قنوات إسرائيلية بديلة لتطويق نفوذ إيران في سوريا ولبنان

قنوات إسرائيلية بديلة لتطويق نفوذ إيران في سوريا ولبنان

بيروت – عكست ردود الفعل المتباينة حجم التأثيرات الكبيرة التي يمكن أن يفضي إليها الانسحاب الأميركي غير المدروس من شرق الفرات، خاصة على حلفاء الولايات المتحدة سواء من دول إقليمية مثل إسرائيل أو من فصائل على الأرض مثل الأكراد.

وطرح الانسحاب الأميركي أسئلة عدة، خصوصا في شأن الموقف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا ولبنان وكيفية مواجهته مستقبلا، ومن هذه الأسئلة: هل سيطرأ تغيير على كيفية تعاطي إسرائيل مع هذا الوجود في غياب الأميركيين في الداخل السوري؟ وهل يعني ذلك وضع إسرائيل أمام أمر واقع يفرض عليها التعاطي المباشر مع إيران أو عبر روسيا مع هذه المسألة التي تعتبرها حيوية بالنسبة إليها؟

ورجح سياسي لبناني يتابع بدقة تطورات الوضع في جنوب لبنان أن تسعى إسرائيل إلى تفاهم في شأن وجود إيران في سوريا ولبنان عن طريق سلطنة عمان التي زارها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أواخر أكتوبر الماضي.

وأوضح هذا السياسي أن إيران، التي تسعى إلى الهيمنة على لبنان، ستكون مستعدة لتقديم ضمانات تطلبها إسرائيل التي يثير قلقها وجود حزب الله في جنوب لبنان والصواريخ بعيدة المدى التي بات يمتلكها. وأشار إلى أن أكثر ما يثير قلق إسرائيل في هذه المرحلة هو زيادة دقة الصواريخ التي بعثت بها إيران إلى حزب الله.

وخلص إلى القول إنه سيتوجب على إسرائيل بعد الآن التكيف مع المعطيات التي فرضها تغيير الأميركيين لقواعد اللعبة في سوريا، خصوصا أن الرئيس دونالد ترامب حصر الهدف من الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات في الحرب على داعش وأزال من اعتباره هدف الانتهاء من الوجود الإيراني في سوريا.

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، بأن بلاده ستواصل ما أسماه “العمل بشكل صارم جدا ضد المحاولات الإيرانية للتموضع في سوريا”. وقال نتنياهو في تصريح مكتوب “نواصل جهودنا الرامية إلى تحييد الأنفاق الإرهابية وفي هذه الساعة نستخدم وسائل خاصة بغية تحييدها”.

وأضاف “سنواصل العمل بشكل صارم جدا ضد المحاولات الإيرانية للتموضع في سوريا، وفي هاتين الساحتين لن نخفف من وتيرة جهودنا بل سنعززها، وأعلم أننا نقوم بذلك بدعم كامل من قبل الولايات المتحدة”.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد قال مساء الأربعاء، تعقيبا على القرار الأميركي بسحب القوات من سوريا، إن ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، أبلغاه مسبقا بقرار الانسحاب، وأوضحا له “وجود سبل أخرى للتعبير ميدانيا عن تأثيرهم”. وأربكت الخطوة الأميركية شركاء في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وخاصة من الأوروبيين.

وقالت فرنسا إنها وحلفاءها الذين يقاتلون تنظيم داعش يجرون محادثات مع إدارة ترامب لتحديد الإطار الزمني وكيفية تنفيذ انسحاب القوات الأميركية من سوريا، لكن يجب على واشنطن أن تأخذ في الحسبان استقرار المنطقة لتجنب أزمة إنسانية جديدة.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن فرنسا “ستحرص خلال الأسابيع القادمة على ضمان أمن جميع شركاء الولايات المتحدة، بمن فيهم قوات سوريا الديمقراطية، (وإنه) على الولايات المتحدة أن تأخذ في الحسبان حماية السكان في شمال سوريا واستقرار المنطقة لتجنب مأساة إنسانية جديدة وعودة الإرهابيين”.

وهناك إجماع على أن الخطوة الأميركية تركت الأكراد، ليس فقط كمجموعات مسلحة ومقاتلين، مثل عناصر “قسد”، ولكن كسكان للمناطق الكردية التي تتخوف من انتقام أنقرة وأذرعها من الجيش السوري الحر. ويتهم الأكراد ترامب بأنه لم ينظر سوى إلى مصالح بلاده، وأنه راهن على العلاقة مع أنقرة على حسابهم.

وقال قائد “وحدات حماية الشعب” الكردية بسوريا سيبان حمو في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية “للأسف، العالم كله، والولايات المتحدة في مقدمته، لا ينظر إلا إلى مصالحه، دون النظر إلى أي اعتبارات لمبادئ أو حقوق الإنسان… تركيا دولة كبيرة وعضو بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويمكنها أن تقدم الكثير للأميركيين عبر إمكانياتها المادية أو ما شابه (…) أما نحن فمجرد شعب لا نملك إلا صوابية الموقف والرغبة في التمتع بالعيش كبقية الشعوب، وهذا بالطبع لا يمثل أي قيمة من وجهة نظر تلك الدول الكبرى”.

وقال ترامب في سلسلة تغريدات على تويتر أمس إنه يفي بتعهد قطعه أثناء حملته الانتخابية في عام 2016 بالخروج من سوريا. وكتب يقول إن الولايات المتحدة تقوم بعمل دول أخرى، منها روسيا وإيران، دون مقابل يذكر مكررا عنصرا أساسيا في سياسته الخارجية وهو أنه يسعى لوقف استغلال الولايات المتحدة.

وأضاف “هل تريد الولايات المتحدة أن تصبح شرطي الشرق الأوسط، وألا تحصل على شيء سوى بذل الأرواح الغالية وإنفاق تريليونات الدولارات لحماية آخرين لا يقدّرون، في معظم الأحيان، ما نقوم به؟ هل نريد أن نظل هناك للأبد؟ حان الوقت أخيرا لأن يحارب آخرون”.

وقالت الولايات المتحدة لمجلس الأمن الخميس إنها ملتزمة “بالتدمير الدائم” لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وإنها “ستستخدم كل أدوات قوتنا” للضغط من أجل انسحاب القوات التي تدعمها إيران من سوريا.

ولطالما ربطت واشنطن وجودها في سوريا، إضافة إلى قتال الجهاديين، بإنهاء وجود إيران والمجموعات المرتبطة بها. لكنّ إعلان ترامب الأخير يأتي ليناقض تحذيرات سابقة لعدد من كبار المسؤولين الأميركيين، من أن أي انسحاب متسرّع سيطلق يد روسيا وإيران، حليفتي الأسد، في سوريا.

ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس إنه “لا يجدر أن تنسحب (واشنطن) على دفعة واحدة وعليها أن تفاوض على صفقة مؤاتية للأكراد: مزيد من الأموال وبعض من الحكم الذاتي والسيطرة على النفط المحلي والحماية من القوات التركية، لكن ذلك يجب أن يتم مع ضمانات روسية وسورية”.

العرب