مصلحة روسية في عودة القصف الإسرائيلي على سوريا

مصلحة روسية في عودة القصف الإسرائيلي على سوريا

دمشق – جددت إسرائيل قصفها لمواقع داخل سوريا بعد توقف دام لأسابيع على خلفية الأزمة التي نشبت بينها وروسيا بسبب إسقاط طائرة روسية من طراز “إيل 20” أثناء تحليقها فوق البحر المتوسط في 17 سبتمبر الماضي حيث حملت موسكو مسؤوليته آنذاك لتل أبيب.

ويرى محللون أن تجدد القصف الإسرائيلي قد يكون مؤشرا على عودة التنسيق بين موسكو وتل أبيب في الأجواء السورية، بعد حديث عن خلافات بين الجانبين بسبب طلب روسيا إجراء تعديلات على بنود اتفاق التنسيق الذي تم التوصل إليه إثر تدخل موسكو المباشر في الأزمة السورية في العام 2015.

وتتعزز فرضية عودة التنسيق بين الطرفين بعد أن ثبت أن الجيش السوري لم يستعمل منظومة “آس 300” المتطورة التي أمدته بها موسكو بعد أيام من إسقاط طائرة “إيل 20”، واستخدم الجيش في تصديه الأخير للطائرات “المعادية” على ترسانته التقليدية.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الجيش الإسرائيلي قصف مساء الخميس أهدافاً في ريف دمشق وأخرى في جنوب سوريا، مشيرا إلى أن هذه الأهداف تتمثل في مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله وإيران.

ولم يذكر الإعلام الرسمي السوري حتى الآن إسرائيل، لكنه اكتفى بوصف الهجوم الذي استمر نحو ساعة كاملة، بـ“المعادي”، مؤكدا إفشاله.

وأوضح مدير المرصد رامي عبدالرحمن أنّ القوات الإسرائيلية استهدفت “مستودعات أسلحة لحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية” في الكسوة في القطاع الجنوبي لريف دمشق، تُستخدم، على حد قوله، “لتخزين الصواريخ بشكل مؤقت”. وأضاف “يبدو أن الإسرائيليين كانت لديهم معلومات استخباراتية بأن أسلحة وصلت حديثاً إلى تلك المستودعات”. كما استهدف القصف منطقة حرفا “على الحدود الإدارية مع ريف القنيطرة” في جنوب البلاد، قال المرصد إن فيها قاعدة عسكرية للجيش السوري.

وأشار عبدالرحمن إلى أن “الدفاعات الجوية السورية شوهدت تطلق صواريخها بكثافة” في سماء المنطقة. وتمكنت الدفاعات الجوية السورية من إسقاط صواريخ عدة لم تصل إلى أهدافها، وفق المرصد.

وكانت وسائل الإعلام السورية قد أشارت إلى أن الدفاعات الجوية نجحت في إسقاط طائرة إسرائيلية، بيد أن إسرائيل ومصادر روسية نفتا الأمر.

الجيش السوري لم يستعمل منظومة “آس 300” التي أمدته بها موسكو واقتصر في صد الهجوم على ترسانته التقليدية

وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أنه لم تُصب أي طائرة من طائراته أو أي هدف من “أهدافه الجوية”، من دون أن يعلق بالنفي أو الإيجاب على استهدافه مواقع في سوريا.

ولم تسفر الضربات، وفق تقارير أولية للمرصد السوري، عن أي خسائر بشرية.

ومنذ بدء النزاع في سوريا في 2011، قصفت إسرائيل مرارا أهدافاً عسكرية للجيش السوري أو أخرى لحزب الله ولمقاتلين إيرانيين في سوريا. ونادراً ما تعلق إسرائيل على استهدافها سوريا، إلا أنها كانت أعلنت في سبتمبر أنها شنت مئتي غارة في سوريا خلال 18 شهرا ضد أهداف غالبيتها إيرانية.

واستهدف قصف إسرائيلي في مايو الماضي مستودع أسلحة للحرس الثوري في منطقة الكسوة، وفق ما قالت إسرائيل. كما استهدفت في ديسمبر 2017 مواقع عسكرية في المنطقة، بينها مستودع أسلحة.

ومساء الخميس كانت المرة الأولى التي تطلق فيها الدفاعات الجوية السورية نيرانها على أهداف جوية منذ 17 سبتمبر حين أسقطت هذه الدفاعات عن طريق الخطأ طائرة عسكرية روسية إثر غارة إسرائيلية، في حادث أدّى إلى مقتل 15 عسكريا روسيّا.

ويومها اتّهم الجيش الروسي الطيّارين الإسرائيليين باستخدام الطائرة الروسية غطاء للإفلات من نيران الدفاعات السورية، لكن إسرائيل نفت ذلك، مؤكدة أن الطائرة الروسية أصيبت بعد عودة طائراتها إلى الأجواء الإسرائيلية.

وأعلنت روسيا بعدها عن تدابير أمنية تهدف إلى حماية جيشها في سوريا بينها تعزيز الدفاعات الجوية السورية عبر نشر بطاريات صواريخ آس 300 وتشويش اتصالات الطائرات القريبة منها.

وصرحت موسكو في أكتوبر بأنها سلمت هذه المنظومة إلى سوريا. واعتبرت دمشق آنذاك أن تلك المنظومة ستجبر إسرائيل على القيام بـ“حسابات دقيقة” قبل تنفيذ ضربات جديدة ضد البلاد.

وتكرّر إسرائيل أنها ستواصل تصديها لما وصفه رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وإرسال أسلحة متطوّرة إلى حزب الله اللبناني.

ويرى مراقبون أن استهداف إسرائيل مواقعَ تابعة لإيران وميليشياتها هو في جانب منه يصب في صالح موسكو التي رغم تحالفها مع طهران في سوريا، بات هذا التحالف يشكل عبئا ثقيلا عليها لإحداث اختراق نوعي في جدار الأزمة.

وتعتبر الولايات المتحدة أن أحد أهم مفاتيح حل الأزمة السورية هو خروج إيران وأذرعها من هذا البلد. وجرت على مدار الأشهر الماضية نقاشات بين مسؤولين روس وأميركيين حول سبل إخراج إيران من الساحة، وقد طرحت موسكو مقايضة تقوم على استجابة طهران لطلب واشنطن، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، الأمر الذي رفضته إدارة الرئيس دونالد ترامب.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في جلسة مغلقة للجنة الشؤون الخارجية والأمنية في الكنيست في أكتوبر أن روسيا وحدها لا تملك القدرة على إخراج إيران من سوريا، جاء ذلك بعد أيام قليلة من لقائه في باريس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش الاحتفال بذكرى مرور 100 عام على الحرب العالمية الأولى، والذي ربما منحه الضوء الأخضر لاستئناف نشاط إسرائيل في سوريا.

العرب