تضمّن خطاب الاستقالة الذي قدّمه وزير الدفاع جيمس ماتيس للرئيس دونالد ترامب الخميس الماضي ما يشير إلى خلافات جوهرية بين الرجلين.
وجاء قرار ترامب الفردي -الذي لم يستشر فيه كبار مستشاريه العسكريين بحسب مصادر من البيت الأبيض تحدثت لصحيفة واشنطن بوست- سحب القوات الأميركية من سوريا، وبدء سحب آلاف الجنود من أفغانستان ليضع نهاية لمهام وزير الدفاع الذي لا يخفي معارضته لهذه السياسات.
واعتبر الكثير من المحللين الأميركيين أن نص خطاب استقالة ماتيس كان الدافع وراء قرار ترامب التعجيل بوقفه عن العمل مع نهاية ديسمبر/كانون الأول الحالي بدلا من نهاية فبراير/شباط القادم.
لكنّ فريقا آخر يرى أنه ومع وجود بعد شخصي أثر على قرار ترامب، فإن الأخير يبدو مندفعا بحسابات السياسة الداخلية الأكثر أهمية له خلال العامين الباقيين في ولايته الرئاسية.
وتعرض ترامب لانتقادات من أعضاء جمهوريين وديمقراطيين من داخل مجلسي الكونغرس بسبب تحركاته لإنهاء الوجود الأميركي في سوريا وأفغانستان على عكس ما يراه مساعدوه والقادة العسكريون.
السياسة الداخلية
تدعم الكتلة المحافظة اليمينية المؤيدة لترامب تحركاته، وكتب السياسي المحافظ المخضرم بات بوكانين مدافعا عن سياسة ترامب قائلا “يقوم ترامب بفعل ما وعد به بدقة خلال حملته الانتخابية. وهدف قراراته الأخيرة هو سحب جنودنا من الحروب التي لا تعرف نهاية في الشرق الأوسط، والتي كان من الغباء التورط فيها على يد الرؤساء السابقين. وعلى حكام وشعوب تلك الدول أن يستمروا في حروبهم من دون جنودنا الأميركيين”.
وأضاف بوكانين أن “أميركا ليست قوة مطلقة لتحارب في حروبهم، عندنا تحديات أكبر تتعلق بالصين وورسيا وكوريا الشمالية وإيران”.
وجاء توقيت قرار ترامب وما تبعه من استقالة ماتيس ثم تعجيل ترامب بمغادرته البنتاغون في الأسبوع نفسه الذي شهد مواجهة حادة بين ترامب والديمقراطيين أدت لإغلاق جزئي للحكومة الفدرالية.
وخرجت وسائل إعلام محافظة لتضغط على ترامب كي لا يتراجع أمام قادة الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بموقفه الحازم من قضية الهجرة غير النظامية، وضرورة تمسكه ببناء جدار حاجز عند الحدود الجنوبية مع المكسيك.
وذكرت قناة فوكس أن على ترامب الاستمرار في تنفيذ وعوده الانتخابية، التي منها أيضا سحب القوات الأميركية من سوريا وإنهاء الوجود الأميركي في أفغانستان.
وغرد ترامب صباح الاثنين بتوقيت واشنطن مهاجما الوزير ماتيس بعدما أسبغ عليه المديح فور إعلانه الاستقالة قبل ثلاثة أيام.
واستغل ترامب تغريداته في التأكيد على موقف شعبوي ينال رضا قاعدته الانتخابية، إذ قال “نحن ندعم جيوش العديد من الدول الغنية حول العالم، وهذه الدول تستغل الولايات المتحدة ودافعي الضرائب في التجارة معنا أيضا. الجنرال ماتيس لم يعتبر ذلك مشكلة، أما أنا فأراها مشكلة”.
ولا يوجه ترامب تغريداته للرأي العام الأميركي ككل، بل هو يهتم بناخبيه والأعضاء المحافظين داخل مجلسي الكونغرس.
جبهة جديدة
ويمثل توقيت اتخاذ ترامب قرار سحب القوات من سوريا وما تبعه من قبول استقالة ماتيس والتعجيل بمغادرته منصبه، تصعيدا مع المؤسسات الأميركية، ومع وزارة الدفاع تحديدا.
ومع استمرار المواجهة بين ترامب وأجهزة الاستخبارات الأميركية على خلفية تقييمها المخالف لموقف ترامب فيما يتعلق بالمسؤولية عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، يفتح ترامب جبهة جديدة في صراعه مع أجهزة الدولة الأميركية العميقة، وهو ما يلقى رواجا وقبولا بين أوساط قاعدته الانتخابية التي تدين بالولاء له.
ومع بدء الكونغرس الجديد أعماله بعد عطلة نهاية العام، يستعد ترامب لمواجهات كبيرة مع لجان مجلس النواب التي تعهد قادتها بفتح تحقيقات تخص العلاقة المشبوهة لترامب وعائلته بروسيا والسعودية على خلفية موقفه من التحقيق في التدخل الروسي والموقف من قتل خاشقجي.
وجاءت هذه التطورات في وقت يقترب فيه صدور تقرير المحقق روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. وتزداد التكهنات في واشنطن بقرب صدور تقرير مولر بداية عام 2019 طبقا لشبكة أن بي سي الإخبارية.
من المتوقع أن يفاقم ذلك من أزمات ترامب خاصة بعدما أدين عدد كبير من كبار مساعديه في قضايا مختلفة منها الكذب على مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) بخصوص لقاءات لهم مع أشخاص روس قريبين من الكرملين.
المصدر : الجزيرة