ارتفاع نسبة الأمية لـ 20 % وتدمير التعليم أبرز ملفات الفساد في العراق

ارتفاع نسبة الأمية لـ 20 % وتدمير التعليم أبرز ملفات الفساد في العراق


اهمال التعليم .. والفساد بشكل متعمد في العراق خدمة لمصالح قوى إقليمية وعالمية .. ترى في تقدم العراق خطرا يمنع فرض هيمنتها عليه .”

شذى خليل *

كان العراق من الدول المتقدمة في مجال التعليم في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، حيث حقق تقدماً كبيراً ، وطفرة هائلة خلال هذين العقدين ، وحصل على جائزتين من اليونسكو قبل عام (2003) ، بسبب الانجازات المتحققة في قطاع التربية والتعليم ، وإعلان العراق عام (1991) البلاد خالية من الأمية.
بقي العراق يعاني من قلة المدارس للمراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ، إضافة إلى وجود مئات المدارس الطينية التي تنتشر في الأرياف والمناطق النائية في البلاد ، ما جعل أكثر المدارس الموجودة تتبنى الدوام الثنائي والثلاثي في مسعى غير مجد لحل المشكلة.
وتفاقمت المشكلة بأسوأ صورة بعد عام (2003) وليومنا هذا ، وكشفت لجنة التربية في مجلس النواب ، ان وزارة التربية بحاجة الى أكثر من (20) ألف مدرسة في عموم البلاد ، أي عدم توفير الأبنية المدرسية في جميع محافظات البلاد ، وسط انتشار صور نظام التعليم الثلاثي والرباعي في المدرسة الواحدة ، ومدارس الطين ، الأمر الذي يظهر حجم المأساة والفساد الذي تسبب اليوم بأمية تجاوزت الـ(20%) ، ونحو (3) ملايين طفل متسرب من المدارس .. كيف وصل الحال الى هذا المستوى رغم كل ملايين الدولارات التي خصصت لحل تلك الازمات ؟!
منذ العام (2003) بدأت خطوات المشاريع وتخصيصات الأموال للقضاء على أزمة الابنية المدرسية لنجد التالي:
 انطلقت مشاريع وزارة التربية في العام 2008 من أجل سد حاجة البلاد من الابنية المدرسية .
 نفذت المشاريع بأسلوب الدعوات المباشرة على ثلاث مراحل هي: الهياكل الحديدية ، وانقاذ الاهوار ، والبناء الجاهز ، آخرها كانت الأكبر حجما من حيث العدد والأموال المخصصة ، وهو ما عرف بـ(المشروع رقم واحد) ، حيث اعد مشروع البناء الجاهز لبناء أكثر من (1700) مدرسة بكلفة تصل الى (1.2) مليون دولار للمدرسة ، وبمدة انجاز تتراوح بين العام والعامين.
 وزارة التخطيط ، الجهة المسؤولة عن دراسة المشاريع ورسم الخطط حسب الحاجة في أغلب المجالات والمشاريع الحكومية ، ويوضح الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي إن “وزارة التربية أحالت المشروع بكل مراحله إلى جزأين: جزء إلى قطاع حكومي عبر شركات تابعة لوزارة الصناعة ووزارة الإسكان والاعمار ، وجزء آخر أحيل إلى قطاع خاص ، بواقع (21) عقدا ، وقعت ضمن (50) مشروعا ، (18) عقدا أحيلت لوزارات حكومية ، و (3) عقود فقط أحيلت إلى شركات القطاع الخاص”.
 ويلفت الهنداوي الى أن “القطاع الحكومي أحال مقاولاته الى شركات القطاع الخاص , وبموجب التعليمات فإن نسبة السلفة التشغيلية الأولى والتي تبلغ (60%) من كلفة المشروع ، تمنح أو تعطى لشركات القطاع الحكومي من دون ضمانات ، على اعتبار انه قطاع حكومي ، كون الضمانات تؤخذ من شركات القطاع الخاص فقط”.
 وأكد شيروان الوائلي ، النائب السابق في البرلمان ، والمستشار الحالي لرئيس الجمهورية “في هذه المقاولات اشترطوا هدم المدارس القديمة ، ولكنهم لم ينفذوا المدارس الجديدة ، وبقي الأطفال إما في كرفانات تبرعت بها جهات غير حكومية ، وإما بقوا من دون مدارس مع الأسف ، أو انه تم دمج بعضهم بمدارس أخرى ، رغم ان هذه المبالغ مستوفاة ، سواء الكونكريتية أو الحديدية أو من ميزانية إنعاش الأهوار ، لأن الحقيقة أنها لم تنفذ (100%) كعقود ، بل نفذت جزئيا”.
 وبين الوائلي إن “مدة بناء المدارس الحديدية ستة أشهر ، والكونكريتية عام واحد ، واليوم بعد ثماني سنوات لم تنفذ بالكامل”.
 من خلال متابعة الأمر ، تبين ان المشروع الأخير كان الاكثر تخصيصا ، وان نسبة انجاز المشروع بعد مرور خمس سنوات لم تتجاوز (15%) رغم دفع الحكومة لأكثر من (60%) من مستحقات المقاولين.
 لم يكتف المشروع بنسب الاكتمال ، بل عمد الى هدم مئات المدارس التي كانت تستوعب آلاف الطلبة ، على أمل إعادة بنائها ، وهو ما يظهر في أحد الوثائق التي حصلنا عليها للمشروع ، والذي يشترط تهديم المدارس الآيلة للسقوط ، ما تسبب بنقل الطلاب الى كرفانات مؤقتة لحين اكمال البناء.
 تظهر الدراسات المتخصصة ، ان العراق أنفق منذ عام 2003 أكثر من (22) مليار دولار أميركي على قطاع التعليم الأساسي ، وتُعتبر مشكلة المدارس الطينية من أبرز ملفات الفساد ، إذ جرى تخصيص ميزانية لبناء مدارس حديثة وإزالتها ، لكن ما زال هناك أكثر من (2000) مدرسة طينية بالعراق.
 قدمت وزارة التربية احصائية بينت أن عدد مدارس الطين في العراق ، يبلغ أكثر من (2000) مدرسة ، تقع النسبة الأكبر منها في محافظات ذي قار والبصرة والعمارة والمثنى والقادسية والنجف ، تضم حوالي (15) ألف طالب ، ويخدم فيها حوالي (7000) معلم وموظف ، وبالطبع فإن هذا الرقم في تزايد مستمر منذ ست سنوات بشكل كبير ، وازداد الأمر سوءا ، لاسيما في محافظتي بابل وذي قار ، حيث تنتشر المدارس الطينية بكثرة ، مع العجز الواضح في البنايات التعليمية ، وغالبا ما تبنى مدارس الطين بناء على طلب أهالي المناطق النائية ، بعد توفير الأهالي قطعة أرض لإنشاء مدرسة من الطين أو أعواد القصب أو النخيل او الكرفانات .
 يعاني طلاب المدارس الطينية في العراق من حرارة الصيف وبرودة الشتاء ، فلا وسائل تدفئة ، ولا حماية لهم من تقلبات الجو ، فهبوب الرياح أو الأمطار يثير فزع الطلبة والأساتذة معا ، حيث تفتقر أغلب المدارس في أرياف العراق الى الشروط الصحية اللازمة ، والخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء ، إضافة إلى انعدام وسائل التعليم الحديث.

الكرفانات المدرسية ماذا تعرف عنها ؟!
أكدت دراسات علمية متخصصة مأساوية ، واقع الصفوف الكرفانية من منظار المعلمين والمشرفين التربويين ، لأن تكون صفوفاً دراسية تتوافر على البيئة الدراسية ولو بالحد الأدنى ، إذ ان ارتفاع درجة الحرارة العالية في الصيف ، والأمطار والرطوبة في الشتاء ، توثر سلباً في الطالب ، وعدم استيعاب الكرفانات لأعداد كبيرة من الطلبة ، وان مكان الكرفانات غير ملائم للجو الدراسي ، وأكد المعلمون والمشرفون التربويون أن مكان الدراسة في المدارس البديلة (الكرفانات) قد أثر كثيراً في المستوى العلمي لطلبة المدارس ، وان الكرفانات وأثرها في العملية التربوية من منظور المعلمين والمشرفين التربويين كما يأتي:
 ارتفاع درجة الحرارة العالية في الصيف ، والأمطار والرطوبة في الشتاء ، تؤثر سلباً في الطالب بنسبة (95%) ، وعدم استيعاب الكرفانات لأعداد الطلبة الكبير ، ومكان الكرفانات غير ملائم للجو الدراسي ، وانعدام الدروس الترفيهية كالرياضة والفنية.
 تؤثر الكرفانات في الجانب الصحي للطالب بنسبة (90.33%) ، وعدم توافر أثاث جيد في تلك المدارس ، ووجود ضوضاء داخل الكرفانات نتيجة الأرضية الخشبية التي تؤدي بالنتيجة بالتأثير في الطلبة ، وافتقارها الى الماء الصالح للشرب في تلك ، وضعف الإنارة والتهوية داخل الصفوف لوجود منافذ صغيرة جداً.
 انعدام وسائل الإيضاح في تلك المدارس ، واختناق الطلبة في الساحة لانعدام المساحات الكافية فيها ، وكان تأثيرها بشكل مباشر على الجانب العلمي للطالب بنسبة (80.66%) ، ولها تأثير سلبي في نفسية الطالب ، بالإضافة الى انها غير آمنة ، وغير صحية ، وغير مريحة للطالب والمدرس في نفس الوقت .
 بين المختصون ان من أبرز المعوقات التي تواجه الحل لهذه المشكلة هي:
 الحاجة لدعم الجهد الرقابي وملاحقة التقصير والفساد .
 زيادة الجهود التشريعية والرقابية والإجرائية المبذولة في هذا المجال .
 الحد من هدر وسرقة التخصيصات المالية .
 ضعف الخبرات الفنية .
 محدودية الشركات الرصينة .
 تقادم الأبنية المدرسية وتزايد هرمها مع قلة برامج الصيانة المطلوبة .
 الحاجة الى مراجعة وسن التشريعات المناسبة لتشجيع الاستثمار في التعليم وخلق منافذ جديدة لحل المشكلة .
وبالرغم من ان العراق يحوم على بحيرة من النفط ، إلا أن أعداد الأميين وصلت إلى نحو (5) ملايين شخص ، بينما يتعلم التلاميذ في بيئة مدرسية غير صحية وملوثة وطاردة للأطفال تمثل البؤس والتدهور , وذلك في عصر تأخذ فيه الدول بأسباب التطور ، وتعمل على تعميم استخدام الكومبيوتر بدلا من الكتب والدفاتر ، وربطت تلاميذ الصف الواحد بشبكة مع مجمل المعلمين والقائمين على العملية التربوية والتعليمية ، حيث تنقل المعلومة في جزء من الثانية ، في وقت يتلقى فيه طلاب العراق تعليمهم في مدارس طينية وأخرى مبنية من القصب فضلا عن مدارس الأكواخ.
ومن هنا نصل الى التأكيد على ضرورة العمل الجاد للحكومة العراقية ، وجميع الجهات المسؤولة والمعنية ، من أجل إيجاد حلول دائمية وسريعة لمشكلة النقص الكبير في أعداد المدارس ، وعدم اللجوء إلى الحلول الترقيعية المؤقتة ، التي تتحول لاحقاً إلى مشكلات ، والعمل على تحسين ظروف الدراسة فيها .

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية