بالتوازي مع الحراك الدبلوماسي الجاري للتطبيع بين إسرائيل وأنظمة عربية عدة، تنشط شخصيات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي لتطبيع الشارع العربي، ومنها الباحث إيدي كوهين الذي لم تمنعه صفته الأكاديمية عن لعب الأدوار التقليدية للصحافة الصفراء.
يحمل كوهين درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بار إيلان ويعمل باحثا فيها، وهو من مواليد بيروت حيث نشأ في منطقة وادي أبو جميل (حي اليهود)، ثم هاجر مع عائلته في طفولته إلى إسرائيل.
ومنذ بضع سنوات، لفت كوهين أنظار وسائل الإعلام العربية بتغريداته على موقع تويتر، التي تعزف غالبا على وتر التطبيع مع الرأي العام العربي باللغة العربية، كما برز في مناكفاته وصراعاته التي يخوضها مع شخصيات عربية، فضلا عن المعلومات والشائعات التي يبثها للطعن حتى في الأنظمة العربية التي تطبع مع إسرائيل.
حملة موجهة
في مارس/آذار الماضي أصدر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراسة عن الاستراتيجية الإسرائيلية للتأثير على الرأي العام العربي، بهدف إقناع الأجيال الشابة بالتعايش مع إسرائيل كأمر واقع.
وتعمل في خدمة هذا المشروع حسابات رسمية على مواقع التواصل، مثل حساب “إسرائيل تتكلم بالعربية” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وحسابات المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، وحسابات المسؤول عن الدبلوماسية الرقمية بالعربية في وزارة الخارجية يوناتان جونين.
ويبدو أن كوهين يسعى لإيجاد موطئ قدم في هذا المشروع، مع احتفائه الواضح بالشهرة المفاجئة التي نالها مؤخرا، حيث نشر على صفحته في تويتر تصويتا يستطلع آراء متابعيه عن مكانته لديهم بين الصفحات الإسرائيلية الأخرى الموجهة للعرب.
مع ذلك يصر كوهين عبر حساباته على استقلاليته، إلا أنه لا يخفي عمله مستشارا للحكومة الإسرائيلية منذ ست سنوات، كما هو مذكور في صفحته بموقع “لينكد إن”.
وفي رسالة إلكترونية أرسلها إلى الجزيرة نت ردا على تساؤلاتنا، أقر كوهين بأنه عمل في السابق رسميا في أجهزة الاستخبارات، نافيا أن تكون له أي علاقة معها حاليا.
في المقابل، اعتبر الباحث الفلسطيني ساري عرابي أن محاولات تقديم إسرائيل في صورة أسطورية انتهت بعد العديد من الانتفاضات والمواجهات، مما يدفع بأمثال كوهين إلى محاولة إعادة تلميع الصورة أمام الجيل العربي الناشئ، ولا سيما في دول الخليج.
بدوره، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي للجزيرة نت إن كوهين مرتبط بوضوح بمؤسسات تتقاطع مع دوائر الحكم الإسرائيلية، فهو محاضر في “مركز بيغن-السادات” التابع لجامعة “بار إيلان”، وهي جامعة ذات توجهات يمينية وعلى تماس مباشر مع نخب الحكم اليمينية.
وبنظرة عامة على صفحة كوهين في تويتر يمكن اكتشاف العشرات من التغريدات التي يعيد نشرها، وهي منسوبة لحسابات تحمل أسماء عربية، وتدور جميعها حول امتداح إسرائيل وكراهية الذات. ومع أن بعضها يعود فعلا إلى شخصيات عربية حقيقية تسير في مسار تطبيع الأنظمة، فإن الكثير منها لا يبدو سوى حسابات وهمية (ذباب إلكتروني) اختلقت لإقناع المتابعين بانتشار أفكار التطبيع.
يجدر بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال أمام الكنيست في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إن الشعوب العربية تعرضت على مدار عقود لعملية غسل دماغ تشوه صورة إسرائيل، وإنه حان الوقت لتحسين هذه الصورة، فالعائق الذي يقف أمام التطبيع يكمن في الشعوب وليس الأنظمة، حسب رأيه.
صراعات وفضائح
من جهة أخرى، يعمل كوهين من خلال تغريداته باستمرار على إثارة الجدل في قضايا إشكالية، ولا يتردد في انتقاد مظاهر الاستبداد والفساد والمشاكل التنموية في الدول العربية، مقارنا ما أمكن مع الوضع السياسي والاقتصادي في إسرائيل، ومكررا بذلك الدعاية الإسرائيلية المعتادة لإظهار إسرائيل في صورة واحة الديمقراطية والازدهار بالمنطقة.
ويخوض كوهين أيضا صراعات مع شخصيات ومسؤولين عرب لإحراجهم، حتى أولئك التابعين لأنظمة تطبع مع إسرائيل، وكأنه يستمتع بإذلال وفضح الساسة العرب أمام شعوبهم رغم ما يقدمونه من تنازلات.
ومن الأمثلة، كشف كوهين في أغسطس/آب الماضي عن مشاركة طيار إماراتي يتدرب لدى سلاح الجو الإسرائيلي في قصف قطاع غزة قبل نحو ثلاثة أسابيع، متحديا الفريق ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي أن ينكر، وذلك بعدما خرج خلفان فجأة عن مسار التطبيع وغرد قائلا إن إسرائيل لا هم لها إلا إحداث الدمار للوطن العربي كي تبقى مهيمنة.
وهدد كوهين خلفان بفتح “ملف زيارته السرية إلى إسرائيل”، فدخلا في صراع على تويتر، انتهى باتهام خلفان لكوهين بأنه شخصية وهمية تدار من قطر، فظهر كوهين في تسجيل فيديو يؤكد فيه أنه شخصية حقيقية مطالبا خلفان بإجراء مناظرة حية على الهواء، ثم كرر تحديه عدة مرات من دون تجاوب إماراتي.
وفي موقف آخر، غرد كوهين في يونيو/حزيران الماضي قائلا إن هناك حاكمَين عربيين حاليين من أصول يهودية ويحظيان بدعم من الماسونية، ليفسح المجال أمام المتابعين –وربما الذباب الإلكتروني- للخوض في التكهنات وتبادل الشتائم.
وفي مشادة كلامية بين كوهين والمحلل المصري محمد الألفي الشهر الماضي على فضائية “فرنس 24″، قال كوهين إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدو لجماعة الإخوان المسلمين ويكره حركة حماس، وإن نظامه يحاصر غزة أكثر مما تفعل إسرائيل، وتابع “السيسي صهيوني أكثر مني، كيف يهدد إسرائيل؟”.
وقد نال الأردن أيضا حظه من هجمات كوهين، فنشر تغريدات ومقالات تتهم عمان بدعم “انتفاضة السكاكين”. كما نشر شائعات عن غياب الملك عبد الله الثاني، متوعدا أيضا حكاما عربا بما يراه مصيرا محتوما لكل من يعادي اليهود.
وتعليقا على هذا الأسلوب المستفز حتى لمن يعمل على التطبيع، قال كوهين في رسالة للجزيرة نت إنه يؤيد التطبيع العلني ويرفض “النفاق”، مضيفا أن “إسرائيل تساعد نظام السيسي في مكافحة الإرهاب في سيناء، وفي المقابل يتعامل النظام مع إسرائيل على أنها عدو”.
وتابع “نريد تطبيعا واضحا وشفافا ومع رأس مرفوع وليس تطبيعا من وراء الكواليس كما تريد السعودية والكثير من الدول العربية”.
وردا على سؤال للجزيرة نت، استبعد النعامي أن يكون لمشروع كوهين أي تأثير ذي شأن، وقال “في تقديري، أسلوبه المستفز قد يأتي بنتائج عكسية”، معتبرا أن خطابه يحرج الأنظمة العربية ويعتمد على نمط دعائي فج، فضلا عن توظيفه معلومات مفبركة، حسب قوله.
أما الباحث عرابي فقال إنه لا يمكن إنكار تفوق إسرائيل على محيطها العربي بما تملكه من دعم غربي، لكنها ليست أسطورة، وينبغي ألا ينسى الشباب العربي أن المقاومة تمكنت من كسر تلك الصورة وأثبتت ضعفها في مواجهات عدة.
ولم يستبعد عرابي أن يكون كوهين باحثا عن شهرة شخصية من خلال مناكفاته على تويتر، مشيرا إلى أنه لا يمكن إعادة “أسطرة إسرائيل” دون استخدام أسلوب السخرية والاستفزاز.
المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي,الجزيرة