رغم كل المعاناة اليومية التى تواجه شعب الجبارين، والحصار المنظم برًا وبحرًا وجوًا، ورغم القتل والتدمير الصهيونى لأهلنا فى غزة، فكل يوم نزف شهداء إلى الجنة، فإن شعب فلسطين والشعب العربى فى غزة صامد صمود الجبال، كما قال أبو عمار يومًا ما: «يا جبل ما يهزك ريح» والجبل هو الشعب الفلسطيني، والريح هى ذاك الكيان الصهيونى المسمى بـ إسرائيل، الذى يمارس العدوان اليومى دون رادع من العالم أو الإقليم. فقد قامت إسرائيل مؤخرًا بالعدوان كعادتها على قطاع غزة، لتقتل وتدمر وتخرب وتزيد شعب غزة معاناة، وتصرفت على النحو الذى تمارس به الغرور والفجور وكأنها تلعب من طرف واحد ضامنة الفوز على خصم غير موجود نهائيًا فى إدراكها، وساعدها فى ذلك غطاء استعمارى أمريكى وغطاء إقليمى متداخل الهويات!!.
إلا أن ذلك الكيان الصهيوني، فوجئ بما لا يشتهي، بالمقاومة المتجددة من أبناء القطاع ضد المستوطنات الصهيونية، حيث أطلقت أكثر من (500) صاروخ أصاب البشر والحجر والمستعمرات، وأثار الفزع وأطلقت صفارات الإنذار وفتحت الخنادق والأنفاق للاختباء فيها واكتشفوا عدم جاهزيتها، لأنهم أدركوا أنهم أصبحوا فى مأمن بعد التطورات الأخيرة , إلا أن إسرائيل فى عهد نيتانياهو الآن، صرخت وللمرة الأولى، وطالبت بوقف النار، ووسطت دولاً فى الإقليم على مقربة ومبعدة، من أجل وقف حالة الذعر التى أصابتها من المفاجأة غير المتصورة، وبطبيعة الحال إلى حين إعادة الدراسة وإعادة الهيكلة للنظر فيما يمكن عمله مع المقاومة الفلسطينية المتجددة!! وبالفعل توقفت هذه الجولة بعد خمسة أيام ما بين البداية والتوقف نهائيًا، إلا أن الدروس لن تتوقف بعد هذه الجولة تحديدًا، بل هى المحدد الرئيسى لمجريات الأمور فى المسألة الفلسطينية، بل وفى مجريات الصراع العربى الصهيونى حاضرًا ومستقبلاً، وإلى حضراتكم جملة ما حدث وسيحدث:
أولاً: بإعلان سوريا وحزب الله، أنهما أعطوا ونقلوا هذه الصواريخ (كرونيت) منذ عام 2009 وحتى مؤخرًا، وتم تسليمها من سوريا إلى كتائب المقاومة الفلسطينية بمختلف أنواعها عبر حزب الله، لهو متغير جديد يؤخذ فى الاعتبار. حيث إن كلاً من سوريا وحزب الله أعلنا رسميًا أنهما طرف فى المعادلة وموازين القوى مع الكيان الصهيونى فى قطاع غزة المقاوم، وفى الإقليم، وعلى إسرائيل أن تدرك فى حساباتها مستقبلا ذلك.
ثانيًا: إن الاعتراف السورى وحزب الله يدعم المقاومة الفلسطينية فى غزة بالصواريخ وغيرها، وفى هذا إشارة للتصعيد ضد إسرائيل، وأن عاصفة التطبيع مع دول عربية لا قيمة لها مع صوت الصواريخ الهادر الذى لم تستطع القوة الإسرائيلية ردها.
ثالثًا: إن إسرائيل تلقت الرسالة منزعجة، وعليها أن تتصرف مستقبلاً، بالتوقف فورًا عن العدوان على قطاع غزة، وأن المسرح لممارسة العدوان أصبح محفوفًا بالمخاطر.
رابعًا: إن القبضة الحديدية التى روجت لها إسرائيل، باعتبارها الحامية والضامنة لأمن إسرائيل وسكانها المغتصبين للأرض، أضحت سرابًا، وأن الصواريخ الفلسطينية اخترقتها وتجاوزتها وأصابت الأهداف المبتغاة. ويؤكد ذلك أن المقاومة قادرة على اختراق الحواجز الأمنية الصهيونية مهما روجوا لقوتها وسعوا إلى نشر الخوف فى قلوب الفلسطينيين، وفى الوقت نفسه طمأنة الإسرائيليين، فقد ثبت أن كل ذلك هراء. وقد ذكرنا ما حدث من المقاومة الفلسطينية بإسقاط القبضة الحديدية، ذكرنا بما فعله الرئيس صدام حسين حينما ضاقت عليه الأهوال بعد خطيئته الكبرى بغزو الكويت، حيث أطلق صواريخ سكود وعددها (39) صاروخًا فى قلب تل أبيب فأثارت الذعر فى إسرائيل، وأكدت سقوط نظرية الحدود الآمنة التى أشاعتها إسرائيل ودعمتها أمريكا!
وأخيرًا فإن المقاومة الفلسطينية، أثبتت أن القضية الفلسطينية حية بأبنائها، وأنه لا خيار عن المقاومة لتحرير أرض فلسطين من النهر إلى البحر، وهى أرض فلسطين التاريخ، وأن مكان إسرائيل خارج المنطقة، ويراه البعض بعيدًا أو مستحيلاً، وأراه قريبًا، والمقاومة هى الخيار الاستراتيجى للأمة، وإن غدًا لناظره قريب، وستظل غزة بوصلة الصراع العربى الصهيونى.
د.جمال زهران
الأهرام