة.

وقالت صحيفة “تشاينا ديلي” الحكومية الجمعة إن الجانبين يمكن أن يتوصلا الى اتفاق في بوينوس آيرس، لكنها حذرت الولايات المتحدة من مغبة زيادة الضغط بشأن التكنولوجيا، وسط اتهامات أميركية لبكين بسرقة الملكية الفكرية

لقاء سعودي هندي يستبق القمة
والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برئيس وزراء الهند ناريندرا مودي وأطلعه على خطط لزيادة الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والزراعة والطاقة في الهند.

وجرى اللقاء بين الأمير محمد ومودي في مقر إقامة ولي العهد السعودي بمدينة بوينس أيرس في الأرجنتين على هامش قمة مجموعة العشرين، وبحث الزعيمان استعداد السعودية لإمداد الهند بالمنتجات النفطية والبترولية.

وأبلغ ولي العهد رئيس وزراء الهند بأنه سيضع قريبا اللمسات الأخيرة على استثمار أولي في الصندوق الوطني الهندي للاستثمار والبنية التحتية، وهو صندوق ثروة شبه سيادي، للمساعدة في تسريع وتيرة بناء الموانئ والطرق السريعة وغيرها من المشروعات.

واستعرض وزير الخارجية الهندي فيجاي جوكلي الذي يرافق مودي في الأرجنتين مجريات اللقاء قائلا “أشار ولي العهد أيضا إلى مشروعات استثمار مستقبلية في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة والزراعة”.

ويسعى مودي منذ توليه السلطة عام 2014 على رأس حكومة قومية هندوسية لتعزيز الروابط مع السعودية وبلدان إسلامية أخرى لقطع الطريق أمام باكستان ولتقديم الاقتصاد الهندي سريع النمو في صورة جاذبة للاستثمار.

استقرار النفط
والاجتماع مع الأمير محمد هو الأول ضمن سلسلة اجتماعات “ثنائية” يعقدها مودي على هامش قمة مجموعة العشرين وسيعقبه اجتماعان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ.

وقال جوكلي “نتوقع أن يكون هناك تعزيز كبير للاستثمارات السعودية في الهند خلال عامين إلى ثلاثة أعوام”. وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الزعيمين ناقشا أيضا التعاون في مجال الصناعات العسكرية وجهود السعودية لتوطين الصناعات العسكرية.

وأشار جوكلي إلى أن مودي أكد أهمية استقرار أسعار الطاقة كما ناقش الزعيمان السبل التي يمكن من خلالها للسعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، المساعدة في استقرار الأسعار لا سيما للهند.

وظلت الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، تعاني معضلة ارتفاع الأسعار وتداعي عملتها مما يجعل استيراد النفط المقوم بالدولار أعلى سعرا إلى أن انخفضت أسعار النفط في الآونة الأخيرة.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن ولي العهد بحث مع مودي أيضا استثمار شركة النفط الحكومية العملاقة أرامكو في قطاعي التكرير والتخزين بالهند، بما في ذلك مشروع الشركة لإنشاء مصفاة ضخمة على الساحل الغربي للهند.

وناقش الزعيمان أيضا الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية من خلال صندوق (رؤية سوفت بانك) المدعوم من السعودية كما بحثا فرص تصدير المنتجات السعودية غير النفطية إلى الهند.
ومن المشاركين أيضا في القمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي.

وستكون المستشارة الألمانية انغيلا ميركل من بين القادة الذين سيلتقون ترامب الجمعة. لكنها لن تحضر الافتتاح بعد أن أجبرت طائرتها على القيام بهبوط اضطراري في كولونيا بسبب مشكلة فنية.

وأقلعت طائرة تابعة لشركة الطيران الإسبانية “ايبيريا” تقل ميركل من مدريد التي قصدتها من كولونيا، الجمعة متوجهة إلى بوينوس آيرس.

وقد يعقد غيابها المؤقت محاولات ماكرون بناء جبهة أوروبية ضد ترامب في اجتماع صباح الجمعة لقادة الاتحاد الأوروبي المشاركين في القمة.

توتر بشأن أوكرانيا
وألغى ترامب الخميس لقاءه المقرّر مع نظيره الروسي بسبب توقيف خفر السواحل الروس سفنا وبحارة أوكرانيين.

وكتب ترامب على حسابه على “تويتر”، “استناداً إلى واقع أنّ السفن والبحارة لم يعودوا الى أوكرانيا من روسيا، فقد قرّرت أنّه سيكون من الأفضل لكل الأطراف المعنية أن ألغي اجتماعي الذي كان مقرّراً سابقاً في الأرجنتين مع الرئيس فلاديمير بوتين”. وأضاف “أنا أتطلّع لقمّة مفيدة مجدداً حين يتمّ حلّ هذا الوضع!”.

وأسف الكرملين لقرار ترامب وقال الناطق باسمه “هذا يعني أن المحادثات حول قضايا دولية وثنائية خطيرة ستؤجل إلى ما لا نهاية”، مؤكدا أن الرئيس الروسي لا يزال “مستعدا لإجراء اتصالات مع نظيره الأميركي”.
خلاف حول المناخ
وتشكل قضايا الالتزام للتخفيف من تداعيات التغير المناخي نقطة خلاف أخرى. وانتقد ماكرون الخميس الذين يرغبون في مواجهة التحديات الاقتصادية بـ”بخطابات نارية والانعزال وإغلاق الحدود”.

وحذر من أن فرنسا قد ترفض المضي قدما في اتفاق تجارة مع مجموعة “مركورسور” الأميركية الجنوبية في حال انسحب الرئيس البرازيلي اليميني المتطرف جاير بولسونارو من اتفاق باريس للمناخ.

وأعلن ترامب قبل أشهر انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ. وذكرت مصادر في مجموعة العشرين أن التغير المناخي يكاد يصبح أكبر عقبة أمام اتفاق حول صدور بيان مشترك في بوينوس آيرس عندما تختتم القمة السبت.

وانتهت قمتان كبيرتان هذا العام لمجموعة الدول السبع ومنتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا-المحيط الهادئ، من دون صدور البيانات الروتينية، بسبب خلاف بين ترامب ومضيفه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بالنسبة الى قمة مجموعة السبع.

وقال المفاوض الكندي السابق توماس بيرنس من مركز أبحاث حول الحوكمة الدولية يتخذ من أونتاريو مقرا “هل سنحصل على بيان؟ إنه فعلا سؤال مفتوح”.

وتضم مجموعة العشرين التي تمثل منتدى للتعاون الاقتصادي والمالي بين الدول المتقدمة وكبرى الاقتصادات النامية والناشئة في العالم ،الاتحاد الاوروبي، والارجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وروسيا، والسعودية، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وتركيا، وبريطانيا، و الولايات المتحدة.

ويشارك في قمة المجموعة العديد من المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، ومجلس الاستقرار المالي، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، ومنظمة العمل الدولية، والأمم المتحدة. ويحق لزعماء الدول المشاركة في القمة دعوة زعماء من خارج مجموعة العشرين.

العرب