الآمال التي رافقت عملية نقل السلطة إلى حكومة عراقية جديدة تبدّدت تاركة مكانها لحالة من السوداوية لا يمكن حجبها بإجراءات رمزية من قبيل إعادة فتح المنطقة الخضراء في بغداد، والتي لا تعني شيئا لعموم العراقيين المشغولين بسوء أوضاعهم والمطالبين بتحسينها.
بغداد – لم تحجب المظاهر الاحتفالية التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد بمناسبة فتح جزء من شوارع المنطقة الخضراء المحصنة وسط المدينة أمام حركة المارة والمركبات، حالة التشاؤم التي تسود البلد بفعل تعقيدات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأمني، فضلا عن الأزمة السياسية الناجمة عن عدم استكمال الكابينة الحكومية بسبب صراعات الفرقاء التي تحوّلت إلى حالة من العناد والمكابرة.
وعلى عكس المرجوّ من الخطوة التي أصرّ عليها رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، قوبلت العملية بفتور شعبي واضح، فيما ساد انطباع عامّ بأن الرجل يبحث عن أي إنجاز شكلي في بداية عهده المتعثّر الذي بدأه بأزمة تشكيل الحكومة وفي أجواء من الاحتقان الشعبي المنذر بتفجّر احتجاجات عارمة على سوء الأوضاع الاجتماعية وانصراف السياسيين عن معالجتها إلى الصراع على المناصب.
ومساء الاثنين نظمت السلطات الأمنية مسيرة دراجات نارية اجتازت الجسر المعلّق الذي خطط له وبدأ العمل فيه نوري السعيد أشهر رؤساء الوزراء العراقيين في العهد الملكي، وافتتحه عبدالكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية الأولى العام 1958. واتجهت المسيرة من الرصافة إلى الكرخ مخترقة الكتل الإسمنتية التي كانت تعزل المنطقة الخضراء عن محيطها في العاصمة العراقية.
ووضع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي افتتاح المنطقة الخضراء في أعلى سلم أولوياته وقرّر المضي في قراره برغم اعتراضات أطراف سياسية عديدة تعتقد أن هذا الأجراء سيعرض أمن المؤسسات الكثيرة التي تقع مقرّاتها داخل المنطقة المحصّنة للخطر.
تململ في صفوف الفريق السياسي الموالي لإيران بسبب إصرار طهران على ترشيح فالح الفياض لمنصب وزير الداخلية
وتضم المنطقة الخضراء مقرات الحكومة العراقية وعددا من الوزارات المهمة كوزارة الدفاع، كما أنها تضم مقار سفارات وبعثات دبلوماسية كالسفارتين الأميركية والبريطانية.
وسلط التلفزيون الرسمي العراقي الضوء على هذا “المنجز الكبير” مغفلا حقيقة أن افتتاح المنطقة الخضراء كان جزئيا ومؤقتا وسيخضع للتقييم خلال الأيام القليلة القادمة لاتخاذ قرار بشأن الإبقاء عليه أو التراجع عنه وفقا للسلطات المختصة.
وافتتحت السلطات المختصة جزءا من طريق يربط الرصافة بالكرخ عبر الجسر المعلق ووعدت بافتتاح طريق أخرى قريبا. لكن الطرق القريبة من مكتب رئيس الوزراء والسفارتين الأميركية والبريطانية ومبنى وزارة الدفاع وجهاز المخابرات بقيت مغلقة ولم يشر عبدالمهدي إلى نيته فتحها.
وجاءت هذه المظاهر الاحتفالية في وقت تشهد البلاد أزمة سياسية خانقة بسبب الخلافات على مرشحي الحقائب المتبقية في حكومة عبدالمهدي وأبرزها حقيبتا الدفاع والداخلية. وتكرر عجز البرلمان الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الجاري عن استكمال نصابه للتصويت على المرشّحين لشغل المناصب الوزارية الشاغرة.
ولم يعد سرا أن الخلاف بشأن استكمال الكابينة الوزارية هو واجهة لصراع محتدم بين حلفاء إيران وخصومها في العراق.
ويقول الفريق السياسي الموالي للزعيم الشيعي مقتدى الصدر إن طهران تحاول الاستيلاء على حقيبة الداخلية، من خلال ترشيح رئيس هيئة الحشد الشعبي المقرّب منها فالح الفياض لشغلها، بينما يقول الفريق السياسي الحليف لإيران بقيادة زعيم منظمة بدر هادي العامري، إن الصدر يحاول فرض رؤيته على شكل الحكومة العراقية متجاهلا حقيقة الحاجة إلى شراكة سياسية تضمن بقاءها.
وفشلت جميع محاولات عبدالمهدي حتى الآن في التوفيق بين الطرفين فيما يقول مراقبون إنه يحاول صرف الأنظار إلى مواضيع أخرى أقلّ أهمية مثل فتح المنطقة الخضراء، كي لا يظهر عاجزا أمام الجمهور.
ومنح البرلمان العراقي القوى المتصارعة مدة طويلة حتى الثلاثاء ما بعد القادم لحسم الخلاف على استكمال الكابينة الوزراية، لكن المؤشرات حتى الآن لا توحي بتوافق قريب.
وتقول مصادر سياسية إن هيئة رئاسة البرلمان تحاول مواجهة الانتقادات الشعبية الواسعة التي طالتها بسبب عجزها عن حشد نصاب يكفي لانعقاد جلسة التصويت على استكمال التشكيلة الوزارية، وبدلا من أن تضطر كل مرة إلى إعلان تأجيل الجلسة التي لا تنعقد بسبب النصاب، أعلنت عن تعطيل الجلسات لنحو عشرة أيام على أمل أن يتوافق المختلفون خلالها.
ويقول النائب عن ائتلاف دولة القانون، عبدالهادي السعداوي، إنّ انعدام التوافقات السياسية يعطل إكمال تشكيل اللجان النيابية، مشيرا إلى أن “تعطل هذه اللجان ألقى بظلاله على عدم تشريع القوانين في البرلمان”.
ويوضح السعداوي “لم يتم الاتفاق على اختيار رؤساء ونواب الرؤساء ومقرري تلك اللجان وبعضها لم يكتمل أعضاؤها بسبب عدم الاتفاق بين الكتل”.
وتتحدث المصادر السياسية عن اجتماع وشيك بين زعيم تحالف البناء القريب من إيران هادي العامري، وراعي تحالف الإصلاح مقتدى الصدر، لحسم الخلافات بشأن الحقائب الوزارية المتبقية، وفي مقدمتها حقيبة الداخلية. لكن هذا الاجتماع في حال إتمامه فعلا لن يكون مستندا إلى تصورات مسبقة بشأن سبل الخروج من الأزمة بسبب تمسك كل طرف بموقفه.
وتشير المصادر إلى أن “العامري وعددا من قيادات البناء يشعرون بحرج بالغ إزاء جمهورهم في ظل عجزهم عن مواجهة الرغبة الإيرانية في فرض الفياض مرشحا لحقيبة الداخلية”.
وتقول المصادر إن العجز عن استكمال الكابينة يعطل مصالح أطراف الفريق السياسي القريب من إيران بسبب استمرار غياب ممثليها عن الحكومة لكنها تستبعد تفجر خلاف علني بين إيران وحلفائها السياسيين في العراق بشأن هذا الملف.
وتؤكد المصادر أن “أطرافا بارزة في تحالف البناء تعبر في الجلسات الخاصة عن تململها من تمسك الإيرانين بالفياض ما يؤدي إلى عرقلة تمرير وزراء آخرين حدث توافق بشأنهم”.
ويسعى زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي لتمرير مرشحه لحقيبة الثقافة كما يسعى زعيم تحالف المحور خميس الخنجر لتمرير مرشحته لحقيبة التربية، لكنهما يعجزان عن ذلك بسبب ارتباط الموضوع بإسناد حقيبة الداخلية لفالح الفياض، علما أنّ الخزعلي والخنجر من القيادات البارزة في تحالف البناء القريب من إيران.
العرب