” الموصل تعيش وضعا مأساويا ، فالفتيات لا يخرجن على الأطلاق كذلك هناك قيود على حركة الصبية، فهم يقولون إن كل شيء حرام. ليس هناك من وظائف”.
تكاد كلمات مريم ابنة مدينة الموصل العراقية تعبر عن حال عدد من سكان المدينة التي تعيش منذ ما يقرب من عام تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” المتشدد.
المدينة التي تقع على بعد 400 كيلومتر شمالي العاصمة بغداد سقطت في يد مسلحي الدولة الإسلامية بعد قتال استمر لبضعة أيام في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي.
ونزح ما يقرب من 500 ألف شخص من الموصل وضواحيها عقب سيطرة مسلحي التنظيم الإسلامي الذي يعرف باسم داعش.
الموصل التي كان يسكن بها ما يقرب من مليون شخص تعاني الآن من شح الموارد وقلة الوظائف وتزايد نطاق العقوبات القاسية والعلنية.
كذلك فإن التواصل بين سكان المدينة والعالم الخارجي أمسى في غاية الصعوبة كما يحمل الكثير من الاخطار.
لكن بي بي سي تمكنت من التواصل مع عدد قليل من سكان المدينة الذين وافقوا على أن يرووا تجارب معيشتهم تحت هيمنة تنظيم الدولة الإسلامية.
قواعد صارمة وأحكام قاسية
سيطرة المسلحين الإسلاميين على الموصل أحدثت تغييرا ضخما في حياة هشام الذي تخلى عن دراسته بسبب الأحوال المالية بحثا عن وظيفة والتي فقدها بدوره بعد ذلك.
ويشرح هشام حاله وحال العديد من سكان المدينة بالقول: “من كانوا يعملون بالجيش ومن كان يشغلون وظائف برواتب يومية لم يعد لهم أي مصدر دخل فليس هناك من وظائف. الأثرياء يعيشون على مدخراتهم. كذلك فإن رواتب اصحاب الوظائف تكفيهم بالكاد. أما الفقراء فليس لهم غير رحمة الله”.
لكن يبدو أنه حتى الرحمة تكاد تكون شحيحة في تحت حكم تنظيم “الدولة الإسلامية”. فهناك أحكام سريعة وقاسية لمن يتحدون قوانين التنظيم .
ويسرد هشام ذكرياته مع قوانين هؤلاء المتشددة بالقول “الدولة الإسلامية تأخذ ربع رواتب الجميع كمساهمة في جهود اعادة البناء المدينة. الناس لا تستطيع ان ترفض الدفع وإلا ستطبق عليهم عقوبات قاسية. لقد تم جلد أخي عشرين جلدة لمجرد أنه لم يغلق محله أثناء الصلاة”.
أما محمد، وهو أحد ابناء الموصل، فيفضل أن ينسى كيف كانت حياته قبل سيطرة التنظيم الإسلامي على الموصل.
ويشرح محمد كيف أن حديث الذكريات يصيبه بالأسى “لقد كنت معتادا على الخروج ومقابلة الناس وكنت أقصد المطاعم والنوادي، كنت أدخن النرجيلة وأتحدث مع الفتيات. عام 2012 كان هو الأفضل في حياتي. الموصل كانت آمنة وكان بإمكاني البقاء خارج المنزل حتى الساعة الواحدة صباحا. لكني الآن أقبع في المنزل طيلة الوقت وأفضل ألا أتذكر الأيام الخوالي. أشعر أنه ليس هناك من مستقبل أمامنا”.
من ضلع أدم خُلقت حواء ولأجله تعيش
أراد الله أن تخلق حواء من ضلع أدم وأن تعيش من أجله”، هكذا ينظر للمرأة في أدبيات تنظيم “الدولة الإسلامية” وهو ما انعكس على احوال النساء في ظل حكم هذا التنظيم المتشدد.
ولأن تحولا كليا ومفاجئا حدث بعد سيطرة المسلحين الإسلاميين على الموصل، فقد صار لزاما على المرأة التي ترغب في الخروج من منزلها أن ترتدي النقاب وأن تغطي يدها بالقفاز وأن تكون بصحبة أحد من محارمها الذكور، وهو ما دفع العديد من النساء إلى تفضيل البقاء في المنزل.
وعن أوضاع المرأة في الموصل، تقول هالة وهي أستاذة جامعية سابقة في المدينة: “أنا أظل في المنزل طيلة الوقت فلم يعد هناك جامعة. وعلى كل فإن النساء غير مسموح لهن بالعمل إلا كمعلمات للفتيات”.
وتقول مريم وهي التي كانت سيدة عاملة قبل سيطرة المتشددين على الموصل إن النساء “صرن يشكلن عبئا ماديا على أسرهن بسبب عدم السماح لهن بالعمل”.
“في الماضي كانت الأسر تعامل بناتها كالملكات فلم تكن تسمح بزواج الفتاة إلا في حال كان الزوج حاملا لمؤهل جامعي ولديه وظيفة. لكن الأمر تغير الآن فالفتاة تتزوج من أي رجل لكي تحمي نفسها وسيرحب الأهل بذلك حتى يتخلصوا من مسؤولية رعايتها”.
الجلد والرجم
التحول في نمط الحياة في الموصل ألقى بظلاله على القوانين والعقوبات. ويقول زياد وهو محام من نينوى “تنظيم الدولة الإسلامية أخذ في تطبيق قوانين الخلافة منذ سيطرته على الموصل. أخف عقوبة هنا هي الجلد والتي يتم تطبيقها بحق من يقومون بأشياء على شاكلة التدخين. وعقوبة السارق هي بتر اليد أما الزاني الرجل فيلقى من فوق سطح مرتفع أما النساء فيتم رجمهن. ويتم تنفيذ العقوبات علنا بهدف ردع السكان الذين يتم اجبارهم على الحضور والمشاهدة”.
ومن بين من تحدثت إليهم بي بي سي شاب يدعى فؤاد الذي يقول إن جسده لا يزال يحمل آثار الندوب الناتجة عن تعذيبه من قبل التنظيم. فقد داهم مسلحو الدولة الإسلامية منزل اسرته بحثا عن أخيه ولأنهم لم يجدوه أخذوه هو إلى السجن. يقول: “في السجن تم تعذيبي، ولم يتوقف الشخص المسؤول عن تعذيبي إلا عندما انتابه التعب. كان متوترا أغلب الوقت ولم يكن يستمع إلى ما يقوله السجناء. كان يجلدني بسلك كهربائي. وعندما سلّم أخي نفسه لهم وجدوا إن الاتهامات كاذبة”.
مواجهة الدولة الإسلامية
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من عام على سيطرة المسلحين الإسلاميين المتشددين على الموصل فإن الخوف لا يزال يسيطر على سكان المدينة كما يقول محمد الذي ألقي القبض على صديق له لأنه كان يدخن: “بالطبع الناس تخاف مسلحي الدولة الإسلامية. نحن نخاف من العقوبات، ومن الجلد”.
لكن محمد يعود ويعترف بأن بعض أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية يتسم بالعدل بل ويتعاطى بشكل مهذب مع من يحكمونهم. “ليس هناك فساد. لا أعلم لماذا، لكن حقا ليس هناك فساد. فلو ارتكب عضو في تنظيم الدولة الإسلامية جريمة فإنهم يعاملونه مثلما يعاملون باقي السكان.”
ويرى محمد إن مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الأجانب يطبقون العدل في التعامل مع سكان المدينة: “إنهم يديرون المدينة خير من سكانها العرب، فهم حصلوا على قسط من التعليم ويتعاملون مع الناس باحترام”.
ويشدد محمد على أنهم يقدمون الدعم المالي للعديد من الأسر وهو ما ينفيه آخرون من سكان المدينة. ويقول محمد: “الدولة الإسلامية تدعم الأسر والعائلات بمنحهم أموال كل شهر، المبلغ ليس بالكبير، فهو ما يعادل 50 دولارا شهريا. كذلك هم يقومون بتنظيم العديد من الخدمات مثل المياه والكهرباء والانترنت، كذلك يشرفون على توزيع الرز والدقيق والسكر”.
لكن مريم ترى إن الالتحاق بتنظيم “الدولة الإسلامية” يمثل السبيل الوحيد للمعدمين لتجنب شبح الحاجة. وتقول: “أغلب العائلات غير قادرة على تحمل نفقات الحياة وليس هناك من يساعدهم لذلك التحقوا بداعش من أجل المال. هذه ظاهرة خطيرة لأنها ستدعم من قوة تنظيم الدولة الإسلامية”.
الغارات الجوية
ويخشى سكان المدينة من أن الغارات التي تشنها طائرات التحالف الدولي المناوئ لتنظيم الدولة الإسلامية تودي بحياة مدنيين. وتقول مريم إن “50 في المئة من الغارات تودي بحياة مدنيين. هذا أمر حتمي لأن عناصر تنظيم الدولة الإسلامية يختبئون في بيوت المدنيين”.
لكن وعلى الرغم من تلك المخاوف فإن مريم والعديد من سكان الموصل يرغبون بشدة في التخلص من المسلحين الذين يحتلون مدينتهم.
بي بي سي عربي