أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن الولايات المتحدة تعتزم مواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي لكل من الصين وروسيا في أفريقيا واصفا ممارسات شركات البلدين بأنها تتسم “بالفساد” و”الاستغلال”، فيما تشهد القارة السمراء صراع نفوذ محموم أشبه بالحرب الباردة.
وقال بولتون في كلمة ألقاها في مؤسسة هريتدج للأبحاث إن الأولوية الأهم لدى واشنطن ستتمثل في تطوير علاقات اقتصادية في المنطقة لإتاحة فرص للشركات الأميركية وحماية استقلال الدول الأفريقية وكذلك مصالح الأمن القومي الأميركي.
وأضاف “المنافسون على القوة العظمى، وتحديدا الصين وروسيا، يوسعون نفوذهم المالي والسياسي على نحو سريع في أنحاء أفريقيا”، مشيرا إلى أنهم “يوجهون استثماراتهم في المنطقة عن عمد وعلى نحو عدائي لنيل أفضلية تنافسية على الولايات المتحدة”.
وتابع الدبلوماسي الأميركي “تلجأ الصين إلى الرشوة وإبرام اتفاقات غير واضحة واستخدام الدين على نحو استراتيجي لإبقاء البلدان الأفريقية رهينة رغباتها ومطالبها، ومشروعاتها الاستثمارية تعج بالفساد”.
وفي ما يتعلق بروسيا، أدلى بولتون بتعليقات على نفس الدرجة من الشدة، قائلا “في أنحاء القارة، تطور روسيا علاقاتها السياسية والاقتصادية دون مراعاة تذكر لحكم القانون أو الحوكمة التي تتسم بالمحاسبة والشفافية”.
واتهم موسكو ببيع السلاح والطاقة مقابل أصوات في الأمم المتحدة “تُبقي أصحاب النفوذ في السلطة وتقوّض الأمن والسلام وتتحرك في اتجاه يتعارض مع مصالح الشعوب الأفريقية”.
وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي أن الولايات المتحدة تطور مبادرة (أفريقيا المزدهرة) لدعم الاستثمار الأميركي في القارة والطبقة المتوسطة المتنامية في المنطقة، دون ذكر تفاصيل.
وأشاد لاندراي سيغنه الباحث في مبادرة نمو أفريقيا في معهد بروكنغز في واشنطن بتركيز الإدارة الأميركية على التجارة والاستثمار بدلا من الأمن، لكنه قال إنه يريد تفاصيل بشأن المبادرة الأميركية المزمعة.
وقال “استراتيجية إدارة ترامب الجديدة تجاه أفريقيا تعكس فهما أدق للتحركات سريعة التغير داخل أفريقيا، لكن الاستراتيجية لا تبدو كافية للتعامل مع مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والأمنية المهددة ونفوذها المهدد أيضا”.
وتثير سياسات الصين وروسيا في أفريقيا قلق الولايات المتحدة التي تسعى لزيادة الأموال المخصصة للتنمية في مواجهة مطامح بكين وموسكو.
وساهمت الأوضاع المتوترة في منطقة الشرق الأوسط خاصة الملف السوري والإيراني في تراجع نفوذ الولايات المتحدة في القارة الأفريقية واقتصار حضورها على الجانب العسكري، ما دفع بالغريم الروسي الذي أصبح عنصرا أساسيا في خارطة النفوذ الشرق أوسطية إلى الاندفاع نحو أفريقيا أملا في وضع موطئ قدم داخل قارة مليئة بالثروات والمعابر البحرية الاستراتيجية.
وبالرغم من ضعف النفوذ الأميركي في المنطقة، اقتصاديًا مقارنة بالصين، وسياسيًا وعسكريًا مقارنة بفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، فإن واشنطن لا تخفي اهتمامها بتدارك هذا الوضع، لا سيما وأن القارة تضم أكبر تجمع للدول النامية في العالم، ذات الأسواق المتعطشة للاستثمارات، والثروات الهائلة.
و يرى مراقبون أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه القارة ستركز خاصة على غرب وشمال غرب القارة، بخلاف تركيز واشنطن السابق على منطقة القرن الأفريقي.
ورجحت تقارير دبلوماسية غربية أن تشكل القارة الأفريقية رقعة أساسية للصراع، في المستقبل خصوصا بين واشنطن وبكين، في سيناريو شبيه بالحرب الباردة.
وفي نسخة، تحاكي أحداث النصف الثاني من القرن العشرين في أوروبا، تتوقع تقارير بأن يؤول التنافس المحموم على النفوذ بين الجانبين إلى استقطاب، ينتهي بتمزيقها، بين معسكر شرقي يحسب على الصين، وغربي يحسب على الولايات المتحدة.
ومما يزيد من أهمية القارة في هذه المرحلة، حاجة الصين الملحة لتنويع مصادر واردات الطاقة، وهي التي احتلت، عام 2016، صدارة قائمة مستوردي النفط عالميًا، بعد تخلي الولايات المتحدة عن ذلك الموقع.
وقد ظهرت على السطح، مؤشرات بتجاوز النفوذ الصيني دائرة الاستثمارات والتجارة إلى التأثير المباشر في السياسة الداخلية، وذلك بعد تأكيد عدة تقارير صحافية، من بينها ما نشرته “الغارديان” البريطانية، منتصف نوفمبر 2017، بوجود تدخل صيني في إزاحة رئيس زيمبابوي السابق، روبرت موغابي.
و نشرت مجلة “ذي إنترسبت” وثائق مسربة من البنتاغون، حول تدريبات نظرية واسعة النطاق، تشمل القوات البرية والبحرية والجوية، تحاكي عملية عسكرية كبيرة في الغرب الأفريقي، عام 2023، للقضاء على “إرهابيين” نفذوا هجمات في الولايات المتحدة.
وكشفت المجلة وثيقة سرية لقيادة القوات الأميركية في أفريقيا “أفريكوم”، تشير إلى عملها على إنشاء قاعدة للطائرات بدون طيار في النيجر، على أن يشمل نطاق عملها دول المنطقة، وذلك بتكلفة تناهز 100 مليون دولار.
ونقلت في تقريرها عن الخبير الأميركي في الوجود العسكري لواشنطن بأفريقيا، آدم مور، قوله إن ذلك ليس نشاطًا معزولًا، بل جزءًا من “توجه نحو تدخل أكبر، ووجود دائم في غرب أفريقيا” وذلك لتدارك الضعف في النفوذ الأميركي بالمنطقة مقارنة بالنفوذ الفرنسي، ولاستباق التغلغل الصيني القادم من شرقي القارة.