أثارت استقالة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس مخاوف من تفاقم «فوضى» في البيت الأبيض، ومن أن تؤجّج تباعداً بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، لا سيّما أن الوزير كان يحظى بثقتهم. ماتيس الذي بات واحداً من مسؤولين بارزين كثيرين رحلوا عن البيت الأبيض، لم يُخفِ أنه يغادر الإدارة نتيجة خلافات مستعصية، لكنه عبّر عن ذلك في شكل «مهذب» في رسالة الاستقالة التي وجّهها الى ترامب. وبلغ التباين بين الوزير والرئيس ذروته، بإعلان الأخير سحب القوات الأميركية من سورية، والتخطيط لخفض عددها في أفغانستان.
على رغم ذلك، أشاد ترامب بماتيس، إذ كتب على «تويتر» إنه «سيتقاعد أواخر شباط (فبراير)» المقبل، مشيراً الى تحقيق «تقدّم هائل» خلال أداء مهماته. وأضاف: «الجنرال ماتيس ساعدني كثيراً في جعل حلفاء ودول أخرى يدفعون حصصهم المتوجّبة عليهم عسكرياً».
رسالة ماتيس (68 سنة) أوضحت مكامن الخلل في علاقته بالرئيس، إذ ورد فيها: «وجهات نظري حول معاملة الحلفاء باحترام، وأيضاً أن نكون واضحين في شأن الجهات الفاعلة الخبيثة والمنافسين الاستراتيجيين، تأسّست بناءً على معلومات تمتد على مدى أكثر من أربعة عقود من العمل عن كثب على هذه الملفات. لأن من حقك أن يكون لديك وزير دفاع وجهات نظره تتوافق في شكل أفضل مع وجهات نظرك حول هذه الملفات وغيرها، أعتقد بأن من الصواب بالنسبة إليّ أن أتنحّى عن منصبي».
وأضاف أن «قوّة أمّتنا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقوّة نظامنا الفريد والمتكامل القائم على التحالفات والشراكات»، مذكّراً الرئيس بأن «الدول الديموقراطية الـ 29 في الحلف الأطلسي أعربت عن مدى صلابة التزامها، من خلال القتال إلى جانبنا بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001».
وقعُ استقالة ماتيس كان صاعقاً في واشنطن، إذ وصفه السيناتور الديموقراطي مارك وارنر بأنه «جزيرة من الاستقرار وسط فوضى إدارة ترامب»، فيما تحدث زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل عن يوم «حزين لأن (ماتيس) يستقيل بسبب خلافات حادة مع الرئيس حول مسائل مرتبطة بالقيادة الأميركية في العالم».
ولفتت ناطقة باسم «الأطلسي» الى أن «ماتيس قدّم مساهمة مهمة في إبقاء الحلف قوياً ومستعداً للتعامل مع التحديات الأمنية الكبرى التي نواجهها». وطالبت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير ليين الولايات المتحدة بـ «توضيح سريع في شأن من سيخلف (ماتيس) والمسار المستقبلي» لإدارة ترامب، فيما نبّه غي فيرهوفشتات، زعيم الليبراليين في البرلمان الأوروبي، الى أن الاستقالة تفرض على الاتحاد التعجيل في تنفيذ خططه لتعزيز قدراته الدفاعية الخاصة.
وبعد ساعات على إعلان ماتيس استقالته، اتخذت خطوته منحىً آخر، إذ أعلن مسؤول أميركي أن ترامب يعتزم سحب جزء من القوات الأميركية المنتشرة في أفغانستان. ويُعتبر الوزير ضامناً لدور واشنطن في هذا البلد، وسيثير رحيله مخاوف لدى مسؤولين أفغان، علماً أنه تمكّن من إقناع الرئيس العام الماضي بإرسال مزيد من الجنود الأميركيين الى أفغانستان، حيث كانت حركة «طالبان» تحقق مكاسب وتكبّد القوات الحكومية خسائر ضخمة. وذكر المسؤول أن ترامب يعتزم سحب أكثر من 5000 من 14 ألف جندي أميركي في أفغانستان، لكن صحيفتَي «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز» تحدثتا عن سحب حوالى 7 آلاف جندي. وسعى الرئيس الأفغاني أشرف غني الى طمأنة مواطنيه، إذ قال ناطق باسمه: «إذا انسحب (الأميركيون) من أفغانستان، لن يكون لذلك تأثير على الأمن، إذ منذ 4 سنوات ونصف سنة، يمارس الأفغان فعلياً سيطرة كاملة على الأمن». لكن مسؤولاً بارزاً في الحكومة الأفغانية أقرّ بأن «الانسحاب سيؤثر في العمليات في شكل عام»، واستدرك: «علينا التريّث والانتظار لنرى أيّاً من الوحدات ستعود لوطنها أولاً. من السابق لأوانه قول أي شيء. استناداً إلى رد فعل طالبان، قد تطلب الحكومة من القوات تقليص عملياتها».
ورحب قيادي بارز في الحركة بالقرار، قائلاً: «لم نكن نتوقّع استجابة فورية من الأميركيين. نحن أكثر من سعداء، نتوقع مزيداً من الأخبار السارة». يأتي ذلك في وقت تجري إدارة ترامب محادثات مع «طالبان»، تأمل بأن تنهي نزاعاً مستمراً منذ 17 سنة. وجدّد «الأطلسي» التزامه «أمن أفغانستان واستقرارها على المدى الطويل»، لئلا تصبح «معقلاً لإرهابيين من العالم أجمع يوجّهون إلينا تهديدات». لكن وزيرة الدفاع الهولندية أنك بايليفلد أعلنت أن بلادها فوجئت بالإعلان عن خطط واشنطن، معتبرة أن من السابق لأوانه خفض القوات في أفغانستان.
الحياة