يفند تظاهر آلاف الأتراك الغاضبين من انهيار مستوى المعيشة ومقدرتهم الشرائية ادعاءات النظام بتجاوز الأزمة الاقتصادية التي يمر بها، فيما تؤكد المؤسسات المالية الدولية تواصل الصعوبات الاقتصادية في البلاد عامين آخرين على الأقل.
ويحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاوز الهزات الاجتماعية التي تتربص بالبلاد من خلال التركيز على قضايا الأمن القومي والتدخل العسكري الوشيك ضد أكراد سوريا.
ولطالما استخدم النظام في تركيا قانون الإرهاب وحالة الطوارئ التي كانت مفروضة لتقويض التحركات الاجتماعية باسم الأمن القومي، لكن يبدو أن هذه الاستراتيجية تآكلت ولم تعد تقنع أحدا.
وتظاهر الآلاف من الأتراك في شوارع إسطنبول احتجاجا على غلاء المعيشة وارتفاع معدّل التضّخم في تركيا. ووسط مواكبة أمنية مشددة رفع المتظاهرون لافتات تشير إلى تحرّك “السترات الصفراء” في فرنسا الذي انطلق كتظاهرة ضد ارتفاع أسعار المحروقات قبل أن يكتسب زخما ويتحوّل إلى احتجاجات ضد الحكومة.
وشارك في التظاهرة التي نظّمتها كنفيدرالية نقابات موظّفي القطاع العام أشخاص من مختلف المناطق التركية بما فيها محافظات أدرنة، وبورصة ويالوفا.
وهتف المتظاهرون “عمل، خبز، حرية” رافعين لافتات كُتب عليها “الأزمة لهم والشوارع لنا”، في إشارة إلى التظاهرات الحاشدة التي شهدتها تركيا في يونيو 2013 ضد رجب طيب أردوغان، الذي كان حينها رئيسا للوزراء، عندما انطلقت احتجاجا على مشروع بناء مركز تسوّق في حديقة غيزي قرب ميدان “تقسيم” في وسط إسطنبول. وتدهور الوضع الاقتصادي كثيرا في تركيا في الأشهر الأخيرة بسبب تراجع قيمة الليرة التركية على خلفية توتر دبلوماسي مع واشنطن صيف 2018، ورفض الأسواق السياسات الاقتصادية لأنقرة.
وبلغ التضخم في نوفمبر 21.62 بالمئة بالنسق السنوي متراجعا عن أعلى مستوى له منذ 15 عاما بعد أن بلغت نسبته في أكتوبر 25.24 بالمئة
ومنذ مطلع 2018 خسرت الليرة التركية نحو 22.5 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية يشعر السكان يوميا بارتفاع الأسعار.
و تباطأ نمو الاقتصاد التركي بنسبة 1.1 بالمئة في الفصل الثالث مقارنة بالفصل السابق، ما أثار المخاوف من حصول ركود اقتصادي، حيث دخل الاقتصاد في حالة ركود بعد انكماش لفصلين متتاليين.
وتأتي التظاهرة بعد نحو أسبوع من تظاهرة دعت إليها كنفيدرالية نقابات موظّفي القطاع العام وشارك فيها الآلاف احتجاجا على غلاء المعيشة في محافظة ديار بكر ذات الغالبية الكردية في جنوب البلاد.
ويواصل الرئيس التركي المضي قدما في سياساته الانتقامية والقمعية ضدّ الآلاف من الموظفين الأتراك بقطاعات مختلفة في إطار عملية تطهير ضد كل من يشتبه في علاقته برجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالتخطيط لمحاولة انقلاب الفاشلة في عام 2016.
ومع اقتراب الاستعدادات للانتخابات البلدية (مارس 2019)، كثّف الرئيس التركي من هذه السياسة كما صعّد من نبرة خطابه “العاطفي” بشأن دور تركيا في الذود عن حقوق الإنسان والمسلمين مقابل سياسات الغرب المدمرة والمذكية للصراعات، في تعارض كبير مع خطابه ووقائع موثّقة في الداخل والخارج، سواء في خصوص حملات التعذيب والاعتقال ووضع البلاد الاقتصادي الهش، أو على مستوى السياسة الخارجية حيث تواجه تركيا عزلة إقليمية، وتوترا مع الأوروبيين والأميركيين. وصعّد النظام التركي حملة الاعتقالات التي يشنها منذ أيّام بحقّ المئات من الأكراد الذين تتهمهم بالانتماء إلى حزب العمال الكردستاني الذي تصفه أنقرة بـ”الإرهاب”، حيث تأتي الاعتقالات بعد أيام من تحذير أردوغان بأنه سيقيل أي رئيس بلدية ينتخب في الانتخابات المحلية التي ستجرى في العام المقبل إذا تبين أن له صلة بالإرهاب.
واعتقلت الشرطة التركية العشرات من الأشخاص للاشتباه بعلاقتهم بحزب العمال الكردستاني في عملية أمنية شملت تسع مدن، وفق بيان صادر عن مكتب الادعاء العام المحلي في ديار بكر ذات الغالبية الكردية والتي شهدت أيضا حصول اعتقالات.
وقال البيان إن الشرطة اعتقلت 90 من أصل 151 مشتبها بهم مطلوبين خلال المداهمات التي استهدفت 183 موقعا، حيث يتعرض مناصرو حزب العمال الكردستاني لمداهمات أمنية بشكل منتظم.
واستؤنفت الاشتباكات بين القوات الأمنية التركية وحزب العمال بعد انهيار وقف لإطلاق النار بينهما عام 2015، حيث أدى الصراع بين حزب العمال والحكومة التركية إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ عام 1984.
ويدير قائمون بالأعمال الآن 94 من 102 بلدية في المدن والبلدات ذات الأغلبية الكردية وليس رؤساء البلديات الذين اختيروا في آخر انتخابات محلية أجريت عام 2014، حيث عزلتهم السلطات في الحملة الأمنية التي أعقبت محاولة انقلاب عام 2016.
وقال أردوغان خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم ، “اقترب موعد الانتخابات” في إشارة إلى الانتخابات المحلية المقررة في مارس عام 2019، مضيفا “إذا جاء ضالعون في الإرهاب عن طريق صناديق الانتخابات فسنعين قائمين بالأعمال على الفور”.
وقال جارو بايلان أحد نواب البرلمان البارزين من حزب الشعوب الديمقراطي إن الاعتقالات لها دوافع سياسية وتأتي في إطار استراتيجية حملة حزب العدالة والتنمية لانتخابات عام 2019.
وكتب على تويتر “بدأ حزب العدالة والتنمية حملته للانتخابات المحلية من ديار بكر باحتجاز صحافيين وسياسيين ورجال دين”. ونفذت تركيا في الأشهر الأخيرة ضربات بشكل منتظم على قواعد حزب العمال الكردستاني بشمال العراق خاصة على معاقل الحزب في جبال قنديل حيث هددت أنقرة أيضا بتنفيذ هجوم بري.
وفي سياق مساعيها لمواجهة ما تصفه الحكومة التركية بالخطر الكردي داخل تركيا وخارجها، يأتي تمديد فترة تفويض الحكومة من قبل البرلمان لعام واحد؛ يبدأ في 30 أكتوبر؛ لإجراء عمليات عسكرية في العراق وسوريا.