“لم يعد يفرحنا خبر اقتراب موعد تسليم الراتب، لقد تحول الأمر إلى كابوس مرهق، أحتاج إلى ما يقارب خمسين ألف ريال يمني كي أنتقل من صنعاء إلى عدن وأتسلم مستحقاتي المالية”. هكذا بادرنا المعلم اليمني عبد الرحمن القاسمي وهو يشرح معاناة انتظاره وبحثه عن راتبه الحكومي.
ليس عبد الرحمن الموظف الوحيد، لكن هناك الآلاف من اليمنيين الذين يقضون رحلة مريرة في البحث عن الراتب الذي لا يتجاوز في الأغلب مئة دولار، وذلك بعد أن اشترطت الحكومة الشرعية على كل من يريد استلام راتبه من الموظفين الذين يعملون في مناطق سيطرة الحوثيين أن يحضر إلى مدينة عدن جنوب البلاد التي تتخذ منها الحكومة الشرعية مقرا لها.
ومطلع العام الجاري وجهت الحكومة اليمنية بصرف مرتبات الموظفين النازحين (القادمين من مناطق الحوثيين)، وهو الأمر الذي جعل الكثير من الموظفين في صنعاء وبقية المدن يستبشرون بذلك خيرا.
واعتبروا الموظفون تلك الخطوة انفراجة لأزمتهم التي يعيشونها بعد انقطاع مرتباتهم لأكثر من عام ونصف العام، إلا أن أحلامهم تبخرت وتحولت إلى معاناة شاقة تستغرق أياما ويقطعون خلالها مئات الكيلومترات، بحسب ما قاله عدد من الموظفين تواصلت معهم الجزيرة نت.
مشاكل وصعوبات
يحتاج الموظف اليمني في وزارة التخطيط بصنعاء (محمد. س) أكثر من عشرين ألف ريال يمني (80 دولارا) قيمة الانتقال من صنعاء إلى عدن من أجل استلام راتبه الذي لا يتجاوز سبعين ألف ريال، بحسب حديثه للجزيرة.
ويحتاج أيضا إلى عشرة آلاف ريال أخرى قيمة إيجار غرفة الفندق الذي سينزل فيه لليلة واحدة، إضافة إلى عشرين ألفا مصاريف شخصية له على طول رحلته التي قد تستغرق يومين أو ثلاثة ذهابا وإيابا.
ويتابع محمد شرح رحلته القاسية قائلا “أحيانا أتمنى أنني لم أسافر لاستلام الراتب من الأصل، ما هي الفائدة وأنا أنفق ما يعادل الراتب وأكثر خلال انتقالي إلى عدن، هناك العديد من النقاط التابعة للحوثيين تستوقفنا دائما، ويقوم عناصرها بالتحقيق معنا، أحيانا أضطر إلى قطع تذكرة سفر وهمية من أجل إقناعهم بأني أريد السفر إلى الخارج عبر مطار عدن”.
الحال نفسه يشكو منه عدد من الموظفين الذين تحدثوا للجزيرة نت في اتصالات هاتفية، وقالوا إن النقاط الواقعة في مداخل عدن والتابعة للحزام الأمني المدعومة من الإمارات تمارس سلوكيات إستفزازية، وغالبا ما يتم سؤالهم عن المناطق التي ينتمون إليها والجهات التي قدموا منها.
عبد السلام أحمد عبده أحد موظف يمني في مكتب وزارة المالية بصنعاء قال إنه في إحدى المرات كان يستقل حافلة صغيرة تتسع لـ14 راكبا وعلى امتداد الطريق تعرضوا للتفتيش والتحقيق وتم إجبار مسافرين آخرين على العودة، وتمكن هو من الوصول إلى عدن برفقة خمسة أشخاص فقط من أصل 14 مسافرا، بينهم موظفون كانوا في طريقهم لاستلام الرواتب.
أزمات متفاقمة
وبحسب تقارير للأمم المتحدة، فإن إجمالي عدد موظفي اليمن يقدر بنحو 1.2 مليون موظف، منهم نحو مليون يعملون في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والبقية يتوزعون في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
ومنذ أن أعلنت الحكومة اليمنية نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في 18 سبتمبر/أيلول 2016 يعيش الموظفون اليمنيون في جميع أنحاء البلاد أزمات متفاقمة، خصوصا في ظل ارتفاع الأسعار وانهيار الريال اليمني (تجاوز سعر صرف الدولار الواحد 720 ريالا يمنيا).
عبد الواسع العسالي يعمل موظفا تربويا في تعز أوضح للجزيرة نت أنهم يتسلمون راتبا كل شهرين أو ثلاثة أشهر، وأضاف “لا أعلم ما هي أسباب كل هذا الاستهتار بقوت الناس ومعيشتهم، خصوصا أن الراتب هو دخلنا الوحيد وتدرك الحكومة الشرعية ذلك”.
معالجات عملية
بحسب الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، فإن حل مشكلة استلام رواتب الموظفين اليمنين يمكن أن تتم عبر إدراج كل من استوفى معاملته من الموظفين القادمين من المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون في كشوفات الرواتب بعدن عقب أول مرة يتسلم فيها راتبه من المدينة، ليتم بعد ذلك تعميم كشوفات بالأسماء إلى كل فروع مصرف “الكريمي” في البلاد المعني بتسليم المرتبات ليتمكن الموظف من استلام راتبه من أي مكان دون الحاجة إلى السفر إلى عدن.
ويضيف العوبلي للجزيرة نت أن “بإمكان الحكومة أن تفتح نافذة إلكترونية على الإنترنت لاستقبال طلبات الموظفين ورفع وثائقهم ومقارنتها بالبيانات الموجودة لديها بحسب كشوفات 2014 ثم توجه باعتماد الصرف وفقا لذلك إلى حساب الموظف في مصرف الكريمي مباشرة”.
ويؤكد العوبلي أن هذا الحل سيضع حدا كذلك للجهات النافذة والسماسرة الذين يقومون بابتزاز الموظفين في عدن ويستغلون ظروفهم، إضافة إلى ما يتعرضون له من استفزازات مناطقية بحجة أنهم شماليون.
المصدر : الجزيرة