ترك قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنهاء العملية العسكرية الأمريكية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، تساؤلات عما يمكن أن يحدث للأكراد ، شركاء واشنطن الرئيسيين على الأرض، وعما إذا كانت تركيا عرضت أي شيء على ترامب مقابل انسحابه.
يعد إعلان ترامب في 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي انسحاب 2000 جندي أمريكي من شمال شرقي سوريا هدية إلى كل من تركيا والرئيس السوري بشار الأسد.
وكانت الولايات المتحدة، من خلال دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، تسيطر بشكل غير مباشر على نصف الموارد السورية الاستراتيجية، بما في ذلك العديد من السدود وحقول النفط ومعظم الأراضي الزراعية الخصبة في المنطقة، بالإضافة إلى نفوذها ودورها القوي في المناقشات مع حكومة الأسد وحلفاؤه روسيا وإيران حول مستقبل البلاد.
أما الآن فقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل الغالبية العظمى في تلك القوات أمام خيارين محتملين.
وتقول أنقرة إن وحدات حماية الشعب (YPG) هي امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور في تركيا والذي خاض صراعاً مسلحاً من أجل الحكم الذاتي للأكراد هناك منذ عام 1984 وتعتبره منظمة “إرهابية”.
وكان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قد أعلن قبل إعلان ترامب الانسحاب بأسبوع، أن الجيش التركي يستعد للقيام بتوغل بري في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شرقي نهر الفرات.
وكان رد البنتاغون أن حذّر أردوغان من اتخاذ أي خطوة أحادية الجانب وأن ذلك لن يكون مقبولاً. لكن قال بعد ذلك أردوغان إنه ناقش خطته مع ترامب عبر الهاتف وأعطاه الأخير رداً إيجابياً.
عندما شن الجيش التركي ومقاتلو المعارضة السورية هجوماً برياً للاستيلاء على مدينة عفرين الكردية شمالي حلب في بدايات العام الحالي، قاتلت وحدات حماية الشعب مدة شهرين قبل أن تقرر الانسحاب إلى مناطق تمركز القوات الأمريكية، ولكن هذه المرة ليس لدى الأكراد السوريين مكان آخر يلجؤون إليه.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على 30 في المئة من مساحة سوريا كما أن لديها أكثر من 60 ألف مقاتل، لكن مع تلاشي التهديد الأمريكي لأنقرة، ستزداد ثقة أردوغان بنفسه لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية ودفعهم بعيداً عن الحدود.
ستكون للقوة الجوية التي يمتلكها الجيش التركي الفضل في أي معركة مع الأكراد كما حدث في عفرين. كما سيكون تحت تصرفها ما لا يقل عن 15 ألفا من مقاتلي المعارضة السوريين المتمركزين غربي نهر الفرات في عفرين وغيرها من المدن الحدودية.
وقد يظن أردوغان أن بإمكانه إقناع المقاتلين العرب المنخرطين في قوات سوريا الديمقراطية بعدم تدخلهم في النزاع الكردي-التركي والتخلي عنها.
أما السيناريو الثاني سيشهد محاولة قوات سوريا الديمقراطية إبرام صفقة مع الحكومة السورية. إذ من الممكن أن يقرر الأسد في نهاية الأمر التنسيق والتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية كونها أقل خطورة من الوجود التركي الذي قد يطول في شمال سوريا، لأن الجيش السوري يفتقر إلى عدد المقاتلين والقوة العسكرية القادرة على السيطرة على مناطق سيطرة القوات الكردية وحدها.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية مستعدة ومنفتحة دائماً على التفاوض مع الحكومة السورية، فقد التقى ممثلون رسميون عن الإدارة الذاتية مرتين على الأقل هذا العام، على الرغم من أن تلك المحادثات لم تؤد إلى أي نتائج مهمة.
ومن المرجح أن تحدث تغييرات في موقف الحكومة السورية وسط انهيار العلاقات بين روسيا وإيران وتركيا، الذين عملوا معاً لتحقيق الاستقرار في سوريا وإيجاد حل سياسي لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد. كما أن الانسحاب الأمريكي من سوريا قد يضعف الرغبة الروسية والإيرانية في التوافق مع خطط تركيا.
فقد كان موقف موسكو المؤيد لتركيا والمناهض للأكراد مرتبطاً إلى حد كبير بمحاولاتها حرمان الولايات المتحدة من الحلفاء المحليين ودق إسفين بين قوى الناتو لزرع نوع من الخلاف.
كما أن دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية جعل القوات الكردية واحدة من القوى الرئيسية في سوريا، ولكنها ستتركها مع أعداء أقوياء أيضاً.
وكان إعلان واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2017 إنشاء قوة حدودية قوامها 30 ألفا مقاتل، عمادها الأساسي قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سوريا، السبب الذي أدى إلى هجوم عسكري تركي على عفرين.
وفي الآونة الأخيرة، دفعت التصريحات المتكررة من إدارة ترامب حول بقاء الولايات المتحدة في سوريا إلى حين مغادرة القوات الإيرانية إلى توجيه وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” اتهام الأكراد وحلفائهم بالانفصاليين. قد لا تشعر موسكو بأنها بحاجة إلى كبح النفوذ الكردي في شرقي سوريا إذا كانت الولايات المتحدة خارج الصورة .
وقد تكون مسألة ما إذا كانت تركيا قد قدمت شيئًا ما مقابل الانسحاب الأمريكي ذات علاقة بموقف روسيا المستقبلي أيضًا.ويشير قرار وزارة الخارجية بالموافقة على بيع نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت ” إلى تركيا ، والذي جاء في نفس يوم إعلان الانسحاب، إلى احتمال وجود نوع من التنسيق بين واشنطن وأنقرة.وفي جميع الأحوال، من المستبعد أن يقطع أردوغان في المستقبل المنظور علاقاته مع روسيا كي يتماشى مع سياسات ترامب المعادية لإيران.
بي بي سي العربي