إقليم كردستان العراق وهو يحاول التخلّص من تبعات الاستفتاء الفاشل على الاستقلال، يقوم بعملية مزدوجة تتمثّل بإعادة ترميم العلاقة مع بغداد، وترتيب أوضاع السلطة داخليا ونقلها تدريجيا إلى جيل شاب، وكلتا المهمّتين لا تسلمان من عوائق أبرزها الخلافات العميقة بين كبار الفاعلين السياسيين في الإقليم.
أربيل (العراق) – رشّح الحزب الديمقراطي الكردستاني نيجيرفان البارزاني ليخلف عمّه مسعود في رئاسة إقليم كردستان العراق، فيما رشّح مسرور البارزاني نجل الرئيس السابق لرئاسة حكومة الإقليم.
ويكرّس الترشيحان، هيمنة آل البارزاني على مقاليد الحكم في الإقليم الذي يزداد انقساما وتزداد الهوّة اتساعا بين أطرافه السياسية، وخصوصا بين أكبر حزبين؛ الديمقراطي بقيادة مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة جلال الطالباني، إضافة إلى بروز معارضة سياسية ممثلة على وجه الخصوص بحركة التغيير التي فرضت نفسها كطرف مهمّ في المعادلة السياسية، إضافة إلى حركة الجيل الجديد الناشئة.
وكان لافتا الشروع في ترتيب شؤون السلطة في الإقليم مباشرة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها مسعود البارزاني إلى بغداد والنجف، حيث التقى كبار قادة العملية السياسية العراقية من مختلف الأطياف، وقد يكون حصل على دعمهم لعملية نقل السلطة إلى جيل شاب لا يتحمّل بشكل مباشر مسؤولية الخلافات التي تصاعدت بين بغداد وأربيل بعد الاستفتاء على استقلال الإقليم الذي أجري في السنة الماضية.
وداخليا يخوض الفرقاء السياسيون الأكراد العراقيون صراعا مزدوجا على المناصب، حيث يسعى كلّ منهم للفوز بحصّة في الحكومة الاتحادية وأخرى في حكومة الإقليم.
وسجّل الاتحاد الوطني انتصارا نوعيا على الحزب الديمقراطي بحصوله على منصب رئيس الجمهورية العراقية ممثّلا ببرهم صالح الذي عاد إلى حزبه الأم بعد انشقاقه عنه لعدّة أشهر، فيما يتواصل الصراع بين الحزبين على حقيبة العدل في حكومة عادل عبدالمهدي التي لا تزال منقوصة من ثماني وزارات.
وقال المتحدّث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، محمود محمد، في مؤتمر صحافي عقده، الاثنين، في بيرمام قرب أربيل، عقب اجتماع لقيادة الحزب بحضور رئيسه مسعود البارزاني إنّه “تقرر خلال الاجتماع تسمية كل من مسرور البارزاني مرشحا لرئاسة الحكومة ونيجيرفان البارزاني مرشحا لرئاسة الإقليم، عندما يتم تفعيل المنصب مجددا”.
ويشغل مسرور حاليا منصب مستشار لمجلس أمن الإقليم، وهو عضو المكتب السياسي للحزب، بينما يتولى نيجيرفان، منصب رئاسة الحكومة طيلة السنوات الماضية، بالإضافة إلى أنه النائب الأول لرئيس الحزب.
ولفت محمّد إلى أنّ “قيادة الحزب قررت تشكيل لجنة ستبدأ بالمباحثات خلال الأيام المقبلة مع الأطراف والجهات السياسية في الإقليم، لتشكيل الحكومة الجديدة”.
وتصدّر الحزب الديمقراطي، الانتخابات التشريعية التي جرت في الإقليم أواخر سبتمبر الماضي، بحصوله على إجمالي 45 مقعدا برلمانيا من أصل 111 من المقاعد.
ولتشكيل أي حكومة جديدة في الإقليم، فإنها بحاجة للحصول على أغلبية النصف زائد واحدا من إجمالي مقاعد البرلمان وهو ما يعني تصويت 56 نائبا، الأمر الذي لن يجد الحزب الديمقراطي صعوبة في الوصول إليه عبر تحالفه مع كيانات سياسية صغيرة دأبت على الاجتماع حوله.
العملية السياسية في كردستان تحمل أمراض العملية السياسية في العراق من فساد ومحاصصة وصراع على المناصب
وللقبض على سلطة تنفيذية فاعلة سيتعيّن على حزب البارزاني البدء في تفعيل منصب رئاسة الإقليم وإعادة صلاحياته إليه بعد أن كان مسعود البارزاني قد نقلها عن طريق البرلمان إلى رئاسة حكومة الإقليم قبل تنحّيه العام الماضي عن الرئاسة إثر الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق الذي أصرّ البارزاني على تنظيمه لكنّ بغداد تصدّت له بقوّة بالتعاون مع أنقرة وطهران المعنيتين بدورهما بالمسألة الكردية في المنطقة.
وأشار عضو قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، سيروان البارزاني إلى أن إعادة السلطات إلى الرئيس عبر البرلمان تتطلب إجراء استفتاء دستوري.
ونقلت عنه شبكة “روداو” الإعلامية قوله “حتى لو لم تتمكن الحكومة الجديدة من إجراء الاستفتاء الدستوري في أول سنة عمل لها، فيجب أن تنجز ذلك خلال عامها الثاني، وأن تحسم جميع القضايا من قبل الشعب وليس من بعض الأحزاب أو الأطراف”.
وكانت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في أواخر سبتمبر الماضي في إقليم كردستان العراق، قد حملت تعويضا جزئيا لآل البارزاني عن الخسائر السياسية التي لحقت بهم بفعل الاستفتاء حول استقلال الإقليم عن الدولة العراقية.
وتحمل العملية السياسية في إقليم كردستان العراق الكثير من “أمراض” العملية السياسية “الأم” في العراق، حيث تخضع للمحاصصة وتفتح الباب للصراع على المناصب ولتسرّب الفساد إلى مفاصل السلطة.
وبفعل تصاعد الخلافات مع الشريك السياسي الأكبر يبدي الحزب الديمقراطي الكردستاني ميلا لتغيير معادلة الشراكة في قيادة إقليم وتوزيع السلطة على أساس الانتخابات الأخيرة وليس على أساس التوافقات المعتمدة سابقا.
ويذهب ساسة أكراد عراقيون إلى التحذير من أنّ استمرار الخلافات بين أربيل، معقل آل البارزاني، والسليمانية معقل آل الطالباني، قد يفضي بالمحافظتين إلى وضع أقرب إلى استقلال كل منهما على الأخرى.
ولا يزال كبار قادة حزب البارزاني يلقون باللائمة على حزب ورثة الطالباني في إفشال الاستفتاء على الاستقلال والتواطؤ مع حكومة بغداد المركزية في سحب قوّات البيشمركة الكردية من كركوك، المحافظة الأهم ضمن المناطق المتنازع عليها.
وخلال الذكرى السنوية الأولى لفشل استفتاء الاستقلال حمل مسرور البارزاني المرشّح الحالي لمنصب رئيس حكومة الإقليم على قادة الاتحاد الوطني داعيا أكراد العراق لعدم نسيان ما سمّاه بـ“المؤامرة وأكبر خيانة لحق تقرير المصير”، معتبرا أنّ “الأحداث (طرد البيشمركة من كركوك) كشفت الوجه الحقيقي لخونة الأرض والوطن وأظهرت الفرق بين الخائنين والوطنيين ودعاة السلم”.
وتصنّف دوائر سياسية كردية مسرور البارزاني “كأحد صقور الحزب الديمقراطي”، متوقّعة أن يثير ترشيحه لرئاسة حكومة الإقليم المزيد من الخلافات مع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني الذين قد يفضّلون العمل مع نيجيرفان البارزاني الذي استطاع خلال رئاسته للحكومة التعايش بقدر كبير من التوافق مع نائبه قوباد الطالباني.
العرب